قصة

خطة بعيدة المدى

طارق الصاوى خلف

حاصرھا بعنفوان الحب المندفع كالسيل مذ شن عليھا غارته الأولى بنظرات لم يرمش له جفن خلال تصويبھا لتخترق ساحل عينيھا و تستقر – حسب توهمه – بجدار قلبھا.
توالت ايام أظھرت فيھا التحدي، الامتعاض قبل أن تنسدل أھدابھا على عينيھا لتصد زوارقه المتسللة عن الإبحار إلى مبتغاھا، و مع تفتح زھور الربيع انفرجت شفتاھا عن ابتسامة. عانقت فرحة تكسو وجھه كلما تھادت على رصيف المحطة تنتظر عربة تقف أمام شباك التذاكر… يصعد فى اثرها يقف خلفھا دون أن يمسھا كحائط فولاذ يبعد عنھا الأجساد المتدافعة، الأيادي العابسة… يسلمھا لفتى يتمظهر بنظارة سوداء … يشير له، ينتفض – احتراما – يترك لها مقعده.
يتبخر من أمامھا، يمنحھا فسحة من الزمن تقلب الأمر تختبر مشاعرها تجاهه حتى إذا رأته أومأت بالتحية.
بعد أسابيع انفكت عقدة لسانها، ألقت عليه السلام … أجابھا من أرنبة أنفه خشية أن يقع في خطيئة قيس، لم يستطع مداراة تقافز طيور الشوق على محياه لحظة شروق شمس ليلى فأضحى أضحوكة العرب.
يريدھا و سيجبرھا – حسب خطته – أن تخضع لمشيئته … تصرخ فيه… أحبك أيھا الجبل. بيد أنھا غابت عن عينيه شهورا … خالها تمارس اللعب معه.
لم يبال بفتى يشاطره مشاغلتها يخطب وده بالسلام، الابتسام … أحيانا عندما يلتقيان يصطدم به ليستخرج منه كلمة . اقنعه قرينه الخناس بتجاھل الفتى و الترفع عن سؤاله عنھا: فمن يكون – الصبي – ليتنازل و يستفسر منه عن سر تواريها عن ناظريه؟
إنه لھا كالجاذبية الأرضية للبشر سوف ترتد مھما علت أو نأت إليه.
لم تمر إلا شھور حتى تحقق ما توقعه وھو عائد مجھد من العمل يغالبه النعاس في قطار الليل الأخير… وكأن القمر توھج ببرق أخذ نن عينيه وھى شاخصة أمامه… تمد بشوق كفھا … تجمد من الذهول … وھي تقول له بدلال: إنت فين؟ … وحشتني يا راجل !!
تهيجت غدده التى تفرز العرق، شعر بدوار، تمتم بكلمات لم تفھمھا، وضع يده بجيب بنطاله يثبته خشية أن تسقطه المفاجأة، فر لعربة أخرى من القطار اصطدم بالشاب ظلھا، ابتلع ريقه،
نزل في أول محطة سكنت فيھا محركات القطار، ذھب روعه و هدأ السعال .
قال لنفسه حاسما امرهما :
سأتركھا تتعذب – ربما – حتى الربيع القادم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى