دراسات و مقالات

دراسة ” الأنا بوصفها أنا الآخر

بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة / ديوان ” روح الياسمين ” لحسن السوسي ” / عنوان الدراسة ” الأنا بوصفها أنا الآخر ” /
======================= مقدمة ================

يلاحظ الكثير من المهتمين بعلم اللغة والنقد الأدبي موجة تطبيق النظريات اللسانية على الخطابات باللغة العربية ، ونخص بالذكر النظرية البنوية والسيمائية والتداولية ، تهتم باللغة كظاهرة فردية وجماعية وسلوكية واجتماعية ونفسية ، ومن هنا جمعت النظرية لذرائعية المابعد حداثية بين كل هذه المرامي ، على اعتبار أن كل نظرية تكمل الأخرى لتموقع ذاتها في الجدة والتميز . والملاحظ على النظريات الثلاث ( البنوية والسيمائية والتداولية ) أننا نجدها في غالب الأحيان عبارة عن دراسات للنصوص الأدبية ، في حين نجد ونسجل انعدام درسات لسانية لخطابات أخرى غير الخطاب الأدبي والتي تتمثل في الخطابات التعليمية والسياسية والاقتصادية … والذي يجمع بدوره بين المتكلم والمتلقي والسياق . لقد أهمل ( سوسير ) الكلام واهتم باللسان موضوعا للدراسات اللغوية . تقول ” خولة الإبراهيمي : ” تعتبر التداولية مجموعة من النظريات ، نشأت متقاربة من حيث المنطلقات ، ومتفقة على أن اللغة هي نشاط يمارس ضمن سياق متعدد الأبعاد إذ نسطيع القول بأن التداولية نشأت كرد فعل للتوجهات البنيوية فيما أفرزته من تصورات صورية مبالغ فيها خاصة عند اللساني الأمريكي ” تشومسكي ” وأتباعه . فاللغوي نجده يعتمد وصفه للظواهر اللغوية على التقابل المشهور الذي وضعه ( دي سوسير ) ، أي بين اللغة والكلام حيث أبعد الكلام – يمثل الاستعمال الحقيقي للغة – من دائرة اهتمام اللغويين واقتصرت الدراسة على بنى اللغة ونضامها ” .( 1 ) . والنظرية الذرائعية كنظرية ما بعد حداثية يمكنها أن تدرس جميع أنواع الخطابات ، الأدبية بأنواعها ، والتعليمية والسياسية والاقتصادية ….يقول ” عبدالرزاق عودة الغالبي : ” هل الحقيقة هي الأصل أم الأصل هو الحقيقة وما موقع الذريعة من ذلك…؟ …وبرأيي، لا حقيقة دون أصل تسنده ذريعة، فإن التأصيل هو جوهر الفلسفة, وهو القاعدة للوصول إلى الحقيقة, وهو منظور يفضي نحو التأمل في الأشياء بشكل منطقي للوصول نحو عمق جوهرها، وكل شيء في الحياة ينبع من ثنائية واقعها ملموس وأصلها مخفي….” ( مقتطف من مقالة لعبدالرزاق عودة الغالبي )

============ √√√ المدخل البصري √√√ =======================

من أهم المداخل في النظرية الذرائعية ” المدخل البصري ” بل هو السطح الذي نلج منه العمق ، ويرجع ذلك لعلاقة البصر بكل الموجودات وأثر الشيء المنظور في النفس . ومن مميزات نظرات الناقد الذرائعي أن تكون متكررة يصاحبها التركيز العالي للقشرة الخارجية للنصوص ، على اعتبار أن النص كائن حي ، والنظرات الطويلة اتاجهه دليل على الاهتمام والحب ، وبهما يمنحك النص مفاتيح الدخول إليه ، بعد إن يكون قد اطمأن لنظرات المعجب . لا يمكن للناقد أن يقرأ نصا والرفض البصري متبادل بينهما ( بين الناقد والنص ) ، فكيف إذن سيغوص في العمق وقد رفض القشرة أو السطح .نظرة الناقد الذرائعي للنصوص تتخذ أشكالا مختلفة تتوزع بين النظرة العادية أول الأمر ، حينها يكون الناقد حدد الزمن مسبقا وقت البصر إلى النص ، ثم النظرة الخفية ، لا يححد لها زمنا مسبقا تفاجؤه فيسرع ليتأمل السطح اللامع للنصوص ، ثم النظرة المتكرة ، وهي اتصال ثابت بالعين للنص لأنه سيحتاج هذه النظرة حين الغوص في المتحرك من خلال تسجيله ملاحظات كثيرة ، تنفعه وتساعده على الخوص في كل المداخل وبون استثناء . وهكذا لا يمكن تجاهل ما تحمله العين ونظراتها من بساطة في الشكل وتعقيد في التركيب والذي لا يمكن المرور به في جميع الحالات دون اعجاب أو تقدير ، ووكذلك النظرة ووقعها على النفس والذي لا تزال محط دراسات وأبحاث العلوم الحقة والإنسانية .
” روح الياسمين ” ( 2 ) ديوان شعر لإعلامي ” حسن السوسي ” ، يقع في مائة و سبعة وخمسين صفحة ، تشمل الإهداء والتقديم ( عبدالعزيز أمزيان ) وفهرس النصوص الشعرية التى وصل عددها سبعة عشر قصيدة ، يغلب على عناوينها طابع الجملة الاسمية ، منها : ( للياسمين روح / عقل الجنون / رعشة قوس قزح / سدول الوهم / ملحمة الذكرى / تألق الصدى / مقلة السريرة / سر الوجع بالحياة / مناجاة مختلسة / عشتار والسونو / صرخة موؤودة / عطر المروج / زهو أنين / حبلى هذه الديار / شغاب القلب / ، وعنوانين متتابعين في الفهرس تضمنا زمن الفعلية ( غيمة تلهو بالبرد / وتنصهر اللحظات في اللحظات ) ،كما لا تخو نصوصه من علامات الترقيم بمختلف أنواعها . تشير بعض القصائد إلى المكان والزمان . كل القصائد من جنس / صنف الشعر النثري ، والذي دلنا عليه هيكلته الكتابية على الورق التي تختلف بشكل واضح عن نوع القصيدة الخليلية ، ويختلف كذلك عن قصيدة التفعيلة السيابية . وجدت قصيدة النثر في الأدب العربي منذ 1960 ، كجنس فني يستكشف القيم الشعرية الموجودة لغة النثر ، وللتعبير عن التجارب والمعانات التي يواجهها الشاعر ، من خلال تضمينه صورا شعرية تتسم بالكثافة والشفافية بعيدا عن وزن القصائد التقليدية ، يطبعها التحرر من كل أنواع القيود الموروثة . فقصيدة النثر : ” هي عبارة عن نص تهجيني يمتاز بانفتاحه على الشعر والسرد والنثر الفني ، وتتسم بافتقارها للبنية الصوتية الكمية ذات التنظيم ، إلا أن له إيقاعا داخليا منفردا بعدم انتظامه ويبرز ذلك بتوزيع علامات الترقيم والبنية الدلالية وفقا لبنية التضاد ….” ( 3) .

============ √√√√ السيرة الذاتية للإعلامي / الشاعر √√√√ ================

ونقدم سيرة ” حسن السوسي ” نقلا من مقالة للإعلامي والناقد ” مجدالدين سعودي ” ( 4 ) جاء فيها :
” حسن السوسي ”
– من منطقة المغرب الشرقي
– حاصل على الإجازة في الفلسفة
– مارس مهنة المتاعب ( الصحافة ) منذ مطلع الثمانينيات
– مسؤول سابق بالقسم العربي لجريدة ” أنوال ” الأسبوعية لمدة سنوات
– كتب في العديد من الجرائد والمجلات المغربية والعربية ( الاتحاد الاشتراكي – السفير اللبنانية – الحياة اللبنانية – الأهرام القاهرة ….
– مدير تحرير سابق لمجلة ( الشعب العربي ) في باريس
– قدم عدة برامج سياسية في شبكة الأخبار العربية ( لندن )
– محلل سياسي في عدة قنوات فضائية ( سكاي نيوز – الغد – الحوار – المغاربية – الحرة ….
– قناته في اليوتوب تعرف التفاعل والانتشار
– له ديوان ( روح الياسمين )
– ديوان قيد الطبع
من مشاريعه المستقبلية
– كتاب حول القضية الفلسطينية
– كتاب حول الثقافة السياسية
– كتاب حول اللممارسة السياسية

===== √√√ √ دراسة ذرائعية تداولية للعنوان ” روح الياسمين ” √√√√ =====================

سنحاول في هذه المقاربة الذرائعية التداولية إبراز نظام العتبات بوصفها خطابا تداوليا تمهيديا وتعررفيا للمتن مستظلا بذرائع خطابية ، تتوائم مع نسق النص الموازي له وتستدل عليه ، إذ يعد موقع العنوان موقعا تداوليا ينعقد فيها اللقاء بين الشاعر والقارئ / المتلقي . سنبحث في الخصائص والتحليلات التي يحملها هذا الخطاب في ” روح الياسمين ” التي مهد بها الشاعر بعتبتين خطابيتين ما رستا دور التعريف والتسهيل على المتلقي للولوج إلى باقي النصوص . العنوان إضاءة لغوية تعبر عن نص المتن قبل الولوج إليه ، فالشاعر تعمد هذا التعبير القصدي الذي يحمل نية التعبير الدقيق عن المضمون ، فالعنوان لم يختر بصورة اعتباطية ، بل يتشاكل ويتداخل مع النصوص في مضمونها واحتمالاتها التابثة والمتحركة ، وهو ذو دلالة واتباط بالسلوك الذرائعي للغة بشكل عام ، أو الجانب الاستعمالي للغة ( المرسل – المتلقي – الوضعية التبليغية ( السياق ) . يرى ” جورج مونان ” : ” أن شروط العملية التبليغية لا يمكن أن تتحقق في شموليتها إلا من خلال تواصل حقيقي تتبادل فيه الوظائف بين النص والمتلقي والناقد ، وهو مجهود نفسي …” ( 5 ) .

أ – المفتاحية التداولية الأولى في العنوان : ” روح ” :

جاء في معجم المعاني ( 6 ) روح : روح جمعها أرواح ، كل ما بها حياة ، والروح المعنوية : الجو أو الحالة النفسية التي تؤثر في نوعية الأداء الذي يتم عن طريق جهد مشترك ، وحياة روحية : حياة مرتبطة بما هو ذهني ، بعيدة عن كل ما هو مادي وحسي ، والرحية في الفلسفة : تقابل المادية ، وتقوم على اثبات الروح وسموها على المادة وتفسر في ضوء الكون والمعرفة والسلوك . لكن تركيبها مع كلمة ” الياسمين ” تبين معناها وغايتها ودلالتها ورمزيتها في العنوان ” روح الياسمين ”
اللسان ترجمان العقل ، والقلب لسان الروح ، يفضي كل منهما إلى صاحبه . قال زهير :

وكائن ترى من صامت لك معجب
زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة الحلم والدم

ب – المفتاحية التداولية الثانية في العنوان ” الياسمين ” :

جاء في معجم الوسيط ( 7 ) : الياسمين : جنيبة من فصيلة الزيتونية والقبيلة الياسمينية ، تزرع لزرعها ، ويستخرج دهن الياسمين من زهر بعض أنواعها ، نبات زهرها بيض طيب الرائحة يستعمل في صناعة المواد العطرية .
للياسمين أسطورة تحكي عن بياضها ، ” في بداية البدايات ، لم تعرف الأزهار والورود أي لون عدا اللون الأبيض ، وذات يوم نزل شعاع الشمس إلى الأرض وطلبت من كل زهرة أن تختار لونا ترغب فيه ، وأن تنحني حتى تتمكن أشعة الشمس من طلائها بشكل جيد ، انصاعت جميع الأزهار ، ما عدا زهرة الياسمين التي أبت أن تنحني ، وحافظت على بياضها ، ولذلك تعتبر هذه الزهرة رمزا للكبرياء عند الفرس ومن وصلتهم من الأقوام …( 8 )

ج – تركيب المفتاحيتين التداوليتين للعنوان ” روح الياسمين ” :

أصبح واضحا أن التركيب الاسمي للعنوان ” روح الياسمين ” حاملة لدلالات مجازية يرتبط ويتداخل فيها الواقع بالذات والخيال . يقول ” عبدالعزيز أمزيان ” في مقدمة الديوان : ” الأمل المحفور في تجاعيد الوجدان ، كملاك يسكن فصول الحياة ، ويلف حدائق الكون في روح الشاعر ، ومشاهد مدهوسة بنور ساطع ، وعشب وامض خفاق كأزل الأحلام الوفيرة التي لها شكل الياسمين ، وأنفاس السفر في الحنين ، وعطر الغربة ، ولون الصباح ، هي – ترغب أبدا – في الانفلات من قبضة العقم ، والتحرر من قيود الضيق ، وبطش الموت ، إلى سماء الأفق البعيد والضوء الممتد إلى نهاية المطاف الرحب …صرخة مجلجلة ، تطلقها الروح بقوة الحرف ، بجبروت الاستعارة ، أمام منعرجات الهوى الواطئة ، بوح عال ، لقلب مكلوم ، يتخطى العقبات ، يهزم الاسمنت والجدران والقبو ، هكذا هي روح الشاعر ، تعانق الحلم ، وتحضن الأمل ، وتتوق إلى الدمعة على خد زهر الياسمين …” ( المرجع (2 ) نفسه ) .
تحمل الكثير من الكتب والنصوص كلمة ” الياسمين ” من بين كلاماتها المشكلة للعنوان ، منها : رواية ” غربة الياسمين ” من تأليف ” خولة حمدي ” ، ديوان ” خيوط الياسمين ” للشاعرة ” وفاء الفاسي ” ، مجموعة قصصية ” أرحام الياسمين ” ل” مريم الرميثي ” ، رواية ” قاب قوسين من الياسمين ” ل ” محمد ناجي عبدالله ” ، قصيدة ” حنانيك يازهرة الياسمين ” ل ” خالد الطبلاوي ” ، والأمثلة كثيرة جدا ، والغرض منها تناص العنوان الذي هو ليس موضوع دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة .

& – تقديم الديوان :

المقدمة اضطلعت بهمة تواصلية ، أسهمت في فتح بعض نوافذ النصوص للقارئ ، من أجل الولوج إليها ، وأتاحت للقارئ إمكانية واسعة في فهم النصوص ، ومن ذلك التعريف بالعمل الشعري ، وبيان المجال المعرفي له ، والمواضيع في أبعادها وحدودها ، ووصف دينامية النصوص ( والذرائع / الدوافع إلى الكتابة ) . يقول ” عبدالعزيز أمزيان ” : ” وأنت تغوص في بحر ديوان ” روح الياسمين ” للشاعر حسن السوسي ، كي تستخرج الدرر الكامنة في أعماقه ، وتستقطر الرحيق المصفى من ينبوعه ، تباغتك النسائم العليلة المنعشة ، من هذه الطبيعة التي تورق في أرجائه ، كطفولة تلاحق الزمن في امتداده الواخز ، وتعانق تيه العمر في منعطفات بياضه الواهن . تلفك أطياف الحياة في ضوئها الملون بغبش داكن كثيف ، كنقطة تتلاقى أشعتها في خط قائم ، تكسر نغمته الحلم بشوكة الشهوة ، وتلوى سحر الأمل بإبرة اللذة ….( المرجع (2 ) نفسه ) .

& – إهداء ديوان ” روح الياسمين بطعم ثقافة الاعتذار :

ثقافة الاعتذار يعتبرها البعض دليل على الانكسار والهزيمة ، فكل الذين يرفضون الاعتذار يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية لا تخطئ ، وإن أخطأت فهي سامية لا تعتذر . الاعتذار ليس دليل ضعف ، بل ترجمة شعور نفسي شجاع ، وفي بعض المجتمعات يعتبر الاعتذار جزءا من مقوماتها وثقافتها الفكرية ، فيربون عليها أطفالهم ، لدرجة أن يصفحون عن المخطئ ، ويخففون العقوبة عن المجرم بالاعتذار . الاعتذار في الإهداء ليس كلمة قيلت في زحمة الحديث أو تبرير للخطإ ، بل تقافة وسلوك أراد الشاعر أن يصل صداه إلى القارئ كعلم وثقافة كبيرين تحتاجها مجتمعاتنا العربية . يقول حسن السوسي في إهداء ديوانه : ” إلى زوجتي رقية ، إلى أبنائي سميح ، سليم ، شادي ونزار الدين الذين تحملوا الغربة عن الوطن وغربتي الخاصة ، في الزمان والمكان ، أهدي هذه المجموعة من النصوص .
لكم حبي ، وإليكم اعتذاري عن كل ما تسببت فيه من معاناة إضافية لكم ، حقيقة ، ولو دون قصد . ” ( المرجع (2 ) نفسه .) .

& – في الغلاف :

تحمل الواجهة الأولى لغلاف الديوان لوحة لأزهار مختلفة الألوان . يدرس علم نفس الألوان الألوان كمقر لسلوك الإنسان ، أي دراسة الأشكال لتحديد السلوك البشري ، من حيث يؤثر اللون على التصورات والفاعلية النفسية لذلك تختار لبعض الأدوية ألونا ، منها الحبوب البرتقالية والحمراء للتنيه ، إلا أنه تأثير الألوان في الأشخاص يختلف من واحد إلى ٱخر . و الألوان محملة برموز ودلالات كثيرة .
وتحمل الواجعة الخلفية الثانية شهادة للشاعرة المغربية ” مليكة الجباري ” ، تقول فيها : ” للياسمين روح تحرر فيه الشاعر من قيود السياسة ليضيء عوالمنا بلغة مجازية . أحيانا فيها الزمن ، وأشعل في دواخلها الحياة ، ليهديها باقة شعر وإكليل عطر .
فحسن السوسي شاعر كتب منذ نعومة أظافره شعرا ، ومقالات سياسية …بقي على العهد ولم يحد عن قيمه ولغته ، رغم المدة التي قضاها في الغربة بلندن وباريس . عرف كصحفي إعلامي محنك ، ومحلل سياسي فطحل . دافع عن قضايا وطنه باستماتة نادرة ، في العديد من المقالات السياسية التي نشرت له في صحف ومجلات عربية ، وطنية وأجنبية .
إنه من قال :

أذاع سر الحياة
منذ أنفاسه الأولى
صرخ في وجه الديجور
قبل انكشاف معالم الوهن
في رحلة العمر
ما فتئ يتولى
ظل يصرخ في وجه الظلمة
ظل يبكي
عنجرية ناكسي أعلام التحدي ”

======== √√√√ المدخل اللساني √√√ ====================

اللغة هي نشاط يمارس ضمن سياق متعدد الأبعاد ، فخطابها يخترق كل العلوم الإنسانية فلا يمثل نظرية بعينها ، بقدر ما يمثل نقط لقاء لمجموعة من التيارات تشترك في بعض الأفكار الأساسية والرئيسية . الخطاب يجمع مجموعة من المقاربات تشترك عند معالجتها للقضايا اللغوية . فالخطاب الشعري هو إنجاز منفتح على الزمان المكان ، ويقتضي لقيامه شروطا أهمها ، النص الشعري والمتلقي ، وله كيانات يقوم عليها لسانيا أي الأصوات والمفردات والتراكيب والدلالة والتداول . فندرك أن حرية الفرد الشاعر تتجلى في استخدامه أنساقا كثيرة للتعبير عن فكره الشخصي ، المنطلق من الذات والواقع ، والمتجه نحو الخيال للعودة من جديد إلى الواقع الجمعي . أي مولود لغوي يمكن أن نسميه لغة جديدة .

1 – بعض ملامح الخطاب الشعري الأنا بوصفها أنا أخرى / بعض نصوص ديوان ” روح الياسمين ” :

يهتم معضم الدارسين باللفظ ( التلفظ ) ، أي دراسة الآثار التي تشير إلى عنصر الذاتية بما فيها الضمائر ( ضمائر الشخص ) والعلامات الدالة على الزمان والمكان التي تظهر وتبرز الكيفية التي بها عملية صناعة اللفظ وقدرته على الوصول والتأثير في المتلقي . يقول ” حسن السوسي ” في قصيدته التي عنوانها ” عقل الجنون ” ”

قيس عاقل ،
لا مجنون سواي .
ليلى تقفو أثر العشق
توقد جدوته في الأعماق
كلمات ترياقها ،
وطقوس الوجد
بها تندمل كل السريرة
لا مجنون سواي .
أسامر ليلي طلاسم
بوح ليس مثل البوح
أفك شفرة الصمت
أقرأ اللاحرف المنقوشة
على شغاف قلب الذكرى
أعيد الكتابة
تلو أختها
صبحي وأصيلي
لا مجنون سواي
لا عقل
يدلني على جنوني
فكيف أدرك جنوني كنه الجنون
وكيف أزعم يتم جنوني
وأن لا مجنون سواي
ليلى عقل اللواعج
وقيس سادر في لجنة عقل الجنون …

المتأمل جيدا لقصيدة ” عقل الجنون ” سيجدها متعمقة في الذات من خلال الضمائر الشخصية سواء منها التي ارتبطت بالاسم أو الفعل في زمنه المضارع ، ياء المتكلم في (( سواي مكررة ( ثلاث مراث ) – ليلي – صبحي – أصيلي – جنوني ( مكررة ثلاث مراث )) ، و ياء المتكلم المرتبطة بالفعل المضارع مع نون الوقاية ( يدلني ) ومع الفعل في المضارع / المتكلم ( أسامر – أفك – أقرأ – أعيد – أزعم – ) .فالضمير الشخصي تكرر في النص خمشة عشر مرة متجاوزا الأطر الشعرية التي وعددها أربعة وعشرون . يتبين بجلاء طبيعة اللفظ في خطاب الملفوظ الشعري عند ” حسن السوسي ” والذي أجرأة للغة في الاستعمال من خلال الفعل الفردي ، وهو الحدث الذي بمقتضاه تتحصل الأدلة التداولية والتي تضطلع بها الذات الناطقة في ظروف زمانية ومكانية خاصة ، وبهذا تصبح عنده ” حسن السوسي ” كلمة خطاب تسوي رمزية اللفظ . يقول ” ديبوا ” : ” المرجعية هي الوظيفة التي يتمكن من خلالها الدليل اللغوي من الرجوع إلى موضوع في عال غير لغوي ، واقعا كان أم خيالا …” ( 9 ) . والمرجعية المقصود بها الضمائر فضاء البياض المصاحب للنصوص وكلاهما لهما معان في الخطاب الشعري .
الأحكام المنطقية التي تتجلى في الخطاب الشعري من خلال اللفظ عند الشاعر ، يمكن حصرها بين الممكن ، وغير الممكن ، والضروري ، وهي أحكام ترتبط بالحقيقة ، وعليها تقوم الموضوعية والمنطقية التي تمتاز بها ملفوظات الشاعر . فأحكام الألفاظ ترتبط بذاتية المتكلم ، لكن في علاقته بطرف آخر المتلقي ، وهذه الأحكام يطلق عليها ” بينفيست ” ( الوظائف التركيبية الكبرى ) ، ويتضح ذلك من الحالية الاستنكارية الاستفهامية ( فكيف أدرك جنوني / وكيف أزعم يتم جنوني ) ، والإثبات ( لا مجنون سواي ( مع تكرارها ) ) ، والنفي ب ” لا ” الذي تكرر بدوره . تتحول أحكام الألفاظ إلى أفعال ذات امتداد اجتماعي لأن اللغة عبارة عن شكل خاص في استخدام اللفظ .

2 – استراتجية الخطاب الحجاجي الشعري التداولي ( الأنا بوصفها ” أنا ” أخرى ) .

المتتبع لكتابات ” المتوكل ” سيلاحظ بوضوح أنه يهدف إلى تأسيس ” نحو وظيفي للغة ” ، أي إمكانيته رصد استراتجية خطاب كل القضايا المتعلقة بهذه اللغة ، وهو مشروع يقوم على بلسانيات اللغة في كل مستوياتها ، هذا منطلقنا ونحن نغوص في نص آخر من نصوص ديوان ” روح الياسمين ” ، يقول الشاعرة في نص ” وتنصهر اللحظات في اللحظات ” :

وميض عينيك
يسرق لبي
يسرح في فضاءات
العشق
وأظل أرشف الرضاب
ولا أرتوي
من المعين الزلال
يغور الجرح
العطش
وأرقب المزيد
فهل غيض النبع
وجف النهر ؟
ليالي الزنزانة تنوء
بثقلها إلى
الذكرى – الحضور
فأنطلق
مع وقع النسيم
أختلس الصمت ،
السكون ، الهدوء
وأمد الجسر عبر الشوارع
الفقيرة
العزلاء
وأنقر على نافذتك
بخفة أطرقها
ثم أهمس في الأذن
أناجي القلب
أسكن لواعجي في
خفوت :
سنهزم المسافة
نوقد الشموع
نغني ،
ونغرق
في الحديث – الصمت – العناق
ولا ترتوي من الرحيق
من الرضاب
ليالي الزنزانة
تنوء بثقلها
على الحلم

من المعلوم أن الخطاب أعم من الجملة ، في حين تكون الجملة وحدة أساسية ، كما أن العلامة وحدة الجملة ، والجملة ليست في حد ذاتها علامة ، فالخطاب ليس جملة أيضا ، فهو وعاء يستوعب الجمل ويتضمنها بحسب إجراءات علم الدلالة الذي يبحث في البناء التركيبي للجمل ، فمنه ( البناء التركيبي ) سنبدأ غوصنا للوصول إلى استراتجية الخطاب الحجاجي التداولي في نص ( وتنصهر اللحظات في اللحظات ) .
لقد تمكن الشاعر من إعطاء وظيفتين ل ” وظيفة الفاعل ” في نصه ، باعتبارهما تحددان وظيفيا مستوى المنظور المطلق منه لتحديد الواقعة التي يدل عليها المحمول . فالوظيفة التركيبية للفاعل تستند إلى حدودها الحاملة للوظائف الدلالية ( المنفد والمتقبل ) و ( المستقبل والمكان ) و ( المتموضع والحائل ) ( النوع الأول : يسرق (هو ) لبي / يسرح (هو ) النوع الثاني : / أظل ( أنا ) / أرتوي ( أنا ) / أرقب ( أنا ) / أنطلق ( أنا ) / أختلس ( أنا ) / أمد ( أنا )….. /النوع الثالث : نغني ( نحن ) / نغرق ( نحن ) ….. / النوع الرابع : يغور الجرح / جف النهر .. ) .
أما وظيفة المفعول فتستند إلى حد المتلقي للنص الشعري ثم أحد الحدود الحاملة للوظائف الدلالية ( المكان / الزنزانة ) و ( الزمان / لحظة من اللحظات ) و ( الحدث / ذكرى الاعتقال ) . كل هذه الأمثلة التي استخرجناها من النص ستساعدنا في فهم استراتجية الخطاب الجاجي عند الشاعر . بالنسبة للخطاب الحجاجي فتكمن في أنها تدخل في آراء وبنية اللغة عند المتكلم / الشاعر ، يحاول الانطلاق من التمركز حول الذات لإقناع المتلقي والتي تتجلى في الصيغ اللغوية التالية : ( فهل غيض النبع وجف النهر ؟ / سنهزم المسافة ) ، هو منطق التسلسلات الحجاجية المرتبطة بالبنية اللغوية المتضمنة لقولب عديدة : ( القالب المعرفي ، القالب الاجتماعي ، القالب النحوي ، القالب المنطقي ، القالب الإدراكي ثم القالب الشعري ) . إن كل شاعر حين يبلغ رسالة ما ، قد يزدوج في خطابه الإظهار والإضمار ، اللذان يؤولان تأويلات مختلفة حسب السياق الذي يعد نقطة البداية لتحديد استراتجية الخطاب بكل أنواعه متماشيا مع الدرس التداولي الذي يتجاوز المعاني المباشرة للخطاب إلى المعاني الغير مباشرة وحسب ما تسعفنا ملكتنا في التأويل الذي يتأسس في سياق التلقي . يقول ” عبدالقادر عواد ” : …فكل قول شعري تخييلي ينجز قولا متضمنا في القول ، تتجاوز دلالته الملفوظ ذاته ، وترتكز على مواضعات مضمرة خاصة ، وعلى عقد واقع بين الكاتب والقارئ ، إنها طريقة مخصوصة في اللعب مع العلامة …” . ( 10 ) .

3 – خطاب شعرية الهوية ( الأنا بوصفها ” أنا ” أخرى في نص ” وتنصهر اللحظات في اللحظات ” .

نواصل الغوص في أعماق قصيدة ” وتنصهر اللحظات في اللحظات ” ، مقطع آخر منها :

وكل صباح
نستقبل الأمل المتوحش
نلامس الأفق
نستقبل الحزن المفعم بالأمل
وتنصهر اللحظات
في اللحظات
وأنت على يد المسافة
تختزلين الساعات
الأيام
تكثفين الآمال
باقة يانعة
في مزهرية بلورية
ليوم الفرحة
الصغيرة
وحرارة الأحضان
الموغلة في الجنون
الزنزانة 28 / 1981

خطاب الهوية في النص الشعري الذي بين أيدينا ، هو بناء نظري متحرك غير خاضع للثبات ، لأن التوظيف السياسي الموجه لمفهوم الهوية أداة في يد الدولة التي تضفي عليه صفة الثبات عبر عملياتها المستمرة من التطبيع الاجتماعي ، وتوضفها ( الهوية ) لأهداف أيديولوجية . والمقصود بالنظري المتحرك في الخطاب ، أي يشتبك فيه التجريد النظري بالممارسة التاريخية في إطار توجه اجتماعي أو سياسي أو ثقافة جماعة أو مجتمع وهذا هو مجال غوصنا في هذا المحور وليس صفة الثبات .
الأنا بوفها أنا الآخر ( نستقبل ( نحن ) مكررة مرتين / نلامس ( نحن ) // تختزلين ( أنت = الآخر ” أنا ” / تكثفين ( أنت ) الآخر ” أنا ” / أنت ” أنا ” . يتضح لنا بجلاء خطاب الهوية في النص الشعري على مستويات عديدة ، منها المستوى النفسي : إذ تعد الأنا في النص تلك الشخصية التي نعرفها عن أنفسنا ، لها ميول وعواطف متصلة بالواقع اتصالا مباشرا ، لها نزوع أخلاقي يحافظ على القيم ويراعي التقاليد . الأنا تسطيع أن توقف بشكل كامل اللاشعور من تأثيره على الشعور ، كما أنها لا تدرك الدلالة الصحيحة لكل الدوافع . على مستوى خطاب الهوية ( اللغة الشعرية ) تتضح في قدرة الشاعر على توضيف الأنا بوفصها ” أنا ” أخرى ، تشاركه نفس الخطاب ( أنت( المؤنث ) ونحن ( مذكر ومؤنث ) ، أي الآخر الموجود خارج الأنا على مستوى التعبير الذي وضحته في الضميرين ، ولم يستعمل الشاعر ضمير ( هو) الذي اشتقت منه الهوية الخاضعة للثبات إلا مرة واحدة ( يمكن الغوص فيه في مدخل ذرائعي آخر : الاحتمالات المتحركة في المضمون ) .
خطاب الهوية الشعرية يتخطى الفضاء الأدبي إلى البحث في شعرية الأشياء ( الياسمين ) ، وشعرية الصورات الذهنية ( روح ) / الكلمتان عنوان لديوان حسن السوسي ( روح الياسمين ) . الديوان هو نوع خاص من الإنتاج الثقافي ، أي أنها متخيل له شعريته المنطلقة من الواقع . وله تجليات مختلفة ومعان قادرة على حمل ثقافة الحوار المتعدد ، وله القدرة على اختراق عدد كبير من المفاهيم السياسية والأيديولوجية ، ومجاله الحياة الاجتماعية المدرجة في المكان وفي الزمان ، حيث ” يقوم الشخص الفاعل تلقائيا بتقسيم حياته إلى حياتين أساسيتين متجاورتين : حياة العلاقات الأساسية الأولية بمعنى البيئة الضيقة للأسرة وللجماعة ( السياسية أو الثقافية ….) التي يحتفظ ذاخلها بنماذجه الفكرية …أما الحياة الثانية ، فهي حياة العمل حيث يتبنى الفرد نماذج المجتمع وسلوكياته التي بنوي الانذماج داخلها ….” ( 11)

=================== خاتمة ============================

يقدم كل شاعر رؤيته للواقع بطرق أكثر تأثيرا وإمتاعا ، ويمر الكثير من هؤلاء بتجارب قاسية مريرة يعانونها لحظات ” الإنتاج ” الشعري ، فهم يدركون قيمة العمل الشعري الفني والاجتماعي ، لذلك يقال : ” قول الشعر أشد من قضم الحجارة على من يعلمه ” ، فتتوضح مسؤولية المتلقي التي ينبغي أن يكون جنبا إلى جنب مع مسؤولية المبدع ، فالشاعر لا يكتب لنفسه وإنما لهم أيضا . ولعل من أبرز ما ينبغي أن يدركه المتلقي هو وعيه بأهمته المتنامية وفق التحولات التي طرأت للشعر وللنقد المتغذي من المدارس اللغوية . وهذه الأهمية تفرض عليه الوعي بالمهمة الملقاة على عاتقه تجاه النص ، خاصة وأن المتلقي لم يعد قارئا ومستهلاكا ، بل تجبره بعض النصوص على أن يكون له تأثير في النص مثلما للنص تأثير فيه ، فبعص النصوص قد تكون العلاقة بينها وبين المتلقي علاقة تبادلية ( من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص ) ، وهنا تمشي جنبا إلى جنب شعرية التلقي وشعرية الإبداع ، فيبرز دور الناقد لكي يملأ فراغات النصوص على ضوء نظرية نقدية حذرة من السقوط في الانطباعية السطحية التي لاتدرك أبعاد النص ولا تستثمر إشاراته ورموزه ، أو السقوط في تأويل متكلف يغتال النص ويرحم على جنازته .

تحياتي واحترامي / بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

===================================================================

1 – بوحوش رابح / الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلم النص / مجلة اللغة والأدب ( متلقي النص ) / العدد 12 / ديسمبر 1975 / الصفحة : 156
2 – ديوان ( روح الياسمين ) / حسن السوسي
3 – خولة الطالب الإبراهيمي : عن التداولية / محاضرة ألقتها بمعهد اللغة العربية وآدابها جامعة الجزائر ، في ندوة الأستاذ ” فيفري ” 1989
4 – مقالة للإعلامي والناقد مجدالدين سعودي / حول ديوان ( روح الياسمين ) لحسن السوسي
5 – لبخير عمر / الخطاب تمثيل للعام ، مدخل إلى دراسة بعض الظواهر التداولية في اللغة العربية ( الخطاب المسرحي نموذجا ) / رسالة ماجستير 1997
6 – معجم المعاني
7 – معجم الوسيط
8 – المرأة واللغة / عبدالله الغدامي / الطبعة 3 / 2006 / الصفحة : 93
9 – التداوليات علم استعمال اللغة / حافظ اسماعيلي / عالم الكتب الحديث / الأردن الطبعة 1 / 2011 / الصفحة 215 .
10 – آليات التداولية في تحليل الخطاب الخطاب الأدبي أنموذجا / عبدالقادر عواد / البيان الكويتية / العدد 490 / 1 مايو 2011
11 – ليتش فنسنت / النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينات إلى الثمانينيات / ترجمة محمد يحيى / المشروع القومي للترجمة 181 / منشورات المجلس الأعلى للثقافة / القاهرة 2000 / الصفحة 411

Image may contain: plant and outdoor
Image may contain: 1 person, outdoor and closeup

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى