دراسات و مقالات

((( زقزقات الطائر الافتراضي … !! ))) الشاعر وليد شرشير – 1983 م

السعيد عبد العاطي مبارك 

المجد أن ترعى بحارك نورًا والنور أن تسعى إليك بحارُ
والسعي في الإمكان يبحث بالندى عن نبتةٍ للشمس إذ تُختارُ
عمّا إذا يرتاع قلبك تائقًا وتلذّذت فيه الرؤى الأغوارُ
والليل والطاعون والشيطان بل بلد العناكب والجوى المنهارُ
وتناهلت من كفّتي تلك الذرى أعدى الأعادي سيفه أفكارُ!!!
———— 
ترسُّلُ الغيوثِ
لي أنا
تحشرجُ الغيماتْ
تراكُضُ المنى
إلى السنا
تناثُر النجماتْ
وركضةُ الفويْقِ
والسما
بومضةٍ
وخفقةٍ
وزفرةِ الرئاتْ!

———————
( هذا الملف اهداء الي نجوم هذا الاقليم الجمالي المعطاء و هم أصدقاء أعزاء كثيون نذكر منهم … ) :
= الشاعر الاذاعي زينهم الدوي . 
= و الاستاذ الدكتور الأديب محمد كمون كلية اللغة العربية المنصورة .
= و الكاتب و الداعية جمال شرابي .
= و عاشق التاريخ الاستاذ ممدوح المغربي .

في بيئة زاخرة بطبيعة ساحرة ولادة حيث عبقرية المكان بين بحيرة البرلس و البغاز و ساحل البحر المتوسط و كثبان الرمال و ظلال النخيل و و غدوة ورواحة مراكب الصيد و جموع الصيادين حملة الغزل و الشباك و أسراب الطيور و النوارس التي تزين صفو السماء و الهواء الطلق البكر ، و مشاهد مصيف بلطيم حيث يؤمه السائحون المصطفون من كل حدب وصوب فتعيش لوحات الابداع في الذكراة فتمنحه الروائع … 
ولد شاعرنا الجميل ( وليد شرشير ) ابن دار العلوم في امتداد أنجب لنا عباقرة الشعر كما سنوضح ذلك . 
في هذه البيئة الساحرة و التي الهمته عذب الكلمات في فيوضات الروح ، بين أحضان تلك القرية الحالمة النائمة علي ذراع البحر و البحيرة عند باب البغاز ” برج البرلس ” من هذا الوادي الخصيب الذي قدم للوطن الكثير من العلماء والأدباء والشعراء و أرباب الفنون الجميلة ، و لم لا فكلنا نعرف عالم البيئة د. محمد عبد الفتاح القصاص ، و الدكتور محمد كمون و الدكتور زكريا عمارة ، و الشاعر الفذ صالح الشرنوي و الشاعر ابراهيم حسين و الشاعر الاذاعي زينهم البدوي و الشاعرة علا بركات محمد و الشاعر محمد جلو ، و جمال البطاط ، والشاعرة علا غانم و الشاعرة خضرة ابوليلة و غيرهم كثيرون في شتي المجالات الفنية و الابداعية و الأدبية …

و من ثم نتوقف مع المعلم و المدقق اللغوي و الأديب و الشاعر الشاب ” وليد شرشير ” عاشق البحر و البرلس ، و ابن هذا الاقليم الملهم لكل انسان ذات بصيرة تحمل الفرح و الحزن معا . 
فقد جعل من أغرودته الفيحاء أغاني الصبا ، فهو المغني المتيم بجدلية اللغة و فلسفة منطق الجمال يستدعي دلالات الرمز حالة استثناية اشراقية من خلف ركام الحوار كي يصل مع الموج الي المدن الرابضة علي شواطيء القلب المعانق للحياة برغم رحلة النسيان يعزف علي أوتار قيثارته المحترقة موال الاغتراب ، فهو العنوان الممتد الي قلب جزيرة العشق ينشد المجد نورا !. 
و شاعرنا يتجول بلغته فيرسم لنا لوحات فنية فلسفية رمزية جمالية لها دلالات تعج بالصور و الاخيلة فيأتي من الأفق العميق و من حضن السفن ينقش ملحمة الزمن شعرا عموديا و حرا في سبك جيد و لغة رصينة و تعبيرات من قاموسه المتفرد و ان دل فانم يدل علي تنوع ثقافته التي بلا حدود فيبحربنا مع الآليء ينظم الأصداف لؤلؤا مرمريا كعاشق للجمال المعنوي و المادي لعنصري الوجود المتماثل في بناء متناغم متناسق و يلوح لنا هذا المنظر في بعض متوالياته – نفثاته – المشرقة في تجليات صوفي معذب تؤرقه الظنون في حيرة كي يصل الي مواجده في تراخي … : 
قطعوا الصوابَ
وقطّعوا صِلتي
وتمنّعوا
لا ما لهم لغتي
غضبانةٌ
هوجاءُ في مضضٍ
أنّى لهم
قد أضرموا أنَتي
غضبانةٌ
تهتاج في ألقٍ
أو تمزج الشفتينِ
في الشفةِ!
وصلوا لعنّاب الأسى صورًا
والوقتُ
فوق الوقت
والرئةِ
حسبي أراضيّ التي جُمعَتْ
وتقطّعتْ
في ليل أغنيتي!!
ليّلتُها
صوتي
بكى صوتي
نشـــــــأته :
———- 
ولد الأديب و الشاعر المصري المتألق وليد صابر شرشير في عام 1984 م . بمدينة برج البرلس محافظة كفر الشيخ – مصر العربية . 
تخرج في جامعة القاهرة كلية دار العلوم ، و يعمل مدرسا بثانوية برج البرلس .
حاصل علي دبلوم خاص في التربية في اللغة العربية – كادر القرائية الصوتية
عضو عامل/مؤسس نادي أدب البرلس .
رئيس نادي أدب البرلس دورة (٢٠١٧/٢٠١٧)
فهو متعدد الجوانب الفنية شاعر وناقد مدقق ومراجع لغوي.
= مؤسس و مشرف علي : مجمع الأصالة لبناء التميز محليا وعالميا.
” لتنقية الذوق العربيّ من الغث الوافد..لتأكيد الذات والكيان والسمة.. ” .

صدر له : 
=====
= شروق دراكيولا.. مسرحية شعر فصحى ٢٠٠٦ طبعة أولى دار المستقبل
= ديوان “البحث عنها” شعر فصحى ٢٠١٣ عن مجمع الأصالة طبعة أولى.
= ديوان “صبابة الاقتناع” شعر فصحى ٢٠١٢ طبعة أولى عن مجمع الأصالة
= التحليل الأصاليّ (دراسة تطبيقيّة نقديّة مستقاة من نظريّة الأصالة التطوريّة) ٢٠١٧ طبعة أولى عن مجمع الأصالة .
= ديوان زقزقات الطائر الافتراضي شعر فصحى ٢٠١٧ طبعة أولى عن مجمع الأصالة .
= الجزء الأول من ديوان”المجد القادم” .

و ها نحن نتأمل أطياف من شعره ، فقد عشق شرشير الشعر منذ طفولته و نعومة أظفاره ، حيث تفتحت عيناه علي مناظر البحر و البحيرة و البوغاز و النخيل و الرمال و مركب الصيد و أسراب الطيور المهاجرة و صحو السماء و القضايا المجتمعية و اللغوية كل هذه الأحداث انصهرت في الذاكرة فجادت بها رب الشعر كنوزا مخملية ، و من ثم ألف الشدو الغناء علي ساحل الابداع و الجمال … 
فتجربته الذاتية تحمل دلالات تؤكدها الصور الفنية و المفردات اللغوية و الأخيلة الوليد و الايقاعات التي تستوعب حالة الشعور فتسجل ومضات تختصر مسافات وحدة بناء القصيدة هكذا ….
من شـــــعره : 
————–
شاعرنا شرشير عاشق للبرلس و البحر بكل قيمه فينساب معه بين أحضان الرمال صوتا ثائرا جماليا يعانق بموجاته الأثير يحكي حكايات السندباد يتفاعل مع الحزن ينتظر أنداء الفجر معلنا للعالم أن الكون خمره و سكره فلا يقبل بغيرهما فيقول :
يهلّل باقتراع الحزن صدري يهيّج شجوتي موجٌ لبحرِ
سعال الإثم في متهمهماتٍ أعالجه فيشهق بي ويجري
يعاودني على بثٍّ قريبٍ بموجات الأثير على التسرّي
ويؤلمني التفاعل والتداعي أهيم تجاهلًا.. بل لست أدري!
وأوشك أن أحلّق في فراغٍ ويحملني الأسى قبل التحرّي
وأسقط من مجرّاتٍ لأخرى كأنّي نيزك التيه المجرّي..!
عدوت إليك يا نبض التقائي لأشهدك بأنّ الكون خمري
وأمري حين أسدله ستارًا فيحجبني بأدواءٍ وسكرِ
لتنهمر الخطى وتلاطمونا يهيج الصدر في طاغوت قهرِ
سلامًا يا فؤادًا قاتلوهُ فلفّ الكون كي يحيا لثأرِ 
و له من تجربة شعر التفعيلة – الحر – بعنوان له رمزية (كذا تتفاسَحُ وتفسحُ.. ) نفثات تجيش بها مشاعره التي تنبيء عن عباءة الشعر المتجدد مع حركة الحياة بين تطوره و اتجاهاته الفنينة شكلا و مضمون فيلقي بظلال شباكه الغواص الماهر بين الدرر في لغة و معني وصور راقية بين أهداب موسيقية الشجن في عمق فلسفي يتسائل صباح مساء عند مدخلات تلمح صدي النبض الذي يجسد معالم الحقيقة في صمود و تحدي و كبرياء مترنما بين أحلام الشاطيء عند مرسي القصيد الوليد حادي الليل المنتظر امام موج السماء يلقي بشعره بين خضم الكون من مجد الزخّات والهطول السماويّ على الإقيانوس البرلّسيّ مداعبا اللغة في رفق فيصبغها بالقشيب صادحا : 
كذا تتفاسَحُ وتفسحُ..

سماءٌ معبَّأةٌ بالندى
وعزف القرنفلْ
سماء الودادِ
البديع المحجّلْ
سماءٌ ومن وجدها
بي التواجدُ
شوق اللاشوق
اللاعطف
الغروب المضلّلْ
سماءٌ ملفّعةٌ بالضبابِ
وقوسِ التبدُّلْ
وهذا على إثرها
ألمعيٌّ
غريبٌ
محوَّلْ
من الهاديات النجوم استطالت
بضوءٍ تهدَّلْ
على البالِ
أحْلِلْ
من الشعر جَدِّلْ
من اللاذعات اللوات اللاءات
الداءات التغلغلْ
سوى الآه
تنطلقُ الموبقات
وتندلع الشمس في جسرها
تشعّ اليواقيتُ
المعيّاتُ
والمطرُ الجيشُ
الهَطولُ
الغريبُ
المريب
الذي
منه ذبنا
على وقتِ وقتٍ
على إثرِ إثرٍ
على السيفِ
والحيف
والصدفِ الطيّبات
بلؤلؤها
والكاتمات
التشوّفَ
والودعِ القِيلِ
والنُّبَذِ الصالحات الهدايا
تحايا
فليس هنالك شعرٌ كشعري
كشلّال غيثٍ
كهبّات موج السماء الهطول
الفسيح الجلال
البريق
الملوّن
حَدِّي على حِدَّتي والجنون
وقلبي الوديع الصبيّ
تناجى
أَيُعقَلْ؟!…
لقد ذبَحَ الوجدُ قِطفَ السماءِ
وشَدَّ الخيالَ
ومدّدَ في الأفق بُعدًا جديدًا
أصاليّةً يفتديها
ويقتات وقتًا غريبًا سوف يلهو به
على مجدهِ
من سلافة هذي السقايةِ
ينهلْ..

من مجد الزخّات والهطول السماويّ
على الإقيانوس البرلّسيّ .

و يقول شاعرنا شرشير في مقطوعة أخري تتلألأ فيها فكرة الوطن الصغير ” البرلس ” ينشد فيه الخير و الجمال يصنع من خلاله المجد الكبير يعبر الي حلم الوطن و الي ضمير العالم كي بث رسالته مع البحر يوشوش أصدافه : : 
متكوّمٌ في حيرة المحزونِ متعانقٌ في سحركِ المكنونِ
متسربلٌ بالموج فيّاض الخطى مدد القوافل دفعة الميمونِ
مجد المسائل والتساؤل والفضا فضّ الحكاية عن مصاغ الطينِ
لغزٌ أنا دوّمتُ شطّ غوايتي وأنا البرلّس فورة المضمونِ
شمسٌ وتائهة الملامح واللقا وتدفّأت في قرنها المقرونِ
عجبٌ أنا مازلتُ أحبو للندى عند الصفا متعلّقٌ بعيوني
أوّاه تجفوني الغواية مدّدتْ كفّ اللعائن بضّةً تهجوني!
سمجت غوايات العباد إلى متى بحرٌ يهمهم بالعجائب دوني
متريّثٌ كبدي الوفاء تناهشتْ منه القلوب وهاجمت مخزوني
مددًا لما؛ للشمس تطلع للعلا وبرلّسي سنجارها يغزوني 
أقضي المساء وذاك يزعق ريحهُ ذاك الشتاء ببرده المسنونِ
بحر البرلّس لا يوقّف رجّهُ ويرجّنا مترجرج التأبينِ
فضلًا ألملم في القصيد تبرلست وعقصتُ من أنحائها تكويني 
و يقول شرشير في قصيدة كلها طلسم تدور حول فلسفة الغموض و الرمز تهويمات المستحيل مع زمن تغيرت فيه المفاهيم فظل يصدح من أقاصي عالمه المجهول في تلقائية و استثنائية تشرق من ثنايا الروح تهفو الي الجمال المبهم :
وموضع انطقي
نطقتُ
موقد اسلكي
تمزّقَ الأوطانِ
وارفقي وفرّقي
حلواك والندى
لأنّني
تماثلتْ نهايتي بدايتي
وجمّعي
حصافة النشورِ
أطلقي تودّدي
تشرّبت ملامحي الأسى
وتنبت الأغصانُ
أزهرت صفا
صفوتُ
من جمالها الأحلى
وأرضها وموجها
يخالس المدى
تزغردي
تناسلي وأفرخي
وحيثما أكونُ
شفّفي
لتظهر الأبعادُ
ألتقيكِ
أرتوي
ويذهل العدا… 
و شاعرنا هنا مفتونا بالبرلس و بحاره فيتمدد مع الأفق باحثا عن المجد الحقيقي فيرسم صورة رمزية فنية تفتح مسارات النور المطبق حيث يتلاقي مع السنيين ممتطي صهوة الحصار و يقبض علي الأشواك كي يصل الي حومة الأحرار طاردا عناكبه الليلية باحثا عن حلم الحقيقة الهاربة و عن نبتة الشمس مع حركة الحياة برغم الوجع و الآهات ينتظر الندي المحمل بالجمال و الخير فيقول ابن البرلس شرشير :
المجد أن ترعى بحارك نورًا والنور أن تسعى إليك بحارُ
والسعي في الإمكان يبحث بالندى عن نبتةٍ للشمس إذ تُختارُ
عمّا إذا يرتاع قلبك تائقًا وتلذّذت فيه الرؤى الأغوارُ
والليل والطاعون والشيطان بل بلد العناكب والجوى المنهارُ
وتناهلت من كفّتي تلك الذرى أعدى الأعادي سيفه أفكارُ!!!
سأقيم حلمًا لا السيوف تصدّهُ رهف وحدّ الحدّ بي هدّارُ
رجفت هناك ملامح من ملمحي ولتتعبنّ عيونهم وحصارُ
قيّومتي أبد السنين تلاقيًا حلم الأصالة في لظاه شعارُ
فابدأ لتحترك الحراك وولولت شعلاتهم إنّ النفير بخارُ
من قبضة الأشواك تسلك نازفًا لتحرّر الأعذار يا أحرارُ
منها البرلّس تاق في أغرودتي وسأعزف الآهات إن تختاروا

كانت هذه رؤية خاطفة لمدخل عالم شرشير الابداعي من خلال الخطوط العريضة لشخصيته المتدفقة كالنهر المتجدد بين علوم اللغة و الفنون الجميلة يحكي صفحات من جمال و خلود الأصالة في تلقائية تفتح مسارات الحياة من منظور حداثي فياض بأساليب بلاغية تؤكد علي مدي صدق رحلة الابداع من هذا الاقليم الذاخر بالمواهب و الانفعالات الوجدانية في اطارروافده الانسانية التي تحمل قضايا العصر في رسالة تنطق بالحق و الخير و الجمال دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى