دراسات و مقالات

القصة القصيرة ومشتقاتها


عبدالعال الشربينى

البناء والخصائص
( 1 )
مقدمة :
هذه محاولة استقرائية لفن القصة القصيرة تتبعت فيها بعضاً مما كتبه بعض رواد التنظير لهذا الفن الحديث نسبيا والذى لم تعرفه الأداب الغربية إلّا من قرن ونصف تقريبا بالنسبة للقصة القصيرة وحوالى العشرين عاما للقصة القصيرة جدا والقصة الومضة .
وما سأدرجه هنا ليست قوانين وأصول وقواعد صارمة موضوعة ولكنها تقاليد استقرأها بعض النقاد والمنظّرين لهذا الفن من خلال الدراسة والتحليل والمقارنة لكثير من القصص القصيرة لأشهر كتابّها العالميين مثل : جى دى موباسان ( 1850 – 1893 ) ” والذى يعتبرونه مخترع ـ إن جاز التعبير ـ القصة القصيرة كفن يمكنه التعبير عن الحياة الحقيقية بما فيها من لحظات حقيقية وليس بالضرورة أن تكون أحداثا خطيرة ولكنها لحظات تعكس زوايا وأضواءاً ومعانى جديرة بالاعتبار يصوّر فيها أفرادا عاديين فى مواقف عادية تُفسر فيها الحياة تفسيرا سليما ويبرز ما فيها من معان خفية ” ، كما كان أيضا فى رأى ” موباسان ” أن الحياة تتكون من لحظات منفصلة وبالتالى يمكن للقصة أن تصور ” حدثا معينا ” ولا يهتم الكاتب بما قبله أو بعده ، ولا يمكن أن يعبّر عن تلك اللحظات العابرة القصيرة المنفصلة إلّا القصة القصيرة .
وهذا هو الشكل الذى تتخذه القصة القصيرة منذ موباسان إلى يومنا هذا ، وأكده وأبرزه جميع من أتوا بعده من كبار كتاب القصة القصيرة أمثال ” أنطون تشيكوف ” و” كاترين مانسفيلد ” و ” إرنست همنجواى ” و ” لويجى بيراندللو ” من الكتاب العالميين وغيرهم ، وكذلك كتابها المصريين أمثال ” يوسف إدريس ” و” فتحى غانم ” و ” يحى حقى ” وفيما كتبه ” نجيب محفوظ ” من قصص قصيرة وغيرهم من الكتاب المصريين .
————————-
بناء القصة 
1- الخبر والقصة 
القصة تروى خبراً ولكن لا يمكن أنّ يعتبر كلّ خبر أو مجموعة من الأخبار قصة .. ولكن فقط الخبر أو الاخبار التّى يكون لها خصائص معينة والتّى تعرف ” بالأثر الكلّى ” .
ومعنى الأثر الكلّى هو أن يكون الخبر الّذى ترويه القصة متصلة اجزاؤه ببعضها البعض بحيث يكون لمجموعها أثراً أو معنى كلّيا . ولا يكفى هذا وحده ولكن يجب أن يتوفر فيه شرطا أخر … وهو أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية ، أى يصور ما يسمى ” بالحدث “.
والحدث يتكون من ثلاث مراحل : البداية ” ويسمى الموقف ” ثم مرحلة الوسط .. وهى تنمو حتما وبالضرورة من الموقف أو البداية .. وتتطور إلى سلسلة من النقاط تمثّل تعقيدا أو تشابكا متزايدا بين العوامل أو القوى التى يحتويها الموقف ، ثم تأتى المرحلة الثالثة أو ” النهاية ” وفيها تتجمع كل القوى التّى احتواها الموقف أو البداية فى نقطة واحدة يتحقق بها الاكتمال للحدّث ، وهى النقطة التّى يكتسب بها الحدّث معناه ولذلك يسميها النقاد ” نقطة التنوير ” والتّى تمثّل نهاية الحدّث .
وبمعنى أخر : ليس كل خبر يروى قصة ، فمن الاخبار ما يمكن أن توضع جنبا إلى جنب وتظل أخبارا متفرقة لا تنتج أثرا كلّيا ، أو يمكن أن تنتج أثرا كلّيا ومع ذلك تظل مجرد معلومات ولكنّها لا تروى قصة ، فالخبر الّذى يصلح قصة ويرويها يجب أن يصور حدثا له بداية ووسط ونهاية تتطور كلّ منها عن الأخرى الى نقطة معينه تنير ما سبقها من نقاط وتجلّى أسبابه .
وقد يظن البعض أنّ الفرق بين الخبر والقصة هو أنّ الخبر مستمد من الحقيقة وأنّ القصة مستمدة من الخيال ولكن هذا ليس صحيحاً ، فكثير من القصص قد استمدت ألحدّث فيها من الواقع بعد الباسه الثوب المناسب والشكل المطلوب ليروى الحدّث بالصورة الفنية المطلوبة للقصة .
كمّا يلاحظ أنّه أذا تطور الموقف ليروى خبرا جديدا مستقلا عن البداية ولا يرتبط بها إلّا بعامل الصدفة ثم يأتى الخبر الثالث أى مقابل نهاية القصة وهو أيضا لاينمو من الخبر السابق ولا يرتبط به إلّا بالصدفة أيضا وهكذا نجد أن القصة تتكون من ثلاثة أخبار تترابط معا بالصدفة بدل أن يؤدى كلّ منها إلى الآخر بالضرورة والحتمية ، فلا يمكن أن نقول أن لهذه القصة بداية ووسط ونهاية ، وبالتالى لا يمكن اعتبارها قصة على الإطلاق ولكنها مجموعة أخبار ربط بينها الكاتب بطريقة مصطنعة ليوهمنا أنها قصة ، ويسميها أرسطو ” بقصص الأخبار ” ويعتبرها أحط أنواع القصص .

القصة القصيرة ومشتقاتها
البناء والخصائص
( 2 )
2- الشخصيات والقصة
لقد توافقنا فى المقال السابق أن القصة هى التى تروى حدثا ذا أثراً كلّى ، وقد يكتفى البعض فى معرفة الحدث بالأجابة عن الأسئلة الثلاثة الأتية ويظن أنها تجلّيه وهى : كيف وقع / أين وقع / ومتى وقع ، ولكنه بالأجابة على تلك الأسئلة فقط يظل الحدث ناقصا لأنه لم يفسر لنا لم وقع ؟ .
وللأجابة على هذا السؤال الرابع والّذى يتطلّب البحث عن الدافع أو الدوافع التّى أدّت إلى وقوع الحدّث وبالكيفية التّى وقع بها لابدّ من التعرف على الشخص أو الأشخاص الّذين فعلوا الحدّث أو تأثروا به .
ومن البديهى أنّه ما من حدث يقع بطريقة معينة إلّا نتيجة وجود شخص أو أشخاص لهم صفات أو خلفيات معينه فرضت خروج الحدّث بتلك الكيفية وليس غيرها،
وبذلك يكون من الخطأ الفصل أو التفرقة بين الشخصية وبين الحدّث ، لأن الحدّث هو الشخصية وهى تعمل أو الفاعل وهو يفعل .. فلو أنّ الكاتب اقتصر على تصوير الفعل دون الفاعل لكانت قصته أقرب للخبر المجرد منها الى القصة ، ولأصبح الحدّث ناقصاً ، ولتحولت القصة لخبراً ظريفاً يمكن أن تقرأه وتنساه أو تلخصه وترويه لأحد أصدقائك دون أن يفقد معناه لأنّه إنمّا يزودّك بالمعلومات بأنّ كذا قد حدث ” وكأنك تقرأ فى كتاب إحصاء أو كتاب جغرافيا ” ، أما القصة الجيدة فلا يمكنّك أن تفعل نفس الشئ معها ، لايمكنك أن تلخصها وترويها دون أن تفقد مدلولّها وتفقدها معناها لأن القصة لاتُعنى بنقل الخبر بل بتصوير حدث متكامل له وحدة .
القصة تتضمن الفعل والفاعل ” أو الشخصية وهى تعمل ” فلأجل أن يتحقق للحدّث وحدته يجب ألَّا يقتصر على تصوير الفعل دون الفاعل لأن الفعل والفاعل ـ أو الحدّث والشخصية ـ شئ واحد لايمكن تجزئته ، فإن اقتصر تصويرّنا على الفعل وحده لمّا استطعنا أن نصور الحدّث كاملاً ، بل لمّا استطعنا أن نصور الحدث على الإطلاق ، لذا يجئ ما نكتب خبراً وإن كنا نريد له أن يكون قصة .
القصة إنمّا تصور حدثا متكاملاً له وحده ، ووحدة الحدّث لا تتحقق إلا بتصوير الشخصية وهى تعمل ، أى عندما يجيب الكاتب على أربعة اسئلة وليست ثلاثة وهى : كيف وأين ومتى ولم وقع الحدث .
——————————-

قراءة تحليلية ـ تشريحية ـ لقِصَّة الكاتب الإيطالى : البيرتو مورافيا ” أخى” كنموذج للقِصَّة القصيرة مكتملة أركان البناء .
بقلمى .. عبدالعال الشربينى
—————————-
( أخي قِصَّة قصيرة بقلم : البيرتو مورافيا
لم أسامح أبدّاً أخي التوأم الّذي هجرني لست دقائق في بطن أمّي، وتركّني هناك، وحيداً، مذعوراً في الظلام، عائماً كرائد فضاء في ذلك السائل اللزج، مستمعاً إلى القبلات تنهمر عليه في الجانب الآخر. 
كانت تلك أطول ست دقائق في حياتّي، وهي التّي حدّدت في النّهاية أنّ أخي الأكبر سيكون الإبن البكر والمفضل لأمّي.
منذ ذلك الوقت صرت أسبق أخي في الخروج من كلّ الأماكن ـ من الغرفة، من البيت، من المدرسة، من القداس من السينما – مع انّ ذلك كان يكلفّني مشاهدة آخر الفيلم.
في يوم من الأيام إلتهيت، فخرج أخي قبلّي إلى الشارع، وبينما كان ينظر إليّ بإبتسامته الوديعة، دهستّه سيّارة.
أتذكر أنّ والدتي لدى سماعها صوت الضربة، هُرِعت من أمامي راكضةً تصرخ بإسمي. 
أنا لم أصحح لها خطأها أبداً .)
————————-

لمّا كانت القِصَّة القصيرة هى القصَّة التّى تصوّر حدثا متكاملاً له وحده ، ووحدة الحدّث لا تتحقق إلّا بتصوير الشخصية وهى تعمل ، أى عندما يجيب الكاتب على أربعة اسئلة وليست ثلاثة وهى : كيف وأين ومتى ولِمَ وقع الحدّث ، وأن يكون بناء القصة ونسيجها شئ واحد ، ويكون كلّ ذلك ذو معنى يحكى قصة .
إذا أدركنا ذلك وأخذنا نطبقه على القِصَّة القصيرة التّى بين أيدينا نجد ما يلى :
الخبر فى القِصَّة يتكون من ثلاثة أجزاء : بداية أو” الموقف ” ، ووسط ويحدث فيه التشابك المطلوب أو ” الحبكة ” ثمّ النهاية أو ” نقطة التنوير ” وهى النقطة التّى تتجمع فيها وتنتهى إليها خيوط الحدّث كلّها ، ويكتسب الحدّث معناه الّذى يريد الكاتب الإبانة عنه .
• أولاً : البدية أو ” الموقف ” والّذى ستتطور عنه الأحداث هو : واقعة ولادة التوأمان وخروج أحدهما قبل الآخر بدقائق ولكنها كانت فارقة بحيث أصبح أحدهما هو ” البكرّى ” والّذى كان لوصوله الصدى الأكبر عند الأسرة فأسعد الجميع وخصوصا الأم واسُتقبِل استقبال الفاتحين ولازمه هذا الشعور طوال حياته فكان دائما هو المدلّل والمفضل فيما بعد فهو ” أول فرحة الأم كما يقولون” .
ما ذكرته أنا الآن هو خبر وليس قِصَّة ، ولكنّه رغم ذلك يحكى ما قصّه الكاتب علينا والذى نعتبره نحن معا ـ أنا وأنت ـ قصّة فما الفرق إذاً ؟
أنا أحكى عن آخرين من الخارج ناقلا أحداثا وأقوم بوصفها أى اتحدث وأنقل ما أراه وأنا خارج الحدّث ، لكنّ الكاتب أورد ذلك الحدّث كتصرف لشخصيات القِصَّة وليس كحديث عنهم ” أى أتى بالشخصيات وهى تعمل ” ، ليس هذا فقط ولكن بإسلوب قصصى رائع كمّا أنّه وضع فى تلك الفقرة الأولى أو “الموقف” النّواة التّى تفسر لِمَ تتصرف الشخصيات بالشكل الّذى تتصرف به ، فعلّلت بسبب مقتع لِمَ احتفت الأمّ بالأبن الأول أكثر من الثانى ، فالأول هو البكرى الّذى أتى على انتظار أمّا الثانى فقد جاء ولديها بالفعل ولد ، وكمّا يقول أهل الاقتصاد “تناقصت منفعته الحدّية ” فالصنف أصبح موجوداً ، بل ربمّا قد أعتبرته عبئا فخدمة أثنين ليس كخدمة واحد أو …. فقال القاصّ :
” لم أسامح أبدّاً أخي التوأم الّذي هجرني لست دقائق في بطن أمّي، وتركّني هناك، وحيداً، مذعوراً في الظلام، عائماً كرائد فضاء في ذلك السائل اللزج، مستمعاً إلى القبلات تنهمر عليه في الجانب الآخر. 
كانت تلك أطول ست دقائق في حياتّي، وهي التّي حدّدت في النّهاية أنّ أخي الأكبر سيكون الإبن البكر والمفضل لأمّي. ” 
• ثانيا : الوسط : ونجد فيه مجموعة أخبار ، أول ما نلاحظه فيها أنّها تطورت عن الحدّث الأول وليست مستقلة عنه وليس فيها حدث نبع بالصدفة ولكنّها تسير فى السياق الطبيعى للأسباب التّى وضعها الكاتب لتفسير لِمّ تحدث تلك الأحداث ولِمّ تتصرف الشخصيات هكذا كمّا أسلفت ،
واخبار الوسط هى :
– الأمّ تدلّل الأبن الأكبر أكثر من أخيه ـ بالدرجة التّى لاحظها الأبن الأصغر ـ مما أثار غيرته وأحدث لديه عقدة فى هذا الاتجاه .
– تسببت تلك العقدة فى أفعال الأبن الأصغر فكانت مواقفه المدفوعة بتلك العقدة ـ والتّى أبرزها الكاتب ـ فى أن يكون تصرفه دائما هو الأول والمبادر فى أفعالهما المشتركة ، حتى لو أصابه ضرر أو فاتته منفعة ” (مع انّ ذلك كان يكلفّني مشاهدة آخر الفيلم) .
– أنّ ذلك التصرف أصبح قاعدة عَلِمَها الجميع خصوصا الأم .
– أنّ الأخ الأكبر كسر تلك القاعدة مرة ـ عندما التهى الأخ الأصغر عن السبق ـ فخرج قبله .
– الأخ الأكبرانشغل بالشماتة فى أخيه لسبقه هذه المرة والتفت مبتسما له ولمْ يراع أخطار الطريق .
– دهست الأخ الأكبر سيارة فمات .
– أندفعت الأم مسرعة وفى روعها أنّ الّذى دهسته السيارة هو السابق دائما ونادت بأسم الأبن الأصغر معتقدة أنّه هو من مات .
نلاحظ فى تلك الأخبار جميعها والتّى تمثل وسط الحدّث أنّها جميعا مترابطة ومتطورة عن خبر البداية أو الموقف الأول وليست غريبة عنه وليس فيها ما تمّ بالصدفة ، ولكنها جميعا مبررة الحدوث وتصرفات الشخصيات بتلك الطريقة لها فى ذهن القارئ ما يبررها تبريرا منطقيا فالكاتب وضع الخلفيات المناسبة للشخصيات التّى توضح لِمَ يفعل أيّا منهم ما يفعل .
أيضا ما ذكرته أنا على لسانى حتّى الأن ما هى إلّا أخبار وليست قصّة ولو جمعتها مع ماسبقها فإنها لا تصلح قصة فهى ينقصها النسيج القصصى المناسب وستظل مجرد أخبار ، لكنَّ الكاتب القاصّ وضعها فى نسيج القصّة المناسب والّذى تداخلت فيه الأفعال مع حركة الشخصيات وأطلعنا على الشخصيات وهى تعمل وأفعالها كلّها مبررة حسبما رسم لتلك الشخصيات من خلفيات تجعلها تفعل ما تفعل ودون أن نستغرب منها الفعل فنراه هنا يقول :
(كانت تلك أطول ست دقائق في حياتّي، وهي التّي حدّدت في النّهاية أنّ أخي الأكبر سيكون الإبن البكر والمفضل لأمّي.
منذ ذلك الوقت صرت أسبق أخي في الخروج من كلّ الأماكن ـ من الغرفة، من البيت، من المدرسة، من القداس من السينما – مع انّ ذلك كان يكلفّني مشاهدة آخر الفيلم.
في يوم من الأيام إلتهيت، فخرج أخي قبلّي إلى الشارع، وبينما كان ينظر إليّ بإبتسامته الوديعة، دهستّه سيّارة.
أتذكر أنّ والدتي لدى سماعها صوت الضربة، هُرِعت من أمامي راكضةً تصرخ بإسمي. )
ثالثا : النهاية أو ” نقطة التنوير ” :
جاءت هكذا : ( أنا لم أصحح لها خطأها أبداً )
جمعت هذه العبارة كلّ مكونات القصّة معا ، وأوضحت لنا كقراء لِمَ يقصّ علينا الفتى أصلاً قصته ، فهو يعيش فى شخص أخيه ، وينتحل أسمه ، حتّى أنّه لمْ يُخبر أمّه بالحقيقة ، وأيضا قد نجد نحن القراء أنّ تصرفه قد يعتبره البعض منطقيا وليس خارجا عن سياق القصة ، ولهذا وجهان للتفسير :
– الأول : أنّ الإبن الأصغر يدرك مدى حب الأمّ لأخيه الآكبر وأنّه المفضل لديها عنه فلم يرد أن يفجعها فى أنّ الّذى مات هو الأكبر فتشتد صدمتها من وجهة نظره ويزيد حزنها .
– والثانى : لِمَ لا يستفيد من مكانة أخيه الكبير عند أمّه لو ظلت تعلم أنّ الصغير هو الّذى مات ، فهو كان زائدا من الأصل كمّا يتصور هو .
من القراءة السابقة نلاحظ أنّ تلك القصّة مكتملة البناء ففيها كلّ أركان بناء القِصّة القصيرة والتّى تقصّ علينا حدثا مكتملاً من خلال نسيج القصّة حيث تمّ البناء من خلال نسيجها فالبناء والنسيج واحد وكلاهمّا يصوّر الشخصيات وهى تعمل ، بدوافعهم التّى أملت عليهم تلك الأفعال ولم نجد كلمة أو خبرا زائدا أو غير مبرر.
———————————
أخر أركان القصّة وأهمها والّذى لمْ أذكره بعد هو” المعنى ” فى القصّة ، والّذى تريد القصة إيصاله للمتلقى أو القارئ ، فأى قصّة لابدّ وأن يكون لها معنى وإلّا تكون ضربا من الثرثرة الفارغة ، فالحدّث المتكامل هو تصوير الشخصية وهى تعمل عملاً له معنى ، وليس المعنى شيئا مستقلاً عن الحدّث يمكن أن نضيفه إليه أو نفصله عنه ، فكلّ قصة تعالج ما تعالج فقط وتعنى ما تعنى فى نطاق الحدّث المعين الّذى تصوره والّذى ينشأ من الحدّث نفسه فهو جزاً لا يتجزأ منه ، وبدون المعنى لا يمكن أن يكتمل الحدّث ، فأركان الحدّث ثلاثة : الفعل والفاعل والمعنى ، وهم وحدة واحدة لايمكن تجزؤتها فليس للفعل والفاعل قيمة إن لم يكشفا عن معنى .

وقصتنا رغم محدودية كلماتها متعددة الرسائل، أذكرمنها واحدة حيث الخصها هكذا: 
يقول الكاتب للأهل حذارى من التفرقة بين الأبناء فى المعاملة أو إبداء مظاهر الحب لواحد دون الأخرين وإن كانت من طرف خفي ظنا منهم أن الأولاد صغار لا يدركون، أو أنهم يمارسونها بطريقة ذكية ولن يشعر الباقين بتلك التفرقة، لكن فى الحقيقة هذه التفرقة تورث الأولاد العقد وتزرع بينهم البغضاء التى لها غالبا فى النهاية أثار مدمرة.
ولنا فى قصة سيدنا يعقوب وأولاده ـ يوسف وأخوته ـ أفضل مثل على ما أقول، وعلى ما أتخذه مورافيا رسالة فى قصته

ماذا لو كانت الرسالة سلبية ،او لم تكن القصة ذات رسالة واضحة ..هل يؤثر ذلك على تقييم القصة؟

طبعا يؤثر ذلك، فالرسالة السلبية مما يذم ويكره، وقد حذر القرآن الكريم ممن يشيعون الفاحشة بين الناس.
أما عن عدم وجود رسالة فى القصة فنقول للكاتب : لماذا أجهدت نفسك فى الكتابة إذن؟ الكاتب يكتب ليقول فإذا لم يكن لديه ما يقول، لماذا كتب ما كتب؟ فالثرثرة وفارغ الكلام هو مضيعة لوقت كل من الكاتب والقاريء معا
—————————————-
• حتّى تكتمل الفائدة من هذا التشريح للقصّة القصيرة السابقة والتّى نتناولها وهى قصّة أخى ، هل يمكن جعلّها قصّة قصيرة جداً أو ما نسميه بالقص المكثف؟ ولها ذات المضمون ؟
أقول نعم نستطيع ويتم ذلك بحذف المترادفات وبعض السرد الزائد وتركيز الأحداث ، بشرط المحافظة على وجود كلّ سمات القصّة وأركانها فلا قصّة مهما كان جنسها إلّا ويجب أن يتوفر فيها الحكاية والشخصية أو الشخصيات المركزية والتّى غالبا ما تكون واحدة مع التكثيف اللازم ولكنّها فى النهاية أيضا يجب أن تروى حدثا متكاملاً له معنى ويجيب عن اسئلتنا الأربعة أيضا : كيف ومتى وأين ولم وقع الحدث ، فإن غابت إحدى تلك العناصر ربما تصبح خاطرة أو ربما تصبح ثرثرة بلا معنى .

وعموما القص المكثف يحتاج كاتبا خاصا وكذلك قارئا خاصا، وكلاهما يتمتع بمهارات ليست لكل كاتب أو قاريء، لذلك ليست كل قصة مكثفة أو ما يسميها البعض ققج تستحق الأسم أو الإحتفاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى