قصة

ذلك الصغير

بشير قطنش

هذا المرة سأكتب دون رمزية أو استعارة لشخوص يقوموا بالدور بدل عني على خشبة المسرح الكبير وبدون استعمال لمؤثرات ، هي محاولة للتماهي مع الواقع فحلمي أو حلم محدثكم ( بشير ) كان صغيراً جدا وبسيطاً بالكاد يبدل خطواته يتكئ على من حوله يتشبث بأي خيط تناله يده ويعتبره طوَّق نجاة ، حتى إني صرت اليوم أستهزئ بتلك العقول الصغيرة وأستخفُّ بها لمنحه تلك الأهمية آن ذاك ، فقد كان انتهاء العام الدراسى متوّجا بصحفية خالية من دوائر حمراء أستلمها باليمين حلم وأمل بعيد ، فجاء إهمال قلم الرصاص والاستعاضة عنه بالقلم الجاف رجولة توجب التكليف الشرعي والجلوس إلى موائد طعام الكبار ، تضخم بداخلنا حتى أضحى اجتياز مرحلة التعليم الإبتدائي يفتح أمامنا آفاق جديدة رحيبة مثل امتلاك دراجة هوائية ( دوبيو ) كما كانت تسمى قديما غايةََ تستحق شحذ الهمم و ربط الحزام والتقشف يُحسد ممتلكها ، كانت كنز يستحق المحافظة عليه و تعليق التمائم برقبته ، تمدد الحلم واتسع ودخلت فيه مفردات أعجمية مع وضع أقدامنا بدرجات صفوف الإعدادي واحتضنت حقائبنا المدرسية كتاب Einglesh for libya بألوانه الزاهية بنسخته الأولى ، كان للكتاب رائحة الفرنجة التي تختلف عن باقي كتب المقرر أو هكذا شبه لنا ، كنا نشعر وقتها بأن البون شاسع بيننا وبين تلاميذ الإبتدائي وكأننا لم نكن هناك البارحة ، نبتت بعض الشعيرات بأرض وجهي القاحلة فتعهدناها بالرعاية وداومنا النظر إلى مرآة مقعرة تضخم الأشياء ، ثم اتسع الحلم كبقعة حبر تلتهم البياض من قطعة قماش قطنية ، تسارعت خطواته وزاد الاتساع بينها يوماً بعد يوم فكان توديع المدراس والكتب والقاعات الدراسية للولوج لسوق العمل والوظيفة ومعترك الحياة ، ركب حلمي القطار مسرعا رامياً حذائه الصغير المقطع من نافذته ، ليصل إلى وظيفة وسيارة و زوجة ثم مزرعة ، كنّا نزيد في أعداد أعمارنا شهوراً أو بضع سنوات لنبدو فينظر غيرنا أكبر ، هنا توقف في محطته يراجع قائمته فلم يعد بها إلا خانة واحدة هي أداء مناسك الحج والعمرة وبعض الالتزامات الرتيبة ، بعد أن عج مرآبه بأكثر من واحدة وكذا أشياء آخرى لم تكن ، فقط سؤال كبير يطل برأسه ( ثم ماذا بعد ) ، هنا يتلعثم اللسان وأرى عقارب بوصلتي كرأس مثقلة بحانة مظلمة تبحث عن إجابة لهذا السؤال الكبير ، جئتم أنتم أمامي فأثرت أن أشرككم همَّ الإجابة عَلّ أحدكم اهتدى لها عندما حشره تراكم السنين وتلك الشموع المذبوحة على رصيف عمره الطويل لها فهل من مجيب .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى