دراسات و مقالات

تطور الكتابة العربيّة محاضرة اختصاصية للباحث (حيدر حيدر)

03:52:04 pm

إنني أرى أنَ هذا الموضوع(تطوّر الكتابة العربيّة)يتفرع إلى ثلاث محاضرات رئيسة هي:أـ نشأة الكتابة العربية وتطوّرها، وقلم الجزم وتطوّر الخط العربي،وهو موضوع محاضرتنا لهذا اليوم.
ج ـ رسم المصحف الشريف.
د ـ الخط العربي،أنواعه وجماله.
وإن عانني الله عز وجلّ، سوف أحاضر على منبركم،بهذه الموضوعات ،حتى
يتاح لحضراتكم تكوين فكرة عامة وشاملة عن تطوّر الكتابة العربيّة.والله خير معين.
((الأبجديات العربية وتفرعها وانتشارها))
تعدّ الكتابة من أهمّ إبداعات الإنسان في منطقة الشرق الأدنى القديم،لأنّها الوسيلة
الأساسيّة للتعبير المباشر،والأداة الفعالة لنقل المعارف للأجيال اللاحقة.
واختراع الكتابة من الاختراعات الكبرى التي غيرت مجرى البشر،وهو اختراع لاتقل أهميته عن أعظم الاختراعات والاكتشافات والمغامرات التي قام بها الإنسان منذ يومه الأول حتى هذا اليوم.
ولعلنا لانخطىء إذا قلت أنّ الإنسان قد فكر في الكتابة منذ أيامه الأولى،أي منذ شعر بنفسه،وأخذ يعبر عما في ذاته،لأنه كان في حاجة إلى تسجيل أعماله ومعاملاته وكلامه،كما فكر في تسجيل حوادثه وشعوره وتأثره بالمرئيات الجميلة والمحزنة،وبالخواطر التي كانت تمرّ عليه،وبكل أحاسيسه وعواطفه.فعمد إلى الطرق البدائية في التدوين،ثم طورها تدريجياً حتى وصل إلى الأبجدية(الألفبائيّة).
ولكن قبل كلّ شيء دعونا نتفق كما اتفق بعض الباحثين على بعض المصطلحات:
1 ـ اللغة , وهي التي تحدث بها الناس منذ مئات الآلاف من السنين.
2 ـ الكتابة, وجدت بأشكالٍ مختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ.
3 ـ الأبجدية, أي ترتيب الحروف لاستخدامها في الكلمات, وفق أسس معينة, والتي تدل الأبحاث الأثرية أن (أوغاريت) هي التي اخترعتها في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.وهذا الرأي غير ثابت ..كما سوف نرى لاحقاً.
وإن كنا نحبذ القول دائماً (أقدم أبجدية حتى الآن) فهذا لأن محاولات أخرى في اختراع الأبجدية, وجدت في تلك الفترة, وخاصة ً في (مصر) لكن الأبحاث – حتى الآن – لم تعط دليلا ًعلى وجود أبجدية, لكنها يمكن أن تعطي, وكما كان العالم يقر بأبجدية (جبيل) الأولى, قبل اكتشاف (أوغاريت) فإنه عند وجود أدلةٍ مادية على أن أية دولةٍ أو حضارةٍ قد اخترعت الأبجدية في وقت يسبق (أوغاريت) سيصحح التاريخ ثانيةً وهذه هي الميزة الجميلة للعلم بعيداً عن أية تعصبات إقليمية.
و ربما كانت الأبجدية alphabet أعظم إنجاز حضاري عرفته البشرية في تاريخها القديم على صعيد الكتابة. ويُمثِّل هذا الإنجاز الحلقة الأخيرة لسلسلة من محاولات الكتابة التي بدأت بالتصويرية، أي برسم رموز ماديّة مرئيّة تمثل المسمّيات أو الأحداث والتصوّرات، على ما انتهى إليه الباحثون في آثار بلاد الرافدين ومصر. تَلَت ذلك مرحلة الكتابة المقطعية(المسمارية) غدت مسماريّة مقطعيّة في بلاد الرافدين،بعد منتصف الألف الثالث ق.م،
التي تقوم فيها علامات بأعيانها مقام مقاطع، أو تُقْصَر قِيَمُها برموزها الصوتية على الحرف الأول acrophony، وكان هذا النظام معقداً غامضاً، بيد أنه كان تمهيداً لنشأة الأبجدية.
ورغم اختلاف الباحثين عن مهد الأبجدية وعمّن اخترعها، ومن الحقائق المتَّفق عليها بين الباحثين من اللغويين أن مهد الأبجدية هو المنطقة السوريّة الفلسطينية ،التي كانت التوراة تسميّها: أرض كنعان. وبعض الباحثين المحدثين يَرْتَئي التسمية الفينيقية بديلاً من الكنعانيّة، ذلك أنّ الليديين والإيونيين يزعمون أنّ الحروف فينيقية نسبة إلى مخترعها فوانكس Phoinix ابن أجينور.
وليس عَزْوُ اختراع الأبجدية إلى الكنعانيين أو الفينيقيين موضع إجماع، إذ يرى بعض الباحثين – كشامبليون مثلاً – أن هذه الأبجدية قد اشتُقَّت من الكتابة المصريّة الهيراطيقية، اعتماداً على ما لاحظه من وجود علامات لها قيمة هجائية في الكتابة المصرية عندما عكف على تحليل الرموز الكتابية لحجر رشيد. ويرى بعض الباحثين السريان أنّ أصل هذه الأبجدية من اختراع الآراميين، وهو رأي غير دقيق لأنّ الكنعانيين أقدم وجوداً من الآراميين في هذه المنطقة من الساحل السوري الفلسطيني المسمّاة «فينيقية» أو أرض كنعان، و«أقدم الوثائق الأبجدية التي كُشفت في فينيقية هي وثائق أوغاريت المسماريّة الطابع». وثمّة رأي يذهب إلى أنّ الإيجيين في جزيرة كريت هم الذين اخترعوا الأبجدية، ثم أخذها الفينيقيون عنهم، ورأي يعزو نشأتها إلى السبئيين في اليمن. أما الرأي المرجح السائد في أوساط علماء اللغة المحدثين فهو أنّ اختراع الأبجدية إنجاز فينيقي كنعاني تمَّ بين القرنين السابع عشر والخامس عشر قبل الميلاد.
وعدد حروف هذه الأبجديّة اثنان وعشرون حرفاً هي: (أُوْلَف، بِتْ، كُوْمَلْ، دُوْلَذْ، هِيْ، واو، زاي، حِيْث، طِيْث، يُوْذ، كُوْف، لُوْمَذ، ميم، نون، سَمْكَث، عِيْ، فِيْ، صُوْدي، قُوْف، رِيْش، شين، تاو).
ورُكّب من هذه الحروف كلمات استغرقتها كلَّها هي: (أبجد، هوَّز، حطِّي، كَلَمُنْ، سعفص، قرشت). ويختلف مستخدموها من أوغاريتيين وآراميين وسُرْيان وعرب وعبريين في نطقها بعض الاختلاف، كما يختلفون في رسم أشكالها، ممّا جَعَلَ لها خطوطاً أو أقلاماً مختلفة بمرور الزمن، وبتوزّع مستخدميها في الأرض.

للموضوع متابعة جديدة بعنوان: (أول أبجدية عربيّة )
نتمنى لكم الفائدة .

أبجدية أوغاريت اعتبرت أقدم أبجدية عربيّة في التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى