دراسات و مقالات

شــــــــــــاعر الكوخ محمود حسن إسماعيل : 1910 – 1977

بقلم السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

ان تسل فى الشعر عنى .. هكذا كنت أغنى
لا أبالى أشجى سمعك أم لم يسج لحنى
هو من روحى لروحى صلوات , وتغنى
هو من قلبى ينابيع بها يهدر فنى
للآسى . فيها تعاليل , ولليأس تمنى
وهو احساسى الذى ينساب كالجدول منى
واثب كالطير فى الأظلال من غصن لغصن
ذاهل كالوتر المهجور فى عود المغنى
ساهم الأنفاس حيران.، أيبكى أم يغنى؟
” من قصيدة : هكذا أغني !! ”
——————

نتوقف مع شاعر تناولته من قبل في دراسات عديدة ، و لا أمل قط من مطالعته كل حين ، فبالعودة اليه تزداد حلوة كلماته كلما قرأته و تأملت رحلة شعره المتدفقة و عطائه المتجدد بداية من جمال الطبيعة العربية و التراث التليد و أغاني الحياة الخالدة و لم لا فهو واحد من كبار شعراء كلية دار العلوم فاتحة الشعر الحديث المعاصر الذي جمع بين الكلاسيكية الجديدة و روح الرومانسية الصادقة و الغنائية و المدرسة الواقعية التي تتناول القضايا الانسانية اليومية —
فتصدر البوح عن جراح الانسان و تغني بكل قيم الوطنية و تمسك بهموم الطبقات الاجتماعية التي تظهر و تلوح في عيون قصائده بين الماضي و المستقبل و الأمل المنتظر مع الحاضر القريب —
فقد تغني بلوحات شعره الرائعة عمالقة الفن و الطرب ما نري في السطور التالية فمع شعره نمضي نستنشق عبير الريف من ثنايا دواوينه التي تتلون بصبغة الكون بين شدو البلابل و نواعير القرية وحمام البيادر و أصوات النخيل و خرير الجداول و عبق السنابل ورحيق الزهر و نضرة الصبا و الشباب و حلم الغد الجميل
نشــــــأته :

ولد الشاعر المصري المعاصر و الاذاعي الكبير محمود حسن إسماعيل عاشق الرومانسية و ظلال الريف و الشدو و الغناء و صوت العربية الجميل في أصالة المستحيل
ببلدة النخيلة بمحافظة أسيوط عام 1910, تخرج في كلية دار العلوم
عام نبغ في الشعر نبوغا مبكرًا فقد أصدر ديوانه الأول وهو طالب سنة 1935 بعنوان “أغانى الكوخ” ونال جائزة الدولة في الشعر سنة 1965 وله دواوين كثيرة منها “لابد” و”تائهون”.

ومن قصائده المغناة “النهر الخالد” و”دعاء الشرق” اللتان غناهما الموسيقار محمد عبد الوهاب،و”بغداد يا قلعة الأسود” التي غنتها أم كلثوم، و”نداء الماضي” التي غناها عبد الحليم حافظ، وأنشودة “يد الله” للمطربة نجاح سلام و”الصباح الجديد” التي غنتها فيروز.

توفي سنة 1977 في الكويت وعاد جثمانه ليدفن في مصر.
بعض مناصبه :
• محرر ومساعد للدكتور طه حسين بالمجمع اللغوي المصري
• مستشار ثقافي بالإذاعة المصرية
• تقلد منصب مدير عام البرامج الثقافية والدينية ورئيس لجنة النصوص بالإذاعة المصرية.
• أنشأ محطة القرآن الكريم وجمع تسجيلات الشيخ محمد رفعت وحفظها.
• مستشار بلجنة المناهج بوزارة التربية بالكويت.
• تمثيل مصر في مهرجان الشعر العالمي بيوغسلافيا عام 1969.

1- أغاني الكوخ 1935 2- هكذا أغني 1937 3- الملك 1946 4- أين المفر 1947 5- نار وأصفاد 1959 6- قاب قوسين 1964 7- لا بد 1966 8- التائهون 1967 9- صلاة ورفض 1970 10- هدير البرزخ 1972 11- صوت من الله 1980 12- نهر الحقيقة 1972 13- موسيقى من السر 1978 14- رياح المغيب، نشرته دار سعاد الصباح لأول مرة عام 1993
وقد صدرت مجموعة أشعاره الكاملة، وكان شعر محمود حسن إسماعيل موضوعاً لعدة رسائل جامعية باعتباره لوناً فريداً في الشعر العربي المعاصر لواحد من أبرز شعراء التجديد

بعض الجوائز التي حصل عليها :
• وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1963.
• جائزة الدولة التشجيعية عن ديوان قاب قوسين.

تلفت.. فانساب الدجى من مزاهرى مزامير ليل.. عن خطا الفجر غافل
تلفت.. وانشقت من الليل ثورة فجر بكفيها جديد المشاعل
وبشرى أذان مر بالليل صحوه كما مر بالأعواد حد المناجل
يوحد أيام العروبة زحفة ويسحق من أوطانها كل واغل
فقلت لنارى.. أذن الفجر.. فارتعى وشدى على الأصفاد شد المقاتل
وما مر عمر الطيف.. حتى ترنحت وذابت قيودى من عميق المفاصل
وكبرت.. جل الله! عادت حقيقتى ورنت أناشيدى، وغنت بلابلى

مختارات من شعر شاعر الكوخ ” محمود حسن اسماعيل ” :
مع قصيدته التي تحمل اشراقات صوفية معبأة بجمال معطيات الحياة بكل أطيافها في الهام يفتح مسارات فلسفة الوجود معنويا و ماديا بعنوان ” موسيقي من الله ”
القصيدة كتبها كمخطوطة فى حياته ولم يمهله الأجل طباعتها
وعقب وفاته تولت ابنته(سلوان) الطبع و
ديوان ( موسيقى من السر ) والذى صدر فى الذكرى الأولى لرحيله
ليضاف لدواوينه متضمنا قصيدة “موسيقى من الله” :

وهناك عند الفجْر ِ في إشراقٍة كلظىَ الهجـِيرْ
وعلى خـُطى قمرّية الإيماض
يسْفح نُورها كذب الصخور
روض رحيب ، أجهشت فيه الزهور
وتكلمت بعطوره لغةُ الطيور
وتأوهت ريحُ مُجنحةُ المسير ، على مخاصرهِ تدور
وترنّمت ورقاء صاليةُ الشعور
معشوقتى وعشيقةُ النغم المصفدِ فى الوُكورْ
وذبيحتي ، وأنا الذبيحُ ، وجازرُ الرؤيـا أسير
مُتلفعُُُ تحت العروق ، بمهده الثمل ِ الوثيرْ
في كفه نهرُ الحياِة ،لهيبهُ قلقُ مرير
وعلى شواطئه هتافٌ لجّ في ندم ٍ غرير
وصراعة بلهاء تصرخُ وهي هالعةُ النفير
وخطيئة تلدُ الحياةَ ،ومهدها يلدُ الدثُـور
وصدى يغردُ نائحا ً ، وبدمعه يلغو السّرور
وغمامة عرجاء دوخها المسيرْ
آناً تسير وآنة ً تبكى المصير
والأفق مصلوب كسير
شحَنَتهُ أوهام العصورْ
ومسابحُ النساكِ وهى على مزالقها تدور
الكفُ مؤمنة ، وظلُ الكفّ مشنقةُ الضمير
وتمائمُ المتبتلينَ كأنها حرجُ الغواية في الصدور
مسكينة الأصداء تلعقُ في المداهنِ والبخور
وتئنّ في حباتها الدعواتُ،
جائعة الهدى لزجاج كوبٍ أو حصير
متلمّظات للورود ،
على هوادج أخجلت خشب النذورْ
يتلفت الأزواد ، من عبقِ تناسم بالشرور
والنور ، من حلك تناغم في الجذور
والُطهر، منِ شطحات أوهام وزور
وتعانق القُدّّْسَ المنيع ، كأنما سكن السّتور
بفهيق راغية محبّرة على زبد الثغور
ونفيق غاوية مبعثرة على خبل ٍ حسير
متُخالج اللمحات .. أعمى دُس في ألق ضرير
طحنتهُ سُنبلةُ السيادة بالقشور
والرزق ، والعوز المخدر بالسكينة والحبور
ولواه جلابُ المطايا للغرور
ومضفر الأصلاب أعتابا مطهمة الظهور
أقواسها تئد السهامَ ، وتنشب العشب الحقير
وتحيلُ هشّ الوارفين ، مشاتلا لرُبى القصور
وعلى خضوع الهائمين بكفها تعلى الجسور
وتدور تطحنُ في غيابتها ، فتطحنُ أو تدور!
سبحان وهاب الظلام لمن يريد بصيص نور
سحبوا من الأكفانِ قدرته ، ولجوا في الثبور
وتأوّدوا خبباٍ ، وتهتهة ، وليًّا للصدور
في حومة لاالسماء ، ولا التراب
لدفّها نسبٌ ُيشير
زعموا لقاء الله وحدهمو ، وجلّ
فنوره غمر الدهور
في الحب ،
في الأمل المحلّق ،
في الأجنّة ،في البذور
في الريح ،
في النسيم المرنح ،
في العشايا والبكور
في الطيف ،
تلمحهُ ظلالُُ ظلاِلهِ فوق الغَديـر
في السّفح ،
في ضجر المغاور ،
في البرازخ ، في البخور
في كُلّ راقئ دمعة من جفن مظلوم فقير
فى كل كاسر حلْقّة ، من قيد مهجور أسير
في كل رافض لُقمةٍ ، لليل ، جالبها أسير
في كل واهب روحه غوث التراب المستجيرْ
في كل ذات حركت عدمَ الفراغ إلى الصريرْ
في خطوة القدم الذى هتك البراقع عن دجى القمر المنير
وحدَا السّديم ، وشق بين يديه أسرار الأثير
ومشي على الأجيال ، يسحق جهل عالمهاالضّرير
ويزيحُ ستر الغفل عن إعجاز خالقه القديـر
الدروب ضوّأ للسُراة
حقيقة ، وحصادَ ُنورْ
وهوى الدُجى ،
وتمزقت حجُب الرياء على الحضورْ
فالله يصحب كُلّ من صحِبَ النهار…
ومال عن غبشِ الستورْ
و يقول في قصيدة أخري بعنوان ” هكذا أغني ” و التي تنساب مع أغاني الكوخ و التي لقب به فيما بعد حيث وصف حياة الريف و جمال البيئة و رومانسية الحياة البسيطة بين الخضرة و شدو الطيور و رحيق الأزهار و روعة القمر مع الليل مظاهر جذابة تستهوي العاشق و الفنان :
ان تسل فى الشعر عنى .. هكذا كنت أغنى
لا أبالى أشجى سمعك أم لم يسج لحنى
هو من روحى لروحى صلوات , وتغنى
هو من قلبى ينابيع بها يهدر فنى
للآسى . فيها تعاليل , ولليأس تمنى
وهو احساسى الذى ينساب كالجدول منى
واثب كالطير فى الأظلال من غصن لغصن
ذاهل كالوتر المهجور فى عود المغنى
ساهم الأنفاس حيران.، أيبكى أم يغنى؟
لم يصب من دهره غير جحود وتجنى
فانبرى يعصف فى دنياه بالشدو المرن
زاجلا تذكى صداه نار أيامى وحزنى
ان ترد منه سلوا عن أساه.. فامض عنى
هكذا يخفق نايي بين الهامى وبينى
يلهم الله .. فيمضى وتر الروح يغنى
فسواء رحت تغضى لائما.. أو رحت تثنى
مزهرى نشوان لا توقظه ضجة كونى
مذهبى؟ لامذهب اليوم سوى أصداء لحنى
ولها الخلد ولى فى ظلها سحر التغنى
هى خمرى! وهى حانى! وهى أعنابى ودنى
قد وهبت الفن عمرى ووهبت الشرق فنى
فليلم من شاء.. انى راسخ كالطود جنى
فاذا رق.. فقل: ياقبل الأسحار غنى!
واذا هاج.. فهول ساقه موكب جن!
(ان تسل فى الشعر عنى هكذا كنت أغنى!)
ان تشأ فاسمع نشيدى.. أو تشأ فارحل ودعنى!
واذا أشجاك همس من صداه.. لاتلمنى!
ما أنا الا كظل لشعورى.. فاعف عنى

هذا الشاعر العملاق الذي عشق الريف و جمال البيئة و غني مع أطياف الرومانسية الراقية أنه الشاعر المصري الجميل ” محمود حسن اسماعيل ” شاعر الكوخ و الريف كلما قرأته تجدد الحلم مع ظلال كلماته فهو بحر زاخر متجدد باللآليء لا ملل و لا ضجر لمتابعة أعماله الكاملة فهي متفردة شكلا و مضمونا معا —
و لم لا فهو منذ نعومة أظفاره ظل يحلق بين أغاني الكوخ مع رحيق الزهر و شدو الطير في تناغم مع خرير النهر في تلقائية و لم لا فهو شاعر عاشق للجمال و الرومانسية و لوحاته الشعرية تنطق بكل مقومات الابداع مع الحياة دائما 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى