دراسات و مقالات

شكراً أيّها البحر” الشاعر و المترجم و الصحفي العراقي المهاجر أديب كمال الدين ١٩٥٣

السعيد عبد العاطي مبارك

” شكراً أيّها البحر”
الشاعر و المترجم و الصحفي العراقي المهاجر أديب كمال الدين ١٩٥٣ م ٠

” سأستلقي أنا وجسدي المُنهَك
على فراشِ المنفى الوثير.
وقبلَ أن أغفو
سأطرقُ بابَ الحلمِ سبعَ مَرّات
علّهُ يرتّب حياتي التي نسفَها الدّهر
سبعين مَرّة
بنجاحٍ أسطوريّ ” .
——
في البداية عندما نذكر العراق جده سرة الأرض، منبع حضارة الرافدين ، و شموخ النخيل و قصيدة المربد ، و جمال عشتار و ملحمة كلكامش ، ومن ثم يظل الشاعر العراقي مغنينا مرتحلا يعزف قصيدته علي بقايا صدي أوتار قيثارته المحترقة يسافر مع شجنه ينتظر حلمه بين أنات الوجع ينظر من نافذة الحضارة يختصر رحلته التي تشرق من أغوار النفس المكلومة هكذا ٠٠٠
و في هذه التغريدة كانت لنا هذه الإطلالة و الوقفة مع شاعر له مدرسته و معجمه الخاص يجمع بين تجربة الشرق و الغرب كما فعل أرباب الرومانسية من قبل في شعر المهجر العربي بحثا عن الحرية و الجمال و لقمة العيش ، أما المرحلة الثانية نجد وضع العراق وسوريا و بعض العواصم رحلت الي هذا الوادي من جديد هربا من الصراعات و أتون الحرب المستعرة ، فكان هذا الجيل يحمل هموم الوطن و الإنسان هكذا
و أديب كمال الدين واحد منهم له بصماته الشاعرة التي تحلق بنا نحو الأدب و الفن و الثقافة العابرة الي قارات استراليا تنشد حكايات و مأساة هارون الرشيد ٠٠
أليس هو القائل في هذه المقاطع عن الحلم و الوطن ودمعة الغربة وحكاية فلسفة البحر ٠٠ :
1.

أحلمُ أن تكونَ النُّقطةُ بحراً
والحرفُ سفينة
لأبحرَ في البحرِ الذي لا رجعة فيه.

2.

أحلمُ أن تكونَ النُّقطةُ وطناً
والحرفُ سماء
لأعيشَ سعيداً
من دونِ غربان
تنعقُ برأسي أبدَ الدهر.

3.

أحلمُ أن تكونَ النُّقطةُ سلاماً
والحرفُ حمامة
لأستقبلَ الصباحَ بالورود
بدلاً من أخبارِ السّفنِ الغرقى في البحر.

4.

أحلمُ أن تكونَ النُّقطةُ دمعةً
والحرفُ عَيناً
لأبكي مثل يعقوب ليلَ نهار،
لعلَّ الله يكتبُ في قلبي
قصيدةَ يوسف
وقد عادَ بحمامةِ نوح.

* نشأته:
———–
ولد الشاعر و المترجم و الصحفي العراقي أديب كمال الدين ، عام ١٩٥٣ م في محافظة بابل بالعراق ، و هو مقيم حالياً في أستراليا.
تخرّج من كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد 1976.
كما حصل على بكالوريوس أدب انكليزي من كلية اللغات- جامعة بغداد 1999، وعلى دبلوم الترجمة الفوريّة من المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا 2005.

أصدر 19 مجموعة شعريّة بالعربيّة والإنكليزيّة، كما أصدر المجلّدات الخمسة من أعماله الشّعريّة الكاملة. تُرجمتْ أعماله إلى العديد من اللغات كالإيطاليّة والإنكليزيّة والأورديّة والإسبانيّة والفرنسيّة والفارسيّة والكرديّة.
نال جائزة الإبداع عام 1999 في العراق. واخْتِيرَتْ قصائده ضمن أفضل القصائد الأستراليّة المكتوبة بالإنكليزيّة عاميّ 2007 و 2012 على التوالي.

صدر أحد عشر كتاباً نقديّاً عن تجربته الشّعريّة، مع عدد كبير من الدراسات النقديّة والمقالات، كما نُوقشت الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت أعماله الشّعريّة و الأخري ٠

* حول شاعريته :
اري من خلال تجربته الذاتية أن شاعرنا يمتلك لغة عذبة سهلة وصور لها ظلال تعكس ملامح الواقع و مفردات الوطن و الحب و ملحمة جلجامش تراث و أسطورة و لوحات تعج بالرمزية المقبولة بعيدا عن الغموض و الحنين و العودة و الجمال و الحب الذي هو مفتاح سر البحر الذي يدلي بكل الأسرار فتأتي القصيدة محملة بشتي الاتجاهات التي تتمخض عنها القالب الاجتماعي و السياسي وسط رومانسية الزمن و عبقرية المكان حكايات لا تتوقف كالمطر و النهر و شموخ النخيل مع إيحاءات تنم عن شفافية صادقة مؤثرة ٠٠
مختارات من شعره :
===========
مع قصيدة بعنوان ( شكراً أيّها البحر ) حيث يرسم في حوار بينه و بين البحر حيث الامتداد فلسفة التأمل و حكايات لا تنقطع فيحلم بروعة الأحداث مع تجسيد ملامح الرؤية في تباين فيقول فيها الشاعر و الأديب العراقي المهاجر أديب كمال الدين :
فتحَ لي البحرُ، ذاتَ حياة، محفظتَه السِّرّيّة
فرأيتُ السُّفنَ الغرقى،
والسُّفنَ الهلكى،
والسُّفنَ التي أكلَ الدّهرُ عليها وشرب،
والسُّفنَ التي لم يزلْ يتقاذفها الموج
وهي تحملُ عظامَ اللاجئين ودموعهم وصرخاتهم.
*
لم أكنْ سعيداً أبداً
برؤيةِ هذه المحفظة السِّرّيّة
فقد أبكتني طويلاً حتّى ورمتْ عيناي.
*
كفكفتُ دموعي وهمستُ لقلبي:
أنا لا أحبُّ أسرارَ البحر
وسُفنَه الغرقى والهلكى
والملآنة بعظامِ الموتى.
أنا أحبُّ مباهجَ البحرِ على السّاحل.
*
لكنّني اكتشفتُ أو كُشِفَ لي ذاتَ نهار
أنّ مباهج البحرِ على السّاحل
هي محض هراء؛
النّساء وأشكالهنّ العجيبة،
النّساء ورقصاتهنّ الغريبة،
النّساء وأكاذيبهنّ التي لا تنتهي عندَ ساحلِ البحر.
*
هكذا سقطت المباهجُ والأسرار
في ضربةِ حظٍّ واحدة.
هكذا أصبحَ البحرُ جميلاً
من دونِ أسرارٍ وسُفنٍ غرقى،
من دونِ نساء ورقصاتٍ وأكاذيب.
***
و يقول أديب كمال الدين في قصيدة أخري بعنوان ( وصايا ) يلخص تجربته نحو ماهية الوجود مع أبجدية الجمال في محاكاة :

1.
أيّها الحرف
في اللحظةِ التي ستدخلُ فيها إلى المسرح
عارياً كسمكةٍ في الماء،
سَتُفاجَأ بالحروفِ التي تحيطُ بك:
حروف مُرتزقةٍ وأوغاد،
حروف مجانين وأدعياء،
حروف مُتصوّفةٍ، عشّاقٍ وأنبياء.
سَتُفاجَأ، وأنتَ تدخلُ إلى المسرح
عارياً كطفلٍ وُلِدَ الساعة،
بدموعِ تلك الحروف
أو ندمها
أو ارتباكها
أو أكاذيبها
أو هَلْوَسَتها
أو ضياعها.
2.
ولكي تمسكَ غيمةَ الروحِ على المسرح
وتطلقها إلى سماءِ الله،
ينبغي عليكَ أن تتماسك
وسطَ السيرك
وأن تتأمّلَ وسطَ حديقةِ النقطة
وأن تبتهجَ وسطَ الحلَبة
وتغنّي خارج- داخل الجوقة
وترقص على الصراط.
3.
حينَ تكملُ دورَكَ الصعب
– بنجاحٍ ساحقٍ أو فشلٍ أكيد-
مُتّجهاً إلى بابِ الخروج
تذكّرْ،
أيّها الحرف،
تلك الحروف التي التقيتَها
في السيركِ أو الحَلَبة،
في الجوقةِ أو الحديقة
أو على الصراط.
تذكّرْ وجعَها الأليمَ ومباهجها الزائلة.
تذكّرْ كيفَ كشفتَ بسرِّ العارفين
ولوعةِ المُحبّين
دموعَها،
ندمَها،
ارتباكَها،
أكاذيبها،
هَلْوَسَتَها،
وضياعَها الأبديّ!
***
و نختم للشاعر أديب كمال الدين بهذه القصيدة التي تحمل دلالات ذات أبعاد و أنات تتلاقي شرقا وغربا بألوان متداخلة باهتة ينتظر مطر الاخضرار مع مواسم الهجرة و الذكريات
تحمل عنوانا فلسفيا (قوس قزح أسْوَد) حيث يقول فيها :
قوس قزح أسْوَد
لا تفرحْ كثيراً حينَ يُفتح لكَ بابُ الحُبّ،
فثمّةَ أبواب
مَن يدخلها
لن يخرج إلّا ضائعاً أو مذهولاً.
*
تُفّاحتاكِ ناضجتان!
إذن، أينَ هي المشكلة:
في المطرِ أم في الرّيحِ أم في البستان؟
*
العاشقُ شاعر.
(مجنونٌ طبعاً).
والمعشوقةُ امرأةٌ
(هي الجنونُ طبعاً)!
*
بدلاً مِن أن ألعنَ الظلام
سأكتبُ قصيدةً واحدةً بحرفٍ واحد
لكنَّ اللغةَ متوقّفةٌ عن العملِ منذُ ألف سنة
والحروف في إضرابٍ أبديّ.
*
الغرفُ نصفُ المُضاءة
ينتظرُها، كلّ ليلةٍ، ظلامٌ كامل
أو صاعقةٌ تحرقُ كلَّ شيء.
*
سأستلقي أنا وجسدي المُنهَك
على فراشِ المنفى الوثير.
وقبلَ أن أغفو
سأطرقُ بابَ الحلمِ سبعَ مَرّات
علّهُ يرتّب حياتي التي نسفَها الدّهر
سبعين مَرّة
بنجاحٍ أسطوريّ.
*
حينَ يتبدّلُ مِزاجُ القصيدة
في أقلّ من دقيقة
فيكفهرُّ
بعدَ أن كانَ صافياً كالمرآة،
لا يعرفُ الشّاعرُ ماذا يفعل:
هل يبكي أم يضحكُ أم يكسرُ المرآة؟
*
الحُبُّ نكتةٌ قديمةٌ جدّاً
يجبُ أن تضحكَ أو تتظاهرَ بالضحكِ كلّما سمعت حتّى لا يغضب منكَ الدّهر
ويلقي على قصيدتِكَ المزيدَ من الرّماد
أو حروفِ الرّماد.
*
شكراً لكِ
يا مَن لا أعرفُ اسمَكِ ولن أعرف
فقد جعلتِ منّي شاعراً
بقلبكِ الذي يشبهُ قوسَ قزحٍ أسْوَد،
وعُريكِ المُزلزِل،
وقبلاتكِ الجهنميّة.
*
انفتحَ البابُ الآن فجأةً
فخرجَ الحرفُ من القصيدةِ مَذهولاً
يُهَلْوِسُ ويُدمدمُ ويضحكُ بعينين دامعتين.
هذه كانت أهم القراءات في عالم الشاعر و المترجم الصحفي العراقي المغترب في أستراليا ( أديب كمال الدين ) الذي يحمل الحب و الحلم و الوجع و الوطن معه كظله في أقاصي خريطة العالم في مخيلته التي تجسد ملامح الحقيقة و الغربة و المنافي و الصراعات و الصمت و السلام المفقود دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

Image may contain: 1 person, outdoor and closeup

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى