دراسات و مقالات

صوت سيد نجم النّاضج كروائي محترف في رواية “ضجيج الضفادع

د. مختار أمين و الكاتبة سهيلةبن حسين حرم حماد

الدّراسة النّقدية للدكتور مختار أمين

صوت سيد نجم النّاضج كروائي محترف في رواية “ضجيج الضفادع”عندما يجبرك كاتب على تناول عمل أدبي سردي من خلال أثر الصوت، والنظر في تحليله تحليلا أمينا واعيا في رواية “ضجيج الضفادع” للأديب سيد نجم، يعدّ هذا إنجازا أدبيا يحسب له في حدّ ذاته. ولم أختلق اختلاقا هذا التأويل أو التحليل للعمل بشكل أكاديمي منصف، ومفيد للعامة، ومتذوقي الأدب، ألا وهو عامل الصوت..

إن النظر لعامل الصوت من جانب النقد الأدبي في تحليل الأعمال السردية، عامل رغم أهميته الكبرى يغفل عنه الكثير من النقاد، ولم يرَ أغلبهم أنه عامل ممتلئ، حامل لدلالات كثيرة على النبوغ والإبداع في الأعمال الأدبية السردية، ويشير إلى مقدرة احترافية للكتّاب، بل يراه الكثيرون أنه عامل مساعد ليس رئيسي في كامل الأعمال السردية الضخمة التي تحمل أهمية كبرى في تاريخ الأدب السردي، لذا يختفي صوت الصوت في تأويل الأعمال، وتحليلها.

لم نقرّ هنا في هذه القراءة إقرارا يقينيا على ضرورة تحليل كل الأعمال السردية من خلال عامل الصوت، ولكن هناك أعمال دلالاتها التأويلية في تحليل عامل الصوت المتعدد المتنوع مثل رواية “ضجيج الضفادع” لكاتبنا المتميز سيد نجم..

 

بداية لم يكتب سيد نجم في روايته قصة عبد الوارث مهندس الري العاشق لعمله، ولم يقصد جميلة الفتاة النوبية التي رباها في بيته، والتحمت في نسيج عائلته لتصبح واحدة من أهل البيت، ولم يكتب أيضا عن تاريخ نيل مصر “نهر النيل” ورصد حركة تصريف المياه والري، ولكنه في هذه المرحلة النضجية الأدبية أمسك بتلابيب فكره الخاص، وما يدور فيه، استطاع أن يستصرخ أصوات تساؤلاته، وتأملاته لأفكار عديدة تدور في مخيلته، وذلك بإسقاطها على شخصية بطل الرواية المهندس “عبد الوارث” منها موضوع بعينه، يراه ككاتب ومفكر في غاية الأهمية لمصر في هذه الحقبة الآن، تبث حسرة ووجعا على نيل مصر “نهر النيل” بعد إنشاء سد النهضة في أثيوبيا الذي سيضر مصر ضررا بالغا في حصتها من المياه..

وما يلفت النظر في الرواية كتكنيك الأسلوب الذي أبرز جوهر هذه الفكرة بالذات ضمن أفكار عديدة تعمد طرحها بهذا الأسلوب بالذات، وهو أسلوب السرد الذي يتوارى متجنبا الطرح المباشر للفكرة الرئيسية العميقة، إنه أسلوب الإشارة، وعرض الحال، إذ يمعن الكاتب بصورة تقريرية إخبارية عن عرض حال شيء، وأحواله، وتاريخه السابق، وما وصل إليه الآن، ويظهر هذا الأسلوب السلبي، والإيجابي في طرح القضية، ولهذا الأسلوب أهمية كبرى كفن إبداعي سردي، لأنه يكون بمثابة الفيلم التسجيلي للمتلقي لعرض الموضوع، أو الفكرة الرئيسة من كل الأوجه، بحيث ينتهي لشمول كامل لدى مخيلة القارئ عن الشيء المعني، تنتهي به الحال ليقول: ماذا بعد؟.

هكذا تكلم سيد نجم في روايته عن نيل مصر، وعدد القناطر، ومجال التصريف، وحركة الري عبر تاريخ طويل من أول عهد محمد علي حتى عصر حسني مبارك.

نجد أن الرواية تتزامن في صوتها مع صوت الشارع المصري الآني عن هرم شامخ هبة من الله هو نهر النيل؛ لنتأمل ونقارن وفق الأحداث الجارية تعرض مصر لخطر داهم يصيب حصتها من مياه النيل على إثر بناء أثيوبيا لسد النهضة..

وكان أسلوب الطرح السردي يستصرخ القارئ، ويستفزه، ويبرع في إظهار قيمة الرواية كعمل أدبي له أثره في المجتمع..

هذا جانب لطريقة عرض فكرة رئيسية من أفكار الرواية.

أما الجانب الآخر؛ فهو الجانب التأليفي لقصة، وحدوتة الرواية، إذ أسقط الكاتب كل أفكاره الخاصة وما يعن في خياله من تساؤلات وأفكار شخصية البطل عبد الوارث، وأخذ يحكي عنه أيضا بشكل تقريري، وما يهمنا في إبداع سيد نجم كمؤلف، لحظة اختيار دخوله إلى الموضوع، إذ بدأ الرواية في سن متقدمة للبطل -بعد التقاعد- ليستحث صوت الخبرة الطويل من خلال الحكي بشكل تقريري، ودرس التاريخ من خلال عامل الزمان، والمكان؛ ليتيح الفرصة لعرض المعلومة المؤكدة بكل حذافيرها..

واستطاع الكاتب الهروب من الرتابة، والملل في عرض الشخصية الرئيسية في الرواية وهي تمعن في التقريرية في عرض الأحداث والمعلومات، واستطاع أن يخلق الجذب والتواصل بشكل نوعي في الأسلوب التقريري الذي من أهم عيوبه نفور القارئ، وعزوفه عن المتابعة، وإرساء حالة الملل والإيقاع البطيء بحكمة إبداعية، وخبرة، وميراث روائي كبير من خلال القطع على المشاهد بشكل مفاجئ بنهايات لها روح التواصل، والمزيد من الحكي، ويأخذنا إلى عنوان فرعي جديد، أما العناوين الفرعية؛ فهي عبارة عن وقفات توضيحية، وتعريفية عن بعض شخصيات الرواية، أو نقل أثر معين من أحداث الرواية على بعض هذه الشخصيات أو كلها، أو لإبراز حدث ينقل القصة إلى خطوات تقدمية للأمام والتطوير الدرامي..

ساعدت التفاصيل في نقل طبيعة الأسرة، وشخوصها، واستدرار أحداث الشارع، وأصواته الصارخة، والحديث عن الأماكن، وتاريخها وزمانها، ورغم تقليدية الحكي الروائي غير أنها تشعرنا بالواقعية اللازمة، وكذا جلسات عبد الوارث التأملية، وحواراته مع جميلة، ومونولوجاته النفسية، وحوارت جميلة، وانطباعاتها من خلال مونولوجاتها أيضا، يستشعر القارئ أنه أمام رواية حية من جسد، ولحم، ودم، وروح حقيقيين.

من الممكن أن يقال إن التكنيك الذي اتبعه الكاتب في روايته يبدو سهلا بسيطا لكاتب متواضع، ولكن البعض لا يعرف أن في الأدب السردي لكل موضوع طريقة عرض تناسبه، وأن له حدود وسقف، وأبعاد خاصة به، وهذا ما يستشعره الكاتب المخضرم؛ فكان تقسيم رواية “ضجيج الضفادع” مناسبا جدا، وغاية في الأمانة، والاحترافية، بدءا من العنوان “بوابة النص” الذي علا صوته، وكان زاعقا مرعبا “ضجيج الضفادع” وهذا يحيلنا بشكل مباشر إلى الاستماع لصوت الضجيج، ونبحث عن السبب وراء هذا الضجيج الإسقاطي على الضفادع، ونرى في تقسيم أقسام الرواية، وعناوينها الأصوات المختلفة التي تؤرخ لها..

فنجده في هذا التقسيم يجعل القارئ والباحث يسمع أصوات الرواية وهو يقرؤها، لذا كان عامل الصوت هو البساط الممتد الذي يحمل أفكارها، فقسّم أقسامها على هذا النحو:

 

القسم الثاني بعنوان: ماذا يعني الصمت؟

 

 

فكأنه في بداية الطرح يريد أن يرسي فكرة الصمت قبل الصراخ والصوت العالي، التي تتناسب ومرحلة تقاعد البطل، ولحظات التأمل مشيرا إلى نهاية حالة الفعل، والصخب، وهذا ساعد الكاتب كثيرا في استرداد التاريخ، والهروب من صوت التقريرية السالب، بالحكي بشكل تفصيلي، ووثائقي..

ثم استكمل عناوين هذا القسم لاستعراض شخصيات الرواية من خلال المرحلة التأملية -الصمت- فنراه قسّمه كالآتي:

ماذا يعني الصمت عند عبد الوارث؟

ماذا يعني الصمت عند جميلة؟

ماذا يعني الصمت عند الجنرال؟

ماذا يعني الصمت عند الإعلامي؟

ماذا يعني الصمت عند عصام؟

 

هذا التقسيم التكنيكي أتاح الفرصة لعرض شخوص الرواية بتمهل محبب، بعد تسليط الضوء عليهم بشكل مباشر كنهج التقريرية ليخلق التشويق والنهم عند القارئ لمعرفة شخوص الرواية، ثم يأخذ في العلو لتأتي مرحلة القسم الثالث المعنون بـ “ضجيج الصمت”..

وليأخذنا لوجهة نظره الفلسفية، ويجعل القارئ يهضم شخصية بطل الرواية كاملة، ويفسر الأمور من حوله كما يفهمها عبد الوارث ويفسرها.. وكأنه يقول له: أصغِ لضجيج الصمت.. تأمل أن للصمت ضجيجا، وكأنه يسقط على معنى الصمت السلبية المتفشية تجاه الأحداث الجسام، كل شيء مهمل والكل ساكن صامت؛ فعندما يكون كل شيء ذو قيمة حولنا كنهر النيل العظيم، يجار عليه والقناطر مهملة، وكذا التصريف والري، وأحداث انفعالات ما بعد ثورة 25 تتفاقم، وتأخذنا إلى نقطة الصفر، وكأن كل ذي قيمة يتآكل، ويموت في صمت من حولنا؛ فنجده تجسيدا صارخا للصمت الذي أصل الموت فيه كأنه الصراخ والضجيج..

أرى أن الرواية تحمل فكرا فلسفيا لتلخيص الأحداث الجارية، وتوصيفا ممعنا في تصوير الأنماط البشرية، وما آلت إليه تركيباتهم الشخصية..

الرواية تقول: كل شيء يموت، وينتهي أمام أعيننا، حتى الشخوص، والكوادر، والمسؤولين عن الفعل والإيجاب كلها كاريكتيرات كرتونية تتحرك بالرموت كنترول لأشخاص تمثل الحياة، ولكن في الحقيقة إنها ميتة، وتساعد على مزيد من عشوائية الحياة، وموت القيمة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مختار أمين

القاهرة 18/6/2019

 

=======

============

 

نقد النقد

 

دراسة لن أقول بأنها رائعة أو جميلة ….

هي دراسة،، سلّطت الضّوء على المضمر، وكشفت خبايا مكامن الجمال، والإبداع بالرّواية، بحيث أنارت سبيل المتلقّي، وأنارت الأثر، وأعطت حقّ المؤلّف…وأثارت عدة أسئلة …فقد اعتنى الدكتور مختار أمين، بتحليل الأثر من حيث هو عمل، أي أنه تجاوز الاهتمام الأفقي للمحبّر كجمل في حدّ ذاتها، و غاص في مكنون أبعاد الأثر التّراكمية، في كلّيتها، من حيث ربطه للعمل بالمحيط، أي تجاوز النّصّ من الظاهر إلى الباطن، ومن السّطح إلى العمق.

 

إذ نراه عمد إلى التّأويل باستدعاء الذّوات (أي الإنسان و بتوجيه القارىء إلى الاستماع إلى ضجيج الصّمت بأصوات مختلفة)، كما استدعى التّاريخ والتّأريخ، من خلال التّعريج على أزمة الريّ في مصر، الّتي رجع بها إلى عهد محمد علي ومن ثم ربطها بإقامة سدّ النّهضة بأثيوبيا، في الزّمن الحاضر، و ما سينجم عن ذلك من أزمات، قد تحدث لاحقا ، إضافة إلى الإشارة إلى تهاون أصحاب القرار في التّفويت في القيمات، التي بحوزتهم لعجزهم على تثمين ما بأيدهم. وبدل العمل على تطويرها، يقع التّفويت فيها للزّمن باللّامبلات، حتى تتآكل وتندثر .. لتتحسّر بعد ذلك الأمّة ..و لتضلّ الشّعوب تبكي على الأطلال .و بذلك يكون قد لمّح إلى تفسير الأبعاد النّفسية والفلسفيّة و المقصديّة للرّواية من وجهة نظره، من خلال اعتماده التّركيز على الأصوات الدّاخلية لشخوص الرّواية…

 

كما تجدر الإشارة، أنّ النّاقد قد وسم رواية ضجيج الضفادع للرّوائي سيّد نجم، بأنّها بمثابة فيلم تسجيلي بالنّسبة للمتلقّي، وهذا حسب رأيه لا يفقدها من قيمتها، بل يرى أنّ التّسجيلي شيء مطلوب في بعض الأعمال لتأديّة غرض مقصود …

 

نرى الكاتب في تناوله للأثر استعمل متلفّظ (الدّلالة والتّحليل والتأويل والنبوغ والحرفية ……) وكأنّه يشدّد على ضرورة الاهتمام بالعالم الخارجي لأي خطاب سرديّ، لما للظواهر الإنسانية والاجتماعية والتاريخية من تأثير مباشر على المؤلف وكذلك عل المتلقّي لما يحدثه من تفاعل جدليّ تعيد الحياة للأثر، للمؤلف وللنّاقد ….على حدّ السّواء …

                         سهيلةبن حسين حرم حماد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى