قصة

زيارة

جابر خمدن

ذهبت لزيارة صديقتي، كانت قد انتقلت لبيتها الجديد منذ شهر. كان معي ابني الصغير، استقبلتني بحفاوة، جلسنا في الصالة، كانت عبارة عن متحف يغص بالقطع الفنية، تماثيل جصية هنا وهناك، أوان فخارية موشاة بالرسوم الأغريقية. كان الطفل في حضني، وكنا نتبادل أطراف الحديث، أخبرتني عن تفاصيل البناء، وعبء الديون، وكيف وضعت بصماتها الفنية في كل زاوية حتى أصبح المكان تحفة. كان ابني ينظر إلى التحف وعيناه تلتمعان بالرغبة في لمسها، تململ في حجري، أنزلته على الأرضية المغطاة بالسيراميك، بدأ يحبو متجها إلى ذلك التمثال الواقف في إحدى الزوايا. فجأة رأيت رأس الصديقة وقد تحول إلى رأس آلي يراقب إبني عن كثب، عندما أوشك أن يلمس رجل التمثال المقدس، قفز قلبها شعرت به وقد خرج من قفصه الصدري، ولحق بالطفل نبتت له ذراعين، كانتا تبعدان صغيري كلما اقترب من تحفة أخرى. نظرت إليها جالسة قربي فلم أجد إلا جسدها، فقد تكلست هي أيضا في هيئة تمثال، مددت يدي بلا شعور أتحسس يديها وألمسها، كانت باردة وجامدة حتى شعرت بلمس الصلصال الحجري، رفعت صوتي مخاطبة إياها : سلمى، سلمى، لم ينطق التمثال، ومتى كانت التماثيل تصغي وتتحدث. أخذت أراقب الصغير، كانت حركته البريئة توتر الأجواء وتكهربها، لازال قلبها واليدان تحاصران الطفل، شعرت بالأسى أن يتحول اللقاء إلى مناورة لحماية قلعة الفن العريق. قمت من مقعدي ومشيت حتى أمسكت بيوسف، حملته على كتفي وهو يصيح ويرفس برجليه ويضربني بيديه الصغيرتين، كان يود البقاء بجانب التحف يلمسها، يتأمل خيالات الطفولة فيها. عندما نظرت إلى تمثال الصديقة، دهشت، فقد ولجته الروح، رجع قلبها إلى مكانه، وعاد ينبض من جديد، اختفت اليدان، تقدمت منها صافحتها، كانت يدا بشرية ناعمة باردة، خالية من الدفء، أستئذنتها وخرجت، بقيت في مكانها صامتة. لم أدر كيف خطر في بالي حراس المتاحف ببذلاتهم الأنيقة، كانت صديقتي العزيزة متحورة في زيهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى