دراسات و مقالات

” رحيل قرمزي ” الشاعرة المغربية صباح الدبي – 1974 م

تغريدة الشــــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

مَلَكُوتُ الماء
أَحْيَانًا حِينَ يُداهِمُنِي الصَّحْوُ
وَ يُطَوِّقُني دِفْءٌ يَأْتِي
مِنْ أَقْوَاسِ الرُّوحِ يُطِلُّ عَلَيْ…
مِنْ دَالِيَّةِ القَلْبِ الأَخْضَرْ
أَتَدَفَّقُ فِي أَنْهَار مِنْ صَبَوَات مُشْرِقَة
وَ أُسَاِفرُ فِي مَلَكُوتِ المَاِء النَّافِرْ
مِنْ أََحْجَاِر الوَقْتِ

———–
و تقول صباح الدبي :
” فالشعر ملاذ وحالة وجود، وإحساس عميق بالرهافة و الجمال — ”

من بلاد المغرب نتوقف مع شاعرة من ” تازة ” نسجت ثوبها الاخضر الجميل من ديمة الأحلام و من زخات المطر و من جداول النهر و من خرير الماء خطوات النور مع دف شمس الشهقة الأولي كي تكتمل القصيدة مع بدء التكوين الأزلي و اختصار المسافات و المسارات أغاني الصباح بين لوعة و اشراق تمضي في ثبات تتأمل الجمال كظلال لمرايا الهمس الذي يسكنها حلما مع الندي و ضوء الفجر في لوحات فنية وصور جمالية و اسقاطات فنية ترسم لوحاتها كمواسم اخضرار توزع الخير بين الأفق بلا حدود تعبر المستحيل بلا قيود تنثر علي عالمها الصامت بين الأحجار الورود — !!
فشاعرتنا صباح تنطلق من بين الماء و المطر و السفر و الاخضرار تطلق ملحمة الغناء في أصل الحياة تتبتل بالحب برغم أنات الجوي و النوي تعانق الهوي مع أفاق المدي في تدفق تحمل همومها بين النهر كي تغتسل و تنتفض في عودة الجمال لأصل البدء بدون معوقات فتستخدم هذه الألفاظ رموز في تشكيل قصائدها في سلسلة مترابطة تشكل وحدة تجربتها من أقاصي المغرب بين عبقرية المكان و سحر البيئة كالطائر الطليق في اسرابه مواسم الهجرة حيث الشوق و الحنين الي مخدع كلمة الحكماء و حيرة الغرباء و حلم الأمراء بين وادي النسيان تمضي في اشتياء و كبرياء — !!
أليست هي القائلة في قصيدتها ” حين يهب الماء ” :
حين يهب الماء
أخرج من عمق الغيب
أخرج و انسج لحمام الكون
خيوط الشدو الغائر في لججك
هل يبقى الليل إذا ذبلت عيناه
أميرا للغرباء؟…
أم هل سيظل يلوك جذور السهو
و يرسم أودية النسيان
لقافلة الجمر
و يفك قوانين الحكماء؟…
هل أرسل شهقته الأولى
حين امتلأت أكمام القلب

نشـــــأتها :
————
ولدت الشاعرة المغربية صباح الدبي في تازة بالمغرب في عام 1974م

المؤهل العلمي : دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي الحديث
أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي مادة اللغة العربية
وهي عضو في اتحاد كتاب المغرب, وسبق لها الفوز بعدة جوائز تقديرية في مسابقات أدبية وطنية.

و لم لا فقد توجت شاعرتنا المغربية الأستاذة ” صباح الدبي ” ابنة تازة بعدة جوائزة هامة منها علي سبيل المثال :
– الجائزة الثانية في مسابقة شعرية نظمها نادي الجسرة الثقافي والاجتماعي بقطر
– وجائزة محمد الوديع الآسفي للشعراء الشباب دورة 2002-2003 .
– و جائزة نازك الملائكة
و شاركت بحضور مشرف في مسابقة شاعر المليون في الامارات العربية ولاقي شعرها استحسانا و انبهارا من الجميع لصوت شبابي من المغرب واحة الفنون و الجمال

و قد صدر لها عدة دواوين شعرية منها :
= ديوان ” حين يهب الماء ”
= ديوان ” رحيل قرمزي ”
= ديوان ” سدرة الضوء ”

و تقول شاعرتنا المتألقة صباح الدبي عن المشهد الشعري النسائي في المغرب العربي :

إن الصوت الشعري النسائي سجل حضوره المميز منذ التجارب الرائدة للنساء الشاعرات ، و التي تركت بصمتها راسخة رقم قلتها ، غير أن الذي يسجل حاليا هو أنه أصبح مسموعا وحاضرا بقوة، نظرا للتراكمات التي شهدتها الساحة الثقافية والشعرية بالمغرب، من خلال الإصدارات المتوالية والمتعددة، ونظرا للتحول النوعي في الكتابة الشعرية النسائية، التي أضحت قوية وفاعلة وأصبحت تضاهي كل التجارب الشعرية في الوطن العربي، و تعددت أنماطها بالنظر إلى ثراء و غنى المرجعيات الفنية و الثقافية التي يصدرن عنها، و بالنظر إلى اختلاف التصورات للذات و الكون و الحياة
فالشعر ملاذ وحالة وجود، وإحساس عميق بالرهافة و الجمال، و طبيعي أن تستثمر المرأة الشاعرة هذا الفيض لتمارس من خلاله رحيلها عبر الكلمات إلى عوالم لا حدود لها ، تكشف أسرار الدواخل، و تسائل موجودات الكون، و تقتنص انفعالاتها و تصوراتها لقضايا الذات و الإنسان ، و هذا ما يشي به المنجز الشعري النسائي المغربي ، ثم إن الشاعرة المغربية حاضرة بشكل فاعل في مختلف المهرجانات و الأنشطة الشعرية في المغرب وخارجه، و في ذلك إعلان حضور، و كشف للخصوصية، وإسهام فاعل في إثراء المشهد الشعري العربي”

مختارات من شـــعرها :
زَادٌ و سَـفَــر
حينمَا يسحبُ الصَّمتُ عينيكَ للنُّور
اذهبْ إلى حيثُ لا عتْمَة فِي المَدَى
المَدَى مُشرَعٌ و النَّوافِذُ
يومئُ بلَّورُهَا للرَّحِيل
خُذْ من الزَّادِ مَا يجعَلُ البَحْرَ رهواً
و مَا يُشعِلُ المَاءَ فِي كفِّكَ المُتعَبَة …
خُذْ مِنَ الطِّينِ أسرارَهُ
مَا لَهُ مِنْ لظَى قبضَةٍ
شكَّلَتْ وجهَهُ
ثم ألقتْ بِهِ في السَّديم البَعِيد
يقتفِي أثراً لا يُرَى
أثراً قد سَرَى فِي التَّفاصِيل
في الأعينِ الشَّارِدة
في لظَى لحظةٍ أذرفتْ عاشقَين استلذَّا بخمرِ السَّمَاء
غيمةً بَارِدَة …
خُذْ من الرِّيحِ أجنحةً للسَّفَر
لاَ تعُدْ
الكنُوزُ التِي تشتَهِي
سحرُهَا جارفٌ لا يشِي بالدُّرُوب
لا يفكُّ الطَّلاَسِم
يدعوكَ للرَّقصِ في الجنَّة الوارِفَة …
خُذْ من المَاءِ ما يغسلُ القلبَ من موتِهِ
ما يُحيلُكَ فِي لحظَةٍ نطفةً
تستعيدُ الذِي كُنْتَهُ بغتَةً
تشتهِي صيْحةً واحدَة
القلوبُ التِي غادَرَ الدَّفقُ أنهارَهَا
جُثَّةٌ هامدَة ….
خُذْ منَ النَّارِ تعويذةً للبَرَد
و اصطَلِي حينَ يَصَّاعَدُ النَّزْفُ
و اعصِرْ خموراً بهَا تسكَرُ الرُّوحُ
وِرْدٌ مِنَ النَّارِ أصفَى
إذا جفَّتِ الأنهُرُ الجَامِدَة

و في قصيدة رائعة بعنوان ( ملَكُوتُ الماء ) تستخدم فلسفة ” الماء ” انطلاقة الي أصل الحياة منذ بدء التكوين حيث ملكوت ينساب نبضا يفتح مسارت الحركة في جمال مع تدفق عمق الماء موسما ربيعيا يشرق باجواء الروح في تسابق متوالي فيحول صلب الأزمنة الي حنين يهمس بالعشق الجريح المتوقف بين أحجار الوقت منذ الشهقة الأولي بين مناطق الجمال في تأمل بلا حدود مع المطر و البحر و الحجر و السفر فتقول شاعرتنا :

مَلَكُوتُ الماء
أَحْيَانًا حِينَ يُداهِمُنِي الصَّحْوُ
وَ يُطَوِّقُني دِفْءٌ يَأْتِي
مِنْ أَقْوَاسِ الرُّوحِ يُطِلُّ عَلَيْ…
مِنْ دَالِيَّةِ القَلْبِ الأَخْضَرْ
أَتَدَفَّقُ فِي أَنْهَار مِنْ صَبَوَات مُشْرِقَة
وَ أُسَاِفرُ فِي مَلَكُوتِ المَاِء النَّافِرْ
مِنْ أََحْجَاِر الوَقْتِ
وَ مِنْ صُلْبِ الأَزْمِنَةِ
لَمَّا يَتَمَلَّكُهَا تَوْقٌٌٌ لِلإِفْلاَتِ
مِنْ َأْصْفَاد مُتَدَاعِيَة…
أَتَنَشَّقُ شَهْقَتِيَ الأُولَى
فِي مَوْسِمِيَ الأَخْضَرْ
أَتَنَفَّسُ مِنْ عَبَقِ المَاءِ
وَ أُصَفِّفُ أَعْشَابَ الرُّوحِ
وَ إِذَا بَزَغَتْ فِي أَوْرِدَتِي
نُطَفٌ مِنْ شَدْوِ الصُّبْحِ
أَتَلَقَّفُهَا
وَ أُدَثِّرُهَا
وَ أَذُوُقُ كُؤُوسَ الإِشْرَاِق…
تَتَرَبَّعُ فِي أَبْرَاِج دَمِي
أَنْغَامُ البَوْحِ الخَرْسَاِء
وَحُقُولَ الوَرْدِ المُهْدَاةِ …
وَ أَسْأَلُهَا
كَمْ مِنْ قُرْبَان يَكْفِيكِ
كَيْ تَنْبَلِجِي
كَيْ تَنْتَشِرِي
فِي أَجْوَاءِ الرُّوحِ

و تقول في قصيدة أخري بعنوان ” ديمة الأحلام ” تغازل الوجود بين الماء و المطر تستدعي الأحلام عشقا من أوجاع الحياة مع الليل بين أنات الليل و همسه تطول بين المدي تعزف علي دفء شمسه براح الأمل أغاني الصبا بين لوعة الجوي المرصع بالثري و الندي في عناق وحدة الحب الذي تنشره بين ربوع الأرض اخضرارا و شوقا في صور شعرية مكتملة اركان تجربتها الفنية :
ديمة الأحلام
هذا المساء الليلكي
يريق لوعة شمسه الملقاة في شرك المدى
ويصب همس الليل أنخابا
لعيد الورد و الريحان و الجرح السدير
هذي تعاريش الجوى
تنثال في ندحات بيدك كالسراب
وتسربل الأرض الخراب
ليعتلي نقع الندى
عرش الثرى
يا ديمة الأحلام
حين أصابها الألق الوبيل
تسلقت هامات حكي بائت
صبت سلافة نسغها
ودقا يرش معاقل الفلق الكسير
هل يجتبيك الدهر
أمواجا لأنهار التوله أم سيجرفك إلى بحر المحال
هل جن في عرصاتك
ليل التوجس أم سيسكنك السجال…
لهدير رجعك
نكهة الفنن الغريب
إذا تلاشت في مآقيه الصبابة
وانكوى في مقلتيه القطر
و انفرطت بكفيه عناقيد الدمى …
من أين يأتيك التورد
حين تجترحين غيم القلب أفياء لمرثية المساء
أو حين تقتلعين دهشة ليلك الممحول
من مزن السماء
و الختل فيك كأنه تعويذة للكبرياء …
أنت الهزيم يخط أقبية الحروف
فسائلا للعابرين
و كلما شبت بأعطاف التوهج
حشرجات الفجر أيقظك الحنين
لتنثري شجن الهزيع
على عيون السائلين…
لا الآس يزهر في المفاوز
لا الرذاذ يلوك جوع الصمت
أو قددا من الوقت المعربد في القفار
لا قلب يوقظ في فتيل الروح
آيا من رذاذ الحب أو قطع البهار
لا كف تجمع من رفات الدمع في حدق الزمان
دواليا لسنى الغمام
و لعيد ميلاد الأنام …
يا شمس انتبذي رغاء الوجد
و انتشلي من الليل المرابط
نبض أشواق
تساق إلى حفير الصمت
أو أشلاء أشلاء
تباع بباب أسواق النخاسة
حين يرتحل المساء
و دعي أكفك تنثر الحفنات
من أحواض نورك أنجما لظلام هذا الليل
أو ترنيمة لذبال هذا العشق
أو كمدا لأوجاع النهار…
كوني لدهشة طفلك المسبي
حضنا دافئا
فالحب زنبقة بحجم الروح
تحيي كل أجساد المدى …

و في نهاية المطاف مع شاعرة تازة بنت المغرب ” صباح الدبي ” فارسة مسابقة شاعر المليون الاماراتية قد تجولنا بين ظلال قصائدها الرائعة صوت نسائي قوي بل رائدة من المبدعات المغربيات لها صدي علي الساحة الادبية توازن بين الكلمة و الايقاع في شعور يستحوذ علي احاسيس المتلقي و المتابع لملحمة عزفها مع نبع الماء سر التكوين دائما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى