دراسات و مقالات

صهيل جراح — الشاعرة المغربية رشيدة القدميري – 1964 م

السعيد عبد العاطي مبارك

قل لي بربك
كيف أتخلص منك
يا جلدا يكسوني؟
يا صدى ذكرى
توغلت في الوريد
أثملت الألم مرارة..
بعمق البحر
أصبح الفراغ
اللا عودة باتت الشعار.
ذعرت الأشجار
ركضت حافية
وراء ظلي الهارب مني
تأنق السواد
قرع طبول الانتشاء
تعرى..
= = =

كلما أحكمت إغلاق نافذة الحنين..
فتح له المساء ألف باب …وباب…
من” أسرار المسافات”

————–
تقول الشاعرة المغربية رشيدة القدميري:
” قصيدة النثر في المغرب متأثرة بالأدب الفرنسي ” .
و تلخص لنا ماهية التغني بالحب : هو في حقيقته تغنٍّ بالآخر، وهو قد يكون حبيبا أو وطنا أو قضية ما تؤرق أمة !! .

انصت فقط
لما يحكيه الصمت من تفاصيل…
حين يهرب مني إليك القصيد
حاملا معه كل حقائب الدفء..
تاركا عطر ذكرى يذيب المسافات
يوقظ الحنين.. ” من حديث السكون ”

و ها نحن ننطلق مع فارسة و عاشقة للفصيدة بداية من الشعر الموزون و قصيدة النثر و القصة الشاعرة المغربية ( رشيدة القدميري ) من خلال رحلة ” ظمأ النهر ” تعانق الحلم في حب و تعالج قضيتها بالملحمة ذات النفس الطويل حتي الومضة القصيرة ، و من ثم تختزل الحقيقة في نقاط مكثقة للبوح و الشعور !! .
فهي صوت أنثوي مغربي من رائدات الابداع تتناول أهم مشكلات العصر الحديثة ، و التي تؤرق المجتمع بين حضور و غياب ، و لم لا فهي ذات ثقافة متنوعة ، كما أنها تمتلك لغة و خيال و تعبيرات تعج بالمعاني التي تبني بها كهفها الأنيق كهياكل الحب تؤمه كحلم يراود مسيرتها ، و تطرز قصيدتها في توازن بين الأصالة و المعاصرة مع التمسك بالجماليات و فلسفة الغزل و ترسم مقطوعاتها بشعور جميل صادق مؤثر متنامي معنويا و حسيا معا .
و من ثم تضفي هالة من الجمال الابداعي و الفني نلحظه في مشوارها مع الكتابة .
و نطوف معها في بلاد المغر العربي و التي تحلق بنا بين ثقافتها العربية الأصيلة و الأخري التي تنبثق من منحنيات الغرب و لا سيما فرنسا ، فهي مزجت بأريحية بينهما في تلاقي متأثرة بالحداثة ، و التي تصور ملامح الانسان بين صراعات المدنية و القديم و المعاصر فترسم لوحاتها بفيض جمالي يحمل دلالات الكلمة التي تغير رحلتنا مع الحياة من منظور متباين يكشف الروح مع تأملات الابداع الفني فمشروع كتاباتها ( حلم ) تريد أن يتحقق مع الانسان برغم الصراعات و تغير الأحوال هكذا تترجم لنا صدي أحلامها كنهر متجدد مع وقع الحياة اليومية و كتابتها مفعمه برحيق الرومانسية التي تخاطب الوجدان و تبعث الأمل في لغة بسيطة تعبر عن مدخل شخصيتها مع الأخر .

نشـــأتها :
———–
ولدت الشاعرة المغربية رشيدة القدميري بـمدينة القصر الكبير المغربية . في شهر مارس من سنة 1964..
حاصلة على الإجازة في البيولوجيا من كلية العلوم بتطوان استاذة بمدينة تازة عاشقة للكتابة والرسم منذ الصغر بدأت بالنشر بالمنتديات الثقافية ثم ببعض الجرائد والمجلات الادبية و هي عضوة مجلس الكتاب والادباء والمثقفين العرب فرع المغرب, عضو رابطة كاتبات المغرب ,عضو شبكة تازة التنموية.
كما شاركت في عدة مهرجانات ثقافية وطنية ودولية ولقاءات وامسيات وصالونات ادبية وفنية بمختلف مدن المملكة المغربية تمت استضافتها في برامج تلفزية وإذاعية.
و تم الاحتفال بتوقيع اصداراتها وتكريمها بالعديد من المدن المغربية وبمعرض الكتاب والنشر بالدار البيضاء في دورتيه الثانية والعشرون والرابعة والعشرين .
صدر لها مجموعات شعرية و قصصية بعنوان :
= “ظمأ النهر” = ” صهيل جراح” =”ذاكرة متجددة” قيد الطبع
و مجموعات قصصية بعنوان :
= ” مجرد سؤال ” = “موت بالتقسيط ” قصص أطفال. “الاشجار تتكلم “قيد الطبع .
تمضي بنا شاعرتنا الرائعة رشيدة مع ظلال الحياة تنبض بومضات يومية تعكس صيرورة العشق في حنين تعزف انغامها الهادرة علي صدي الذكريات تتوسل الي معاني الجمال و القيم المنسية بين ركام الصراع تستدعي مناطق النور بعد حزن و يأس تضحك من جديد ترسم مسارات الروح فتقول :
أنت الوجع الذي
لا تهدأ له آه..
كل الطرق فرقتنا..
لنلتقي على حقيقة واحدة:
“أن الوصل كان حلما لم يطل ليله..”..

و ها هي تواصل رحلة العشق في شجن و تلاحم مع مرايا الحياة تقطف ثمار العشق من تغريدات طائر الشوق تحكي موالها المتسلق الي زوايا العمر في بوح يتوجه كبرياء الحقيقة فتصدح بين عوالمها الفسيحة تغزل معطفها الذهبي بأبجديتها الفريدة تختصر المفردات بين ضفاف المعاني و الصور التي تستدعيها من كهف النسيان ومضات قصيرة تبرهن علي عمق رؤيتها الفلسفية و مد صدق تملها مع الحياة فتقول رشيدة :
طائر مشاغب
يهوى التغريد
على أغصان فؤاد عارية
يوهمها بربيع دائم..
هو ذاك الشوق..
لروح سكنت الأعماق..

و من الومضة نقفز مع القصيدة التي تبرهن علي كيفية مفهومها الشعري و الذي تدرك مع ظلاله دوره في النهوض بوجه الحياة فترسم لوحة صادقة تعكس صدي حركة الحياة و تطورها لكنها تظل تبحث عن الحب القاسم المشترك مع الانسان و الوجود فتصور لنا فصول الطبيعة في صورة راقية بعيدا عن المعاناة حلم يراودها كالنبع الصافي و لذا اخترنا نماذج تبرز لنا شخصيتها الفنية من خلال الكلمة و الصورة و سط ايقاعات تشرق بين الذات كتجربة واقعية لها دلالات مستفيضة تحمل العديد من التساؤلات …

مختارات من شــــــــــعرها :
—————————
( 1 )
قصيدة بعنوان ” سقوط إلى الأعلى ” حيث تسافر بنا من خلال أبجديتها الخاصة بين شوق و غزل يزيح الصمت مع الليل و تستدعي صدي و ذكري الحنين مستلهمة حكايتها من عمق البحر بكل أصدافه حتي النهاية من منظور فلسفي منطقي بحدود الفراغ و اللاعودة فترسل خيوط ثوبها من عناقيد البرد و تفاصيل ملامحها التي تتأجج بداخلها بعد نوبة صمت مع فوضي الحواس تأتي الصور متداخلة و المفردات التي نري و نسمع حركاتها داخل نصها الشعر بروح الجمال و العزيمة مع تضافر الأشياء في رسم لوحاتها التي تكبر و تنمو بي تفاصيلها بايقاع ملفوف بالشجن ، و كصورة كونينة تختصر لحظة الميلاد و النهاية معا :

حين تكبر تفاصيلك بداخلي
أصمت…
فتثرثر أبجديتي
يبرع الشوق
في غزل السواد
وها هو الليل
بلا نهاية..
ترى، كم سيكلفني
أن أنسحب منك بهدوء
أو تصوم روحك عن استيطاني؟
أخيط ثوبي من عناقيد البرد
لأشعر بدفء همسك
قل لي بربك
كيف أتخلص منك
يا جلدا يكسوني؟
يا صدى ذكرى
توغلت في الوريد
أثملت الألم مرارة..
بعمق البحر
أصبح الفراغ
اللا عودة باتت الشعار.
ذعرت الأشجار
ركضت حافية
وراء ظلي الهارب مني
تأنق السواد
قرع طبول الانتشاء
تعرى..
أقام مراسيم الفرح.
هدوء صاخب
ابحر عبر فوضى الحواس
وعلى امتداد الآه
شرع الشوق في
رقصته المعتادة
على أعصابي..
اختفى ظلي
تحت عباءة جبنه
استأسد الحنين
توالت الطعنات
من كل الجهات
تعطلت عقارب الزمان
تمدد المكان..
أسترشد بتقاطيع وجه
غائب…حاضر
في متاهاتي..
يزهرجرحي
كصوت البرق والرعد
كصهيل الموت
ينزف جحيما
يؤرق عيني
يبقي الروح قيد احتراق
كالنار في الهشيم
يسقط بقايا أحلامي
يسقيها بدمي…
هربا مني
أبعد ذاكرتي عني
حافية أركض إلى سراب يضمني
شظايا أنفاسي تورق
شمعدانا في طريقي
وأزاهير بلون الألم والقرمز
تدوس ظلالي..
لم يعد هناك سوى
صوت إيقاع خافت
لزمن يدوي..
أحضن ريحا
تشتت رمادي
وها …أنا…
معلقة بين سماء ترفضني
وجسد تمرد
على قوانين “نيوتن”
فسقط إلى الأعلى..

——-
( 2 )
قصيدة بعنوان ” حين يؤسر الربيع.. ” تستدعي الحلم من دوامات القلق حيث الحيرة و الحسرة و هي شاخصة علي رصيف الخيبة تجسد لحظات التكوين مع حركة الحياة فتنظر من مخدعها الصبح مع قدوم خضرة الربيع حيث الارتقاء بعالمها الملفوف بالوجع تارة و بالصمت أخري ، فتتسابق برغم التكرار تنشد فيض الضياء خلف المشاهد الحزينة التي تساورها ليلها محملة بالغبار و الأخبار فتمسح النسيان من دهاليز القمع و الدمار تتسلل و تمضي كوردة متفتحة فواحة بين جمال الحياة تعرج بشذها الباريسي الذي يغازل البكاء … تقول فيها رشيدة القدميري :

على رصيف الخيبة
استظل ببقايا حلم
أتجرع فنجان قهوتي
وعن وجه الربيع
أمسح الغبار…
هاهي نشرة الأخبار
كعادتها تعشق اتكرار
حصاد اليوم..
رصاص… قمع ودمار
ثم بلاغ استنكار
تليه وصلة إشهار
لسيارة فاخرة
لعطر باريسي
لفسحة ..
في أعماق البحار.
أكظم غيظي
أرضعه صمتي
أجس نبضي
لأتأكد أني أحيا
وسط هذا الحصار
أعود نفسي
على البكاء بلا دمع
على قتل الصرخة في حلقي
على نهش لحم حرفي
ليقتات منه صبري…
وتستمر الحياة
تتنفس الذل والعار
تلوك حيرتي
تكرر سؤالا
لجواب قتل مع سبق الإصرار.
غيوم سوداء
تبدو في الأفق
تزحف..تهتز..تصرخ..
تفتح مزادها العلني
“غربة”..” قهر”..
” قناع لكل أمر”..
أتسمر في مكاني
أتوقف عن حبوي
خطوات للوراء
وهاهي قناعاتي
تستيقظ…تزهر..تثمر…
هي مرآتي وأحلامي
أحملها في دمي
ذرات صغيرة
لا تهدد الحياة
وإن تطلعت
يوما إلى زاوية الشهادة
بلون البنفسج…
ترسم ابتسامة..
فأنا بطلة أساطير
لا تمل الانتظار
ساحلم…
سأضع أحلامي الوردية
تحت وسادتي
كتميمة مقدسة
تربطني بالعالم الخارجي..
كل أعضائي سليمة
ولا شيء في مستعار
سأفجر عالمي
صفاء ونورا
أجعله ذرات منثورة
في فضاء لا نهائي
أستمد منها قوتي
كلماتي..
ستحارب خوفي
ستدمر لحظات
الضعف والقهر
ولن تخونني روحي
ولا جسدي
فأنا الوحيدة
التي تمتلك
صك ملكيتهما
بعد الواحد القهار..
أمشي تقودني أفكاري
في دهاليز عميقة
لامكان فيها
للنباتات الشيطانية
اتذكر أن لي رسالة
مكتوبة بروح وريحان
رسالة سيتذكرها
كل انسان…
ضبابا ناعما
مطرا هادئا
في نهاية ليل مضاء
بمجد نجمة سابحة
في علو شاهق
ستذكرني الليالي
بدرا يلمع بنوره
يثمل السواء صفاء
فراشة نشوى..
بضياء الشمس
ونبضات الأرض
امراة العصور الجديدة
تحلم بفجر يتدفق
وانفساح بحر
وكون أرخته سماء عارية
لتنبض الأوردة
تضخ دماء جديدة
تصعق الحواس
يحدث التعارف
يتقوى التسامح
تسقط الأقنعة
تلبس السنة
رداء فصولها الأربعة..

كانت هذه التغريدة من قلب المغرب حيث عبقرية المكان و الزمان و تلاحمها مع حلم الانسان المتجدد كالنهر بين أنين و حنين و عشق للحياة تنطلق بنا شاعرتنا المغربية ” أم منصف – رشيدة القدميري ” التي تسبح بعالمها الشعري و القصصي بين الواقع و الخيال في توازن ترسم لوحاتها الفنية في تباين بعيون تكشف فلسفتها الجمالية ” الأنثوية ” بكافة ظلالها و ألوانها المتداخلة ، و التي تعكس رؤيتها و ملامح شخصيتها المتيمة بالحب و الجمال و السلام .
و من ثم تنتفض من بين الوجع و صهيل الجرح في ثبات و تحدي كي تنسج حلمها المنسي بفرط الحنين برداء فصولها الأربعة دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى