قصة

جريمة في المدينة

عروبة شنكان

لم يساورها أدنى شك بأن الرحلة ستكون تعيسة، حالما نزلت من الحافلة تقدم إليها شخص يتفقد ملامحها
كأنه يريد التأكد من شيء ما.استدارت لحمل حقيبتها، واستقلت تكسي إلى الفندق، كان كل شيء كئيب
رغم سطوع الشمس وغناء العصافير فوق لبلاب الأرصفة العتيقة المطلية بالأبيض، وصلت إلى حيث
القدر شاء لها أن تكون، نزلت من السيارة لتشعر بريبة كبيرة تدخل قلبها، دخلت بهو الفندق كان فسيحاً
للغاية، وكانت حركة الاستقبال دؤوبة، أنهت إجراءات الحجز وقدم لها موظف الاستقبال المفتاح، وحمل
حقيبتها، ليصعدا إلى الطابق الثالث ـ كانت متوسطة الحجم بإطلالة على مسبح الفندق، ما إن أنهت
حمامها وتبديل ملابسها حتى نزلت إلى كافتريا الفندق لشرب القهوة، تقدم منها وهو يحمل جريدة طالباً
منها الصعود إلى الأعلى من جديد، استغربت طلبه وأنهت قهوتها مسرعة لتصعد إلى أعلى وهي متوترة
إنه محامي العائلة وكانت اتفقت معه على أن تراه في المدينة، لتصفية بعض الأمور بعد وفاة والدها..
ما إن وصلا إلى المصعد حتى فاجأهما شخص طويل عريض المنكبين، وطلب منه أن يصعد معه تسمرت
مكانها، وأطبقت الدنيا. ماهي إلا لحظات حتى دخل البهو شخصان تشابها في الطول والملامح وطلبا منها
التقدم نحوهما، تلعثمت الكلمات بين شفتيها وحاولت الهروب من تجاوز اسلوبهماـ نظرت بإيماءة توحي
برغبتها بالابتعادـ حاول أحدهما إيقاعها وعرقلة حركتها ـ بأن وضع أمامها كرسياً كان بجانبه، وهي تهم
بالركض بعيداً، ليفاجأ بها وهي تقفز عالياً فوق الكرسي طاويةً مسافة لابأس بها من الابتعاد ـ كان كل شيء
سريعاً ـ داهم رجلٌ الشخصين ـ وأوصلها إلى غرفتها بحذر وتأن ـ طالباً منها الهدوء ـ نظرت إليه دامعة
تسأل عن صديقها الذي ذهب ولم يعد ـ لكنه لم ينبس ببنت شفه..اِقتربت منه تحاول تفسير نظراته عكس
مافهمت ـ لقد رحل صديقها..وابتعد عنها بكل تأن على أمل أن يلتقي بها في قاعة الفندق..
كانت قد بدأت استعادة هدوءها وهي تنظر إلى المرآة تتفقد ملامح وجهها الباكي وعينيها اللتين غرقتا في
الدموع، توجهت إلى حمام الغرفة وبالغت في غسل وجهها، بدلت ملابسها وتوجهت إلى قاعة الفندق
كان الضباب أعالي الجبال وكان كل شيء غامض في الفندق، اختفى المحامي، وامتلأت الصالة بالعديد من
الوجوه، وجهه لم يكن حاضراً، أخفاه الضباب. اختفت ملامحه هل غادر أم قُتل، أم أنه على وشك الوصول
أو أنها على وشك ان تغادر، ويتبدد الضباب، وتتبدد مخاوفها، ماهي إلا لحظات حتى صادفتهما أولئك
اللذين حاولا الاستيلاء على مفكرتها، ومحو وجودها، حاولت التجلد، وعبثاً أرادت الهروب من أمامهما
وعبثاً حاولت اِستعادة صورة صديقها التي بدد معالمها الضباب!أدمعت وسط الحضور من جديد لتفاجأ
بمنقذها يتقدم نحوها، قرأت ملامح العزاء في عينيه ليدمعا سوية ـ هي لاتعلم أي انتماء قاد به، ولا أي
انتماء أودى به، هي تعلم بأنه كان محامياً يبحث عن وجهٍ مختلفٍ في صيغة قانونية، بينما كان شبح الحرب
يقترب من سماء وطنها..اِختصرت الحديث بهاتين العبارتين، كان محققاً بارِعاً فهم بأنها أنثى تريد أن تعيش
وفهم بأن قدومها استدراجٌ لإرضاء تطلعاتها..وفهم بأنها تبحث عنه وأفهمها بأنها لن تراه ثانية، غيبته سلسلة
من التكهنات، وعليها معايشة الواقع أو تبديد طاقتها في الجري وراء معالم الجريمة التي اختصرها لها في
نظرات..صعدت إلى غرفتها بشيئ من تثاقل، بينما خيم صمت مُطبق على البهو الطويل ذو السقف العالي
دخلت غرفتها وهي متعبة من أحداث مفاجئة، أزاحت ستائر باب الشرفة لتخرج تستنشق اكسجين الجبل
كانت رائحة الصنوبر تتسل عبر الضباب معطرة أرجاء شرفات الفندق، وكانت مسيرة جنائزية تتوسد
السُحب الداكنة، تبعتها بعينيها دون أي قدرة على التفكير واستسلمت لِإغفاءة رمادية حتى فجر اليوم الثاني.
الصبح في المدينة لاذوردي، رغم ضبابية الجبال والأوضاع، ومحاولات الاغتيال والموت بصمت بين
ردهات الفنادق، كان هناك بارقة ً من أمل، بأن الآتي أحلى

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى