دراسات و مقالات

بهجات مارقة الشاعرة الليبية خلود الفلاح

تغريدة الشــــــــــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

حكاية مملة
الفتيات الصغيرات
يملأن الفراغ
بحكايات قديمة
عن آباء ذهبوا إلى الحرب
وأمهات يصنعن الفرح
الفتاة الصغيرة
مع الدمية الوحيدة
تتأمل بكاء الضيوف
عن آباء ذهبوا إلى الحرب.
****
من أرض لبيا التي شهدت حولات خطيرة منذ أبان الفتح الاسلامي حيث كانت ” برقة ” نقطة انطلاقة نحو حياة جديدة حتي ملحمة عمر المختار الذي لقن الاستعمار درسا في الوطنية و من ثم تمخضت الحركة الثقافية و الادبية في خطوط متباينة رصدت لنا أحاسيس الانسان الليبي الفنان و الأديب فلاهما سطروا ملامح المجتمع الجديد في شتي المجالات مع روح المدنية مع الحفاظ علي الطقوس التراثية فجاء الشعر مرآة الواقع بين الحلم الذي يرسم من خلاله الشاعر وجه الجمال و تأتي المرأة اللبية ركنا اساسيا في معادلة النهضة الحديثة تعبر لنا عن طموحاتها المختلفة !!
و ها نحن نتوقف في هذه التغريدة مع الشاعرة ” خلود الفلاح ”
و لدت الشاعرة و الصحفية ” خلود الفلاح ” بليبيا وتعيش في بنغازي ، تعمل محررة ثقافية في جريدة “العرب”.
من دواوينها الشعرية :
= ديوان ” بهجات مارقة ” عن مركز الحضارة العربية القاهرة عام 2004 م
= وديوان ينتظرونك عن مجلس الثقافة العام ليبيا عام 2006 م
= و ديوان “نساء” عبر مجلة المستقل بالعاصمة المصرية القاهرة.
= “ينتظرونك”
= “نهر الليثي”.
= و طاولة عند النافذة حوارات صحفية عن منشورات مجلس الثقافة العام 2008 م
= و قد ترجمت نصوصها إلى الانجليزية والايطالية والألمانية.
و قد أصدرت الشاعرة الليبية خلود الفلاح، ديوانها الثالث الذي حمل عنوان “نساء” عبر مجلة المستقل بالعاصمة المصرية القاهرة.
وتقدم الفلاح في الديوان رؤية انثوية شعرية للحياة في قسوتها وفي مسراتها وبقصائد تبوح بتأملات وتفاصيل إنسانية عميقة أو هي قصائد تقرأها النساء كالمرايا.
حيثُ جعلت الشاعرة نصوصها تمرق بلا حدود و لا قيود تعالج قضايا تتصدر المشهد وسط زخم الأحداث ، و لا سيما مع عالم المرأة تسجل نبض البوح في نظرة شمولية عميقة و من ثم نتأمل النصوص وحدة عضوية مركبة لموضوع واحد لا انفصام فيه اختصار لتجربة ركزت و سلطت الضوء عليه كمدخل اساسي لفهم و دراسة دلالات النص المكتمل كظاهرة تؤرقها ليل نهار —-
تقول “خلود الفلاح ” في هذا النص الموشح بفصول الزمن حيث تشتهي رحلتها مع معطيات البيئة التي تجسد ظلال الصحراء المترامية بين العنب و الخبز و الجبن منطلقة تحت جمال الشتاء الذي يحول مسافات العمر المجهول الي واحة خضراء :
في الشتاء القادم
سأشتهي لك
صالة
لا تتجاهلك مقاعدها
سأشتهي لك
حائطا يواريك
سأشتهي لك
عنبا وخبزا وجبنا
سأشتهي لك
برتقالة تضئ
و عندما نتوقف مع نماذج من شعرها تطالعنا ملحمتها الرائعة بعنون ” فِي‭ ‬الخَمْسِينَ ” تختصر لنا العمر الذي نقش بين ظلال التلال عنوان الحياة مع الوحيدات في حنو لا يعرف المستحيل ذكريات تلهم الصدي المقيد مع حركة و تطور الحياة مع العشق الافتراضي المتشابك شكلا و مضمونا يعكس مناظرها بين الابيض و الاسود في تلقائية و حب و حنين فتقول خلود الفلاح مصورة لنا تعبيرات الروح التي تجمل مناطق الجسد في حضور فلسفي جمالي متدفق بالشجن الرقيق لحقيقة الأشياء في بساطة وروعة و موسيقي تناسب الكلمات بناء صوتي له رونقة السابح في وادي الالهام :

تُصْبِحِينَ‭ ‬امْرَأَةً‭ ‬أُخْرَى
تُثَرْثِرِينَ‭ ‬مَعَ‭ ‬صَدِيقَاتٍ‭ ‬وَحِيدَاتٍ
عَن‭ ‬الرُّومَاتِيزم‭ ‬الذِي‭ ‬أَتْعَبَ‭ ‬الرُّكْبَتَين،
النَّوْمِ‭ ‬المُتَقَطِّعِ،
العُشَّاقِ‭ ‬الافْتِرَاضِيّين،
وَالحُبِّ‭ ‬فِي‭ ‬أَفْلاَمِ‭ ‬الأَبْيَضِ‭ ‬وَالأَسْوَد
تُوَاصِلِينَ‭ ‬الغِنَاءَ‭:‬
“أَنَا‭ ‬عِنْدِي‭ ‬حَنِين”
تُشْبِهُكِ‭ ‬قَصَائِدُ‭ ‬آنَا‭ ‬اخْمَاتُوفَا
وَقِصَّةُ‭ ‬حَيَاتِهَا‭ ‬المُحْزِنَة
سَتَهْتَمِّينَ‭ ‬أَكْثَرَ‭ ‬بِنُعُومَةِ‭ ‬يَدَيْك
طِلاَءِ‭ ‬الأَظَافِر
خَلَطَات‭ ‬شَدِّ‭ ‬البَشْرَة
وَصَفَات‭ ‬الوَزْنِ‭ ‬المِثَالِيّ
فِي‭ ‬سِنِّ‭ ‬الخَمْسِين
تُرَاقِبِينَ
نَفْسَكِ‭ ‬كَحِكَايَةٍ‭ ‬مُمِلَّة‭.‬
‭****‬
هُنَاكَ‭ ‬أَشْيَاءُ‭ ‬لاَ‭ ‬يُمْكِنُ‭ ‬الاسْتِغْنَاءُ‭ ‬عَنْهَا
النَّبْتَةُ‭ ‬الخَضْرَاءُ‭ ‬فِي‭ ‬مَطْلَعِ‭ ‬الدَّرَج
قَصَائِدِي
سِينَاريُوهَاتُ‭ ‬صَدِيقَاتِي‭ ‬الجَدِيدَات
المُمِلَّة
الأَبَاجُورَة‭ ‬التِي‭ ‬تُنِيرُ‭ ‬لَيْلَ‭ ‬بَيْتِي
الشَّاهِدَةُ‭ ‬عَلَى‭ ‬خِلاَفَاتِنَا‭ ‬اللَّذِيذَة
صَوْتُكَ
حِينَ‭ ‬يَقُولُ‭: ‬أُحِبُّكِ‭ ‬يَا‮…‬‭.‬
‭****‬
الفَتَيَاتُ‭ ‬الصَّغِيرَاتُ
يَمْلَأْنَ‭ ‬الفَراغَ
بِحِكَايَاتٍ‭ ‬قَدِيمَة
عَنْ‭ ‬آبَاء‭ ‬ذَهَبُوا‭ ‬إِلَى‭ ‬الحَرْبِ
وَأُمَّهَاتٍ‭ ‬يَصْنَعْنَ‭ ‬الفَرَح‭.‬
الفَتَاةُ‭ ‬الصَّغِيرَةُ
بِرِفْقَةِ‭ ‬الدُّمْيَةِ‭ ‬الوَحِيدَة
تَتَأَمَّلُ‭ ‬بُكَاءَ‭ ‬الضُّيُوف
عَنْ‭ ‬آبَاء‭ ‬ذَهَبُوا‭ ‬إِلَى‭ ‬الحَرْب‭!‬
‭****‬
المَرْأَةُ‭ ‬الوَاقِفَةُ‭ ‬أَمَامَ‭ ‬المِرْآة
لاَحَظَتْ
أَنَّهَا‭ ‬كَبُرَتْ‭ ‬جِدًّا
وَمَا‭ ‬تَتَمَنَّاهُ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَفْتَقِدَهَا‭ ‬مَنْ‭ ‬أَحَبَّتْ‭.‬
سَتُخْبِرُ‭ ‬الصَّغِيرَات
أَنَّ‭ ‬الحُبَّ‭ ‬لَيْسَ‭ ‬مَا‭ ‬يُكْتَبُ‭ ‬فِي‭ ‬سِينَاريُوهَاتِ‭ ‬الأَفْلاَم
تَتَأَمَّلُ‭ ‬وُجُوهَ‭ ‬الفَنَّانَاتِ‭ ‬عَلَى‭ ‬شَاشَةِ‭ ‬التِّلِفِزْيُون
المَحْقُونَةِ‭ ‬بِالبُوتُكْس‭ ‬وَالفِيلر
يُعْجِبُهَا‭ ‬غَرَامُهُنَّ‭ ‬بِالحَيَاة‭.‬
فِي‭ ‬المَسَاء
تَكْتُبُ‭ ‬رَسَائِلَ‭ ‬طَوِيلَةً
عَنْ‭ ‬نَبَاتَاتِ‭ ‬مَدْخَلِ‭ ‬البَيْتِ‭ ‬التِي‭ ‬ذَبُلَتْ،
المَلاَبِس‭ ‬التِي‭ ‬تَنْسَاهَا‭ ‬عَلَى‭ ‬حَبْلِ‭ ‬الغَسِيلِ‭ ‬لِأَسَابِيعَ،
وَالوَقْت‭ ‬الذِي‭ ‬تَقْضِيهِ‭ ‬فِي‭ ‬تَلْمِيعِ‭ ‬الغُبَارِ‭ ‬عَنْ‭ ‬صُورَتِهَا‭ ‬القَدِيمَة‭.‬
سَتَتْبَعُ‭ ‬نَصِيحَةَ‭ ‬إِحْدَى‭ ‬الصَّدِيقَاتِ‭ ‬بِأَكْلِ‭ ‬الشُوكُولاَتَة
“لِأَنَّهَا‭ ‬تَبْعَثُ‭ ‬عَلَى‭ ‬السَّعَادَةِ‭ ‬وَتُحَسِّنُ‭ ‬المِزَاج”
وَقَبْلَ‭ ‬أَنْ‭ ‬تَذْهَبَ‭ ‬لِلنَّوْمِ
تُرَدِّدُ‭ ‬أُغْنِيَتَهَا‭ ‬المُفَضَّلَةَ‭ ‬لِصَبَاح‭ ‬“أحس‭ ‬قد‭ ‬إيه‭ ‬وحيدة”‭.‬
‭***‬
بَحَّة‭ ‬صَوْتك
وَرَائِحَةُ‭ ‬مَنْزِلِنَا
الذِي‭ ‬أَصْبَحَ‭ ‬أَكْثَرَ‭ ‬هُدُوءاً
مَشْهَدٌ‭ ‬لِصُورَةٍ‭ ‬فُوتُوغرَافِيَّة‭.‬
‭***‬
رَفِيقَاتِي‭ ‬القَدِيمَاتُ
اتَّخَذْنَ‭ ‬قَرَارَ‭ ‬نِسْيَانِ‭ ‬الوِحْدَةِ‭ ‬خَارِجَ‭ ‬بُيُوتِهِنَّ
الْتَقَطْنَ‭ ‬صُوَراً‭ ‬مُلَوَّنَةً
لِتَشْيِيدِ‭ ‬العَالَمِ‭ ‬بِتَارِيخٍ‭ ‬جَدِيد
رَقَصْنَ‭ ‬عَلَى‭ ‬صَوْتِ‭ ‬نانسي‭ ‬عجرم
تَارِكَاتٍ‭ ‬حَليم‭ ‬يَرْقُدُ‭ ‬بِسَلاَم
لَنْ‭ ‬يَشْغَلَهُنَّ‭ ‬مَا‭ ‬يَجْرِي‭ ‬فِي‭ ‬العَالَم
عَنْ‭ ‬كِتَابَةِ‭ ‬سِيرَةٍ‭ ‬حَيَاتِيَّة
غَيرِ‭ ‬صَالِحَةٍ‭ ‬للنَّشْر
عَنْ‭ ‬أَنْفُسِهِنَّ،‭ ‬الأَيَّام،‭ ‬الخَوْف،‭ ‬القَضَاء‭ ‬وَالقَدَر
وَفِي‭ ‬كُلِّ‭ ‬يَوْمٍ‭ ‬يَقُلْنَ‭ ‬لِأَنْفُسِهِنَّ‭ ‬فِي‭ ‬المِرْآة‭:‬
صَبَاح‭ ‬الخَيْر‭.‬
‭****‬
فَقَطْ
لَوْ‭ ‬تَنْضُجِين‭ ‬قَلِيلاً
وَتَتْرُكِين
تَوَقُّعَات
مَاغِي،‭ ‬جُمَانَة‭ ‬وَكَارْمِن
سَتَتَّسِعُ‭ ‬المَدِينَةُ‭ ‬لابْتِسَامَاتِك‭.‬
‭***‬
فِي‭ ‬ظُرُوفٍ‭ ‬عَادِيَّةٍ‭ ‬جِدّاً
النِّسَاءُ‭ ‬التَّعِيسَاتُ
يَتَعَقَّبْنَ
مَوْجَةً‭ ‬دَافِئَةً‭ ‬فِي‭ ‬نَشَرَاتِ‭ ‬الطَّقْس
فِي‭ ‬ظُرُوفٍ‭ ‬عَادِيَّة‭ ‬جِدّاً
وبِالتَّقْسِيطِ‭ ‬المُرِيحِ
يَبِعْنَ
ذِكْرَيَات
فَرَحٍ
وَبَالُونَاتٍ‭ ‬جَمِيلَة‭.‬
‭***‬
كَمْ‭ ‬مَرَّةً‭ ‬أَحَبَّتْهُ
تَرَكَتْ‭ ‬القَصَائِدَ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬النَّافِذَة
لِتَنْمُو‭ ‬بِهُدُوءٍ
أَحَبَّتْ‭ ‬فَيْرُوزَ‭ ‬لِأَجْلِهِ،
المِظَلاَّت،
السَّفَر،
وَكَلاَم‭ ‬الأَطِبَّاء،
عَالَم‭ ‬الرِّوَايَة‭ ‬وَالشِّعْر،
وَاليَوْمَ
كَمْ‭ ‬مَضَى‭ ‬مِنَ‭ ‬الوَقْتِ‭ ‬وَهْيَ‭ ‬تُحِبُّ؟

و في النهاية لقراءة صفحات من الشعر النسائي الليبي من مدينة بنغازي العريق نتوقف مع الشاعرة و الصحفية ” ( خلود الفلاح ) التي قدمت صورة صادقة و مؤثرة لتجربتها الرائدة التي تختصر رحلة العمر بين سطورها كشاهد علي الاحداث و الصراعات فتؤرخ لكافة الأشياء من خلال معطيات تفتح لها نوافذها المسافرة مع فجر الحياة بقطرات مبللة بشهية الصحراء العامرة بقصص العشق في انطلاقة تستوعب حلمها من خلال رؤيتها المرئية لماهية الأشياء في صفاء مع المستقبل دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى