قصة

شبح في علبة الألوان

إيهاب بديوي.

نزلت دمعة رقيقة من عينها اليمنى سريعة الاستجابه لمشاعرها على لوحة الرسم الصغيرة التي حاولت كثيرا أن تسودها بفكرة تخفف وطأة الضغوط الداخلية المتزايدة عليها في الفترة الأخيرة. لم تعد تفهم هل هي طفلة في العشرين أم عجوز في التسعين. الخطوط الفاصلة بين المفاهيم قد تلاشت. وتماست حواف الواقع والخيال حتى لم يعد من الممكن التفريق بينهما. تحركت الريشة في يدها أخيرا فرسمت بحيرة وحديقة حولها يحيطها جبل ويطل على البحيرة بيت صغير ابدعت في رسم تفاصيله الجميلة. وعلى المرسى مركب صغير تجلس عليه فتاة لم تتعدى العاشرة بضفيرتين منسدلتين على جانب وجهها الخمري الجميل وعيون تلمع من بعيد كأن الحياة قد تجمعت فيهما. كادت ان تقطع رسمها بعد أن لاحظت سعادة غير منطقية في عين الفتاة التي رسمتها. لكن شيئا ما طلب منها أن تنتظر نهاية الرسم. اسرعت حركات يدها فرسمت تحت الشمس سحابات سوداء وأمواج تعبث باستقرار البحيرة وحركات موجية تعصف بأمان الفتاة داخل القارب. صوت اصطدام النافذة المفتوحة بفعل الهواء الذي حرك اغصان الاشجار بعنف كاد أن يطير بلوحة الرسم كلها. وضح جليا ان الجبل يحتوي خطرا عظيما حين تجمعت المياه في قمته وبدأت تكون تجمعات مائية نزلت كالشلال من قمة الجبل في اتجاه البيت الصغير الذي لا حول له ولا قوة. توقفت ريشتها عن العمل تماما عندما أظلمت اللوحة. اختفت معالم الصغيرة عند نظرة فزع كبرى وهي ترى الشلال يكاد يعصف ببيتها. انهار الاستقرار في حياة البيت بفعل انقلاب طبيعي غير مسبوق. وقفت الفتاة تتأمل كثيرا في النتيجة التي وصلت إليها رسمتها. نزلت دمعة نادرة من عينها اليسرى لتمزج لحظة الصدام المروعة وتطيح بمعالمها.
بعنف بالغ سحبت الورقة من اسكيتش الرسم وقطعتها. ثم جلست تحاول رسم عالم جديد. وبدأت بالنور مرة أخرى….

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى