قصة

جدتي

عروبة شنكان

كم كانت تتحفني بطقوس إعداد كأس الشاي عند كل مساء، جدتي السبعينية التي كانت تعشق شرب الشاي إلى جانب نافذتها المعتقة بحكاياتها الجميلة، التي كانت تذخر بالأساطير، والآمال الوردية، التي توزعها على أحفادها بالتساوي مع عريشات الياسمين المتسلقة جدران واحاتنا وأحلامنا عندما كنا صغاراً.
استيقظت ذات ربيعٍ، على حلم حكايتها كما كل ليلة، ذهبت إلى مجلسها الدافئ، لم تكن فيها كعادتها الصباحية كانت عريشات الياسيمن هادئة ذابلة!وموقدها ينتظر أناملها الغضة لتشعله وتبدأ بحفلات الشاي المعهودة للجيران والأحباب والسمار، دخلت إلى غرفتها التي كانت مليئة بروائح عطرية كانت تعشقها نظرت إلى سريرها فإذا به يفتقدها مثلي، تلفت حولي لم أجد من يشاركني القلق سوى أشياءها الثمينة التي كانت تنتظر أناملها، قبلت ثوبها الذي كان يحمل رائحتها، وبعضاً من عقود ياسمين حضنتها بيدي.لقد غادرتنا جدتي !
لم يعد لوجودها مكان!سوى قلوبنا وعريشات الياسمين الغافية على جدران غرفتها.غادرتنا لتسكن عبق الضحكات وأصيص الورد البلدي، غادرتنا لتحتل مآقينا، وتنبض بذكرها الحكايات قاهرةً كل وجع شعرنا به عندما كبرنا!
أغلقت نوافذ غرفتها، وستائرها الحريرية، وعدت أدراجي إلى مجلسها الذي مايزال يفتقدها عشرون عاماً، ومازلت كلما اكبر أحن إلى ياسمينها، وابتساماتها الحنونة.
كبرت ومازلت بين أروقة الدار العتيقة أفتش عن جدتي، وأحن إلى شرب كأس من الشاي برفقتها ورأسي يتوسد حضنها الدافئ، كبرت ومعي كبرت مساحات الدمع التي عجزت عن مغالبتها..
كبرت لأجد مد جذوري كم هو راسخ في أعماقي، منحني الاعتزاز والأمان، منحني عنفوان الانتماء لقد كانت جدتي اكثر من حضن أنشأ أحفاداً، وأجيالاً حملت اوسمةً وحلقت في مدارات الأرض تيهاً..
جدتي كانت إحدى حكايات الأمل التي عمدت دارها تضحيات، حتى ضجت الأرض بخطواتنا، جدتي تلك العجوز التي حدثتنا عن ماضي أوطاننا في قوالب حكائية ممتعة.. جدتي تلك السنديانة التي كلما خط الدهر في رأسنا شيباً، اعتلى فرعها..واعتلينا بها!..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى