دراسات و مقالات

سأزرع في الريح قمحي- الشاعرة و الاعلامية العمانية د ٠ شميسة النعماني

السعيد عبد العاطي مبارك

” أنا دمعةُ الحُزنِ التي شاخَتْ على وَجْهِ الحياةِ تجولُ من خَدٍّ لِخَدْ
أو كُنْهُ زيفٍ لا يَجِفُّ وليسَ يَعْرِفُهُ أَمَدْ
أنا جمرةُ المعنى التي انْطفأَتْ،
ولا سِحْرٌ يُعيدُ الرُّوحَ في جَسَدٍ هَمَدْ
أنا زهرةُ الرُّمانِ تسْحَقُها مقاديرُ الكَمَدْ
أنا قِصةُ البحرِ التي رَفَّتْ أساطيرًا على وَجْهِ الزَبَدْ
أنا بسمةٌ طارتْ على خَيْلِ المَدى،
والريحُ حَرَّضَ حافِرَيْهِ وكُلَّما أدنو ابْتَعَدْ
أنا عينُ قِدِّيسٍ تَغَشَّاها الرَمَدْ
أنا أبجديةُ غائبٍ فَرَّتْ إلى الأوطانِ يسألُها الحنينُ عن المَدَدْ
أنا تمتماتُ اللَّحنِ موؤدًا بأحكامِ الفقيهِ و”حُرْمَةٍ” في كُلِّ ضوءٍ تَحْتَشِدْ
أنا جَمْعُ أعمارٍ يُقَلِّصُها الزمانُ بحُزْنِهِ في لا عَدَدْ ! ” ٠

***
مازال الحديث موصولا مع الأدب و الفنون الجميلة العمانية نقطف من روائعه المعاصرة شهد الكلمات ٠٠
و لا سيما الشعر العماني الذي له مذاق خاص بين هذه البيئة الساحرة الجميلة حيث المناظر الملهمة للمشاعر عند كل صاحب موهبة يصدح بين ربوعها كالطائر الفرد المحلق في حرية التعبير و جمال التنقل بين السهول و الجبال و العيون التي تجري عذبة رقراقة علي صدي رقابة الشاعر المحترقة هكذا ٠٠

و لم لا فربة الشعر هنا حديثها ذو شجون ٠٠
و المرأة العمانيّة مفطورة و مفطومة علي ايقاع الشعر الشعبي و الفصيح معا ٠
نعم لقد نشأت الشاعرة و الاعلامية العمانية شميسة النعماني في بيت نعرف بالشعر بنوعيه ، و هذا جعلها تنظم الشعر منذ نعومة أظفاره ٠٠
و لم لا تربت في بيئة شعرية ، و من خلال تروي قائلة:
فأبي شاعر وهو شاعر شعبي ومعروف في زمنه وكذلك أيضاً أُمّي لديها مُحاولات شعرية وكتبت الشعر أحياناً. أيضاً الأنشِطة المدرسية التي غذّت لديّ القُدرة اللغوية ومحبّة الشعر ومنها الإذاعة المدرسية والصحافة المدرسية، أيضاً تخصّصي في البكالوريوس، تخصّصت في اللغة العربية،
فكانت كلّ هذه روافِد أدّت بي إلى أن أكتب الشعر ٠
و شاعرتنا تخرجت في كلية التربية بكالوريوس لغة عربية ، جامعة السلطان قابوس ، و حصلت علي الماجستير ، و تعد رسالة الدكتوراة ، و تقيم بالعاصمة مسقط ٠
أليست هي القائلة عن شخصيتها البريئة الطيبة من خلال ترنيمتها الشعرية و روحها الصادق الذي يعكس ملامحها مع مرايا النفس في ساعة الصفاء برؤية واقعية لفهم و أدراك ماهية الأشياء في منتهي لوحاتها الفنية الإبداعية بين الخطوط و الحدود بظلال الجمال و دقيقة التعبير داخل إيقاعها الشجية ٠٠ :
لم يكن ذنبي كبيراً
لم أُخاتِل مال أيتامٍ
ولم أنهَر غريباً محتمٍ بالدمعِ
لم أحثو على النمل الترابَ
لم أُنادِ اللهفِ منبره ظُهراً
وأمشي خلسةً في الليل أرتادُ الشرابَ
لم أضع في ظهرِ أي الناسِ سكيناً
ولم أمسح عن الطفلِ التماعاً في أمانيه استطابَ ٠٠

فهي شاعرة مجدية تمتلك لغة و إبداعا فنيا تعبر و تصور في ضوئه مع تمكنها من موسيقي الشعر فقد كانت تدون شعر والدها فكسبت من خلاله الدقة و الشعور المرهف و الإيقاع بالسليقة و الدربة حتي اخترت تجربتها ٠٠
و لها الحضور المكثف في شتي المهرجانات محلية و دولية يشهد لها سلاطين الشعر و الأدب و عمالقة الشعر ، كما يشاهدها المتابع الكريم في حلقات الإعلام ٠٠
و تسجيلاتها ذائعة الصيت و الشهرة في الندوات و المهرجانات ٠٠

أنتاجها الشعري و الأدبي:
——————————
صدرت للشاعرة شميسة النعماني مجموعة جديدة حملت عنوان (سأزرع في الريح قمحي) عن دار (مسعى) البحرينيّة، التي تهديها “إلى المفتونين بالحياة، إلى اللا مُكترثينَ بالموت، إلى الأرواحِ/ الجَنَّة، والأرواح/ اليَباب، أهدي الريحَ.. والقمح، فبعثروهما حيثُ شئتم.. أو شاءت الحياة” ٠

أصدرت عام 2014م مجموعة حملت عنوان (ما تبقّى من اللون)، عن وزارة التراث والثقافة، ودار الانتشار العربي البيروتيّة ،
وكتابا حول (الخطاب الصحفي في حرب ظفار.. صحيفة عمان: 1972 – 1975م)، صدر عام2016م عن المؤسسة العربية للدراسات، والنشر ببيروت، وهو بالأصل بحث قدّمته لنيل درجة الماجستير من كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس بإشراف الدكتور عبد الله بن خميس الكندي.

وشاعرتنا ذات ثقافة عربية و فكر فلسفي جمالي تأملي بداخل الحياة المتشعبة ترسم لوحاتها الشعرية في نهر من التساؤلات بجرأة تكشف لنا المسارات وسط هالة من الإبحار مع الذات تجربة واعدة حقا ٠

مختارات من شعرها :
=============
تقول في قصيدة لها بعنوان “ترميم قلب” حيث تشخص رؤيتها في انسيابية و تلقائية في بناء القصيدة علي وقع نشيج القلب المعلي :
أَوَكُلَّما رمَّمْتُ هذا القلبَ يندثرُ الطريقُ؟
أو آنَسَتْ عينايَ حُلْمًا كانَ خَلْفَ الضوءِ مِجْدافٌ غريقُ؟
أوكُلَّما عبَّأَتُ روحي بالخُزامى
سوف يَنْفَخُ في ذؤابَتِها شَرارٌ أو حَريقُ؟
يَتَلَفّتُ الحُزْنُ الذي في ريفِ قلبي وحدَهُ،
حتى إذا اتَّسَعَتْ مِساحاتٌ يَضِيقُ ..”٠

***
و تقول شاعرتنا العمانية شميسة النعماني في قصيدة مطولة أخري من النفس الطويلة بعنوان “من زليخة إلى يوسف – رسالة لم تصل” تصور فيها محطات من التاريخ ، و مدي الصراعات التي تحدق بواقعنا المعاصر ، تستلهم من الماضي في حلقة تواصل تكشف الظنون التي تساور الإنسان علي هذا الكون بكل أطيافه في سرد يرسم لنا معالم الغضب و الحب و السلام و الحرب و الكراهية و الحرب الماهية الأشياء ٠٠ :

لم يكن ذنبي كبيراً
لم أُخاتِل مال أيتامٍ
ولم أنهَر غريباً محتمٍ بالدمعِ
لم أحثو على النمل الترابَ
لم أُنادِ اللهفِ منبره ظُهراً
وأمشي خلسةً في الليل أرتادُ الشرابَ
لم أضع في ظهرِ أي الناسِ سكيناً
ولم أمسح عن الطفلِ التماعاً في أمانيه استطابَ
لم يكن ذنبي سوى أنّي عشقتُ البدرَ ضاحّاً
بيد أنّ البدر حيّانِي مُصابَ
لم يكن ذنبي سوى أنّي عشقتُ البدرَ ضاحّاً
بيد أنّ البدر حيّانِي مُصابَ
لم يكُن ذنبي سوى عشقي لـ “يوسف”
“يوسفٌ” يا أيها المعمورُ إحساساً وإن ناولتني منك السرابَ
لم يكن ذنبي عظيماً
محضُ أنثىً ترتدي من وثبةِ العشق ثيابا
وأنا أدري، بحدس المرأة الشفّافِ
أنّ اللسعة الأولى لصوتي لم تزل بين حناياكَ لهيباً والتهابا
فلماذا يوسفٌ ترتدُّ مذعوراً جباناً تقتل الخطواتِ قبل الحُضُن
ترجو أن يصير السقفُ بابا
ولماذا تكنُسُ الأشواقَ؟ والإحساسُ فوّارٌ وفضّاحٌ على عينيك
هلّ تسطيع تشري أعيناً جوفاً كذابا؟
أنت تدري، أنتَ تدري أنني في الحقلِ وحدي
ليسَ لي مثْلٌ ولا يدنو إليّ الوصفُ قطُّ
ليس بين الشمسِ والأرضِ جسورٌ غير عينيَّ
وتدري أنّ هذا النور إذ أحزنُ يرتدُّ ضباباً
يوسفٌ، يا دهشتي الكُبرى وما أتممتها بي
يا انفطارُ الروحِ لمّا اختار وجهكَ
لا يراني وأنا قلبي أمامي
يا عيوبي إذ ركنتَ اليوم في رفٍّ النداءِ

يا احتراقي، يا احتراقي إذ يجولُ الشوقُ في جوفي ذئابا
بيد أنّ اللهفة الأولى على جفنيك شمعٌ شبَّ مبهوراً
ولمّا جاءت الريحُ السماويةُ ذابَ
وأنا أُشفِقُ تحناناً على النهرُ الذي
يزدادُ بعداً بينما يبغي اقترابا
أنتَ تبكي مثلما أبكي
ولكن جمَّدَ الدمعَ المُسجّى صوتُك الديني
أغواكَ تبيعُ الشوقَ للمحراب
ما أفتاكَ يوماً إنّ في الكتمانِ إثماً واغترابا؟
لا تقُل إنّي نبيٌّ، أنتَ طينيٌّ
وإن جفّفت ماء الحُبِّ مربوكاً ونظرتَ ارتيابا
أنتَ طينيٌّ وإن مسّحتَ عن قمصانِكَ الفوضى
وأوهمتَ الصوابَ
أنتَ طينيٌّ وطبعُ الطين
أن يحفِرَ في الروح التجاعيد الغضاضَ
وأنا روحي تسنّت من خساراتي
بقَصرٍ كنتَ لي فيه سؤالاً وجوابا
فامضِ خلف الريح واتركني على الشُطآن
موجاً يتصابى ٠

ثم ها هي تتغنى بعمان التاريخ والحضارة، عمان النابتة في وجدناها الصادق ، لتتحول إلى حكاية كونيّة من خلال دلالات النص الذي يترجمها رؤية ملامح الحلم الموشح بحياة الصورة التي تعكس احاسيسها :
مالَتْ على القلبِ نَسْماتٌ تُؤرجِحُها
سُلالةُ الماءِ حيثُ النُّورُ يَنزَلِقُ
وأَوْقَدَتْ شُعْلَةَ الوادي المُقَدَّسِ في
تُخومِ مُقْلَتِـــهِ، والطِّيــنُ يَأْتَلِقُ
هناكَ في الجَمْرةِ الأولى على دَهَشٍ
بِلَّوْرَةُ الكَونِ شَفَّتْ واَنْتشى الفَلَقُ ٠

هذه كانت مطالعة سريعة الي عالم شاعرتنا العمانية المبدعة ( شميسة النعماني ) ، و التي لها تمثيل مشرف في شتي المحافل الأدبية و المؤتمرات المتعددة داخل السلطنة و خارجها ، فهي شخصية محورية مؤثرة في صدي الثقافة النسائية ترصد حركة التطور من منطلق حداثي نهضوي، عاشقة للوطن محبة للحياة فيلسوفة الجمال من عمق حضاري تاريخي تترجمه بوعي في تناغم هكذا كما يدلل عليه نصها الشعري الجيد بكافة خصائصه الفنية دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

Image may contain: 1 person, sitting

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى