شعر

رِهانُ المَدينَةِ

صالح أحمد

طويلٌ هذا الحلمُ ..
كَوَمضَةِ عُمرٍ، أو أَطوَلَ بِزمانٍ ..
يَتَمَطّى الضوءُ كَئيبًا على قارِعَةِ الذّاكِرَةِ
وتحتَرِقُ الظِّلالُ..!
كَذا كانَ طَقسُ اختِلاطِ الأَمكِنَةِ .
###
في الأفقِ عَينٌ… ولَهفَةُ عِشقٍ… وَوَعدٌ تَماوَتَ…
وأغنِيَةٌ تُراوِدُ ثُقبًا في الذّاكِرَةِ عَن مَعبَرٍ إلى فَصلِ الغِيابِ…
ولحظَةٍ تُمارِسُ على صَفحَتِها رَقصَةَ السُّدى!
###
في الأفقِ تَستَفِزُّني نافِذَةٌ تُعلِنُ انحِيازَها للبَحرِ،
وتَنفي لَحظَةَ الوَهَجِ العابِرَةِ،
وَتَقذِفُ اشتِهائي بِكلِّ ما اختَزَنَتهُ جَراءَةُ الأمنِياتِ،
وتَشكو الحواسُ يُبوسَةً مُضمَرَةً.
###
إلى مَ سَيرنو شُحوبُ الرُّؤى!
إذا اكتَمَلَت رِحلُةُ الإنتِظارِ …
وباتَ وَجيبُ القُلوبِ صَدى..
وغَدا الوَجَعُ الْمُتَعَملِقُ فيَّ، أكبرَ من إحساسي به..
وأجبَنَ مِن أن يُبقي عَليَّ؟!
###
هو الإرتِعاشُ يُحاوِرُ فِيَّ بَقايا الأنا..
ويَكشِفُ أنّي فَصلٌ غَريبٌ،
لا تَقرَبُهُ الشَّمسُ… لا يَراهُ الغَيمُ…
ولا تَبتَلُّ لَهُ لَهفَةٌ…
ولا تَرتَضيهِ الرُّؤى الحائِرَةُ .
###
مِن أَيِّ المشاهِدِ يَنبَثِقُ العِشقُ…
لِيَكتُبَني لحظةً في انتِظارٍ…
ووَتَرُ الوَقتِ يُفارِقُ كَفّي…
لتَعزِفَني الموجَةُ العابِرَةُ !!
###
بِأَيِّ المحاوِرِ يَندَرِجُ الصّمتُ..
وتِلكَ المدينَةُ غَدَت تَستَريحُ بها الأسئِلَةُ…
ورَغمَ أسوارِها الْمُعلَنَةِ…
تَلوذُ الأماني بِعينِ الشَّفَقِ؟!
وَتغدو رَمادًا مَوائِدُ سَمعِنا!
###
تُرى؛ ما الّذي لَقَّنَ الفُصولَ هُنا لَعنَةَ التَّمَطّي…
لِتَبقى المدينَةُ بَقايا مُرورٍ في الأزمِنَةِ …
وتَعبُرَ فينا؛ وقد أغلَقَت كُلَّ نَوافِذِها الْمُزمِنَةِ…
وتُصبِحَ أنفاسُنا وَحدَها… مَعابِرَ للرّيحِ الشّارِدَةِ ؟!!
###
لا شَأنَ للفَجرِ فيما أَرى.
وبما يُعلِنُ اللّيلُ البَريءُ مِن أحلامِنا الْمُبهَمَةِ..
وتِلكَ المدينَةُ؛ يُعَربِدُ فيها لَونُ الضَّجَرِ!
يُطالِعُكَ فيها الشَّجَرُ الرّاكِدُ…
وصوتُ الرِّهانِ يُسافِرُ فيكَ إلى حيثُ تَفنى مَعاني الصُّوَرِ.
####
لا شَأنَ للفَجرِ فيما يُمارِسُهُ الوَقتُ فينا.
ولا بما يَقتَرِفُ الصَّوتُ المسافِرُ خارِجَ خارِطَةِ الإفتِراضِ…
ولا بما يَتَراءَى مِن فَضاءاتِ الإحتِقانِ…
وقَلبُ المدينَةِ يُعلِنُ أحجِيَةَ المناخاتِ،
لِيَبقى الزّمانُ حُدودَ الأنا.
###
كُلُّ الّذي يَربِطُني بالمدينَةِ الْمُعلَنَةِ..
سُؤالٌ:
ما الّذي بَينَنا؟!
###
لَكَم أرهَقَ الرّوحَ هذا التَّراوُحُ بَينَ التَّجَمُّلِ والاصفرارِ.
ولم يُبقِ لي سٍوى شاطِئٍ.. صَخرَةٍ… ومَدارٍ.
وبَيني وبَينَ المدينَةِ صَمتٌ..
وخُطوَةٌ بِقَلبِ فَراغِ الأنا …
###
تُرى …
ماذا يَصوغُ الوَداعُ الأخيرُ
وكَفٌ طَواها خَليجُ الضَّجَرِ؟
– انطُروني تُرابًا…
– روحًا تَحِلُّ غَدًا في حَجَرٍ…
###
لا شَيءَ يُنقِصُ لَذَةَ الهاجِعينَ،
يُضاجِعونَ أوهامَهُم في سكونٍ،
وحتى حينَ يُداهِمُ الذّاكِرَةَ مَلامِحُ شَفَقٍ غابِرٍ بالرُّؤى،
يحمِلُ صَوتًا… لَونًا… شَيئًا…
روحًا تَتَنَزَّلُ.. حَجرًا يحمِلُ أسماءَنا…
سَيَبقى كُلُّ ما يَربِطُ الأنا
بهذي المدينَةِ المعلنَةِ..
سؤالٌ…
ما الذي بَينَنا ؟!

صالح أحمد (كناعنة)

من ديوان النثر: مدن المواجع

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى