وسائط

الناجي فرحــات

محمد الشطوي

 

يحاول جهده إدخال المفتاح العتيق في مكانه العتيد من الباب الضخم القديم.. أو إيصال صوت ضرباته القوية والمتتابعة لمن بالداخل ..
البرودة والظلمة تكتنفان جسده النحيل من كل جانب..
ودَّ لو يملك مصباحا عاديا يؤانسه؛ فرحلة عودته من الغربة كانت ســوداء، و قاتـــلة ..
ترى أتكون أمه بالداخل وقد غلبها النوم والْكٍــبر ..
“ستفرحين بي يا أمي فقد نجوت مع الناجين القلائل من ركاب عبارة السلام .. نجوت ببدني ولكن غرق شقا عمري..( افتحي يا أمي.. افتحي )..
لا أحد يرد..
ولا نفس غير أنفاسه التي تتردد متهافة في صدره الموتــور ..
أغمض عينـــيه الملتهبتــين من ماء البحر الأحمر؛ ليسمع، ويتذكر الصراخ والعويل ..الشهيق والزفير .. الموت والحياة، ويحمد الله أن هيأ له تلك اليد الكريمة فانتزعته من بين براثن الموت ..
عالجه المنقذ بقدر استطاعته وخبرته..
أنزله على شاطئ قريب مع آخرين واختفي في ضباب وغيوم البحر كملاك أرسلته للناجين عناية الله ..
( افتحي ياست الحبايب..أنا فرحات حبيبك.. اشتقت لحضنك ولدفء قلبك يا أمي..)
يقترب منه كلب يتشممه.. تعرف عليه.. راح ينبحه ويواصل النباح فيسمعه كالعواء ..
شقشق النهار فكشفه للرائح والغادي ..
مع بزوغ أشعة الشمس الواهنة رآه عمه.. نادى أولاده. حملوه إلى بيتهم المجاور..
كان يلتقط أنفاسه بصعوبة غير واع ولا قادر..
أَدّفَؤُوه..أَطعَمُـوه.. أفاق .. ســألهم عن أمه ..
لم يتكلموا وتركوا لدموع أعينهم البيان غنيا عن البرهان ..
فهم أن خبر كارثة العبارة، و الذي لم يغير شيئا في استاد القاهرة، وأمم إفريقيا قد قضى على أمه، وعلى ماتبقى له من جذور..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى