دراسات و مقالات

الفنون الشعرية المتجددة

فالح الكيـــلاني

3- الكان كان :-

والكان كان فن اخر اخترعه العراقيون في بغداد وظهر في القرن الخامس الهجري وشاع بعد ذلك وسمي بالكان وكان لأن العراقيين يحكون حكاياتهم ويبدأن بقولهم كان يا ماكان في قديم الزمان … وقد سمعناها من ابائنا واجدادنا وهم يحكون لنا الحكايا ت في العقد الرابع والخامس من القرن الماضي وكانت للدلالة على أنها روايات لا أصل لها ولا سند .

ويذكر الدكتور كامل مصطفى الشبيبي في الحديث عن وجه الشبه بين الكان كان وفن أخر شاع انذاك ويطلق عليه ( الفلك المحملة بأصناف بحر السلسلة ) او ما يعرف بالسلسلة بان هذا الفن من الشعر الملحون وينظم بأربعة إقفال مختلفة ويكون القفل الأخير منه (الرابع) مردفا بحرف علة وتسمى الأقفال الأربعة بيتا حيث يمكن للشاعر نظم أبيات عدة على قافية القفل الرابع وعليه يكون لهذا النوع من الشعر او الفن وزن واحد هو :

مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن فاعلاتن مستفعـلن فـعــــلان

ويعتمد في هذا الفن القول بالحكم والأمثال والمواعظ والزهد ،ومما يذكره الشاعرالعراقي الشاعر صفي الدين الحلي في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي ) واتبع طريق النظم فيه ، وظهر مثل العلامة (جمال الدين بن الجوزي) و(الشيخ شمس الدين بن الكوفي) ،فنظموا فيه المواعظ والحكم والأمثال وغيرها .

وانتقل فن الكان كان إلى مصر وسمي (الزكالش) والعراقيون يسمونه (الكان كان) ،وأما في الشام فلم يكن له اثر بارز. ومما قيل فيه ماجاء في ( كتاب الكشكول ) لبهاء الدين العاملي في مخاطبة الغافلين عن ذكر الله تعالى فيقول :

إلى من غفل وتوانى الركب فاتـــك صحبته

وفي الدجى حدا بيهم الــحادي وحث النوق

حث الــمطايا لعــلك بـمــن تـــقدم تلحـــــــق

من لا يحث المطايـا ما يبصر المعشـــــــوق

فناقتـــك تتضــــــمخ من شــدة السيـــر بالدما

تصـــل إلى مواطنها مضمـــخــه بخـــــــلوق

ياذا مطلب قد بلغت الارب وقد زال التعب

إلف الفت فالناقــــة لها عليك حقــــــــوق

يا بدر ثـم تجلــــــى وتيم الخلـــق منظره

جميع من في العالم الــى لقاك مشـــــوق

فبالنبي محمــــــد وحــق مولانا علي

ما تيــم القلــب الا قوامـــك المشـــوق

ومما قيل فيه من المصريين قيل في مجلس الامير( الصالح بن روبك ) يقول فيه :

النار بين ضلوعي ونا غريق في دموعي

كني فتيلة قنديــــل أموت غريق وحريــق

وقول إبراهيم المعمارفي ذلك : –

شكوت للحب دائــــي وما ألاقي من الهوى

وقلـت :يا نــور عيني قد شفنــي التبريــــح

قال تدعي الحب تكذب مـــارا عليك دلائله

قلت :اكتمه في فـؤادي فقــال: هــذا ريــح

4- المسمط :

المسمطات نظم على وزن بحر الرجز في الغالب . وهي قصائد تتألف من أدوار وكل دور يتكون من أربعة أشطر أو أكثر، تتفق كلها في القافية، ما عدا الشطر الأخير. الذي يستقل بقافية مغايرة، ويتحد في ذات القوت مع الشطور الأخيرة في الأدوار المختلفة. ولذلك يسمى عمود المسمطة أي محوره الذي يرتكز عليه.

ومن السهل أنه يمكن ترتيب هذه المسمطات ترتيباً آخر تخرج
به عن المسمطات، إلى وزن عادي يتضمن قواف داخلية، فتصبح وقد اكتسبت لوناً آخر من الوان التجديد لمسناه عند كثير من الشعراء العباسيين:

سلاف دن كشمس دجن
كدمع جفن كخمر عدن
طبيخ شمس كلون ورس
ربيب فرس حليف سجن
يا من لحاني على زماني
اللهو شاني فلا تلمني

5- المواليا :-

ان ناظم هذا اللون من الشعر يسمى ( الموالي ) ،نشا في واسط من اعمال الكوت في العراق واخترعه أصحاب البرامكة بعد نكبتهم لان هارون الرشيد حرم على الشعراء رثاءهم باللغة الفصحى فراح الشعراء يرثونهم بلهجة عامية وتنتهي عبارة رثاء الشعراء بكلمة (يا مواليا) فعرف بهذا الاسم . وهذا اللون هو من جراء تزايدات الشعوبيين الذين عز عليهم مصرع البرامكة والقضاء عليهم ،أو أن سبب التسمية كما يذكر لنا الدكتور صفاء خاوصي في كتابه( علم القافية ) موالاة قوافيه بعضها بعضا .

ويتكون المواليا من أربعة مصاريع متشابهه الأواخر ساكنة الروي وعلى بحر البسيط :

(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ) ( مستفعلن فأعلن مستفعلن فعلن)

أي تام البسيط او مجزوء البسيط اوربما جاء من مخلع البسيط فهو من وزن واحد فقط ، وفي كتاب ( وفيات الأعيان ) الجزء الاول قال ابن خلكان فيه :

( ان البغداديين لا يتقيدون بالاعراب في المواليا ،فهم ينظمونه كيفما اتفق )

ومن المواليا قول احد البغداديين ولم يذكر اسمه :

ظفرت ليلة بليلى ظفرة المجنون

وقلت وافى لحظي طالع ميمون

تبسمت فأضاء اللؤلؤ المكنون

صار الدجى كالضحى فاستيقظ الواشون

ومن المعلوم ان المواليا شاع في نهاية الدولة العباسية ومن الذين نظموا فيه حسام الدين الحاجري الاربلي ومجد الدين النشابي وعز الدين الموصلي وعلي بن ابراهيم بن معتوق الواسطي وصفي الدين الحلي ومن المواليا ماقاله (البدر الزيتوني ) بعد القرن التاسع حيث قال في مدح الرسول الكريم :

امدح لامة محمد يظهر الإيناس

وحده في المدح واخزي الحاسد الخناس

منهم ورب الفلق في سائر الأجناس

من القدم خير امة أخرجت للناس

وكذلك قوله :

لم تدعي الذوق والوجدان والاحوال

وانت خالي من الاخلاص في الاعمال

ارجع لجســمك فــسم البين لك قتــال

ترمي حجر مايشيلة خمسميت عـتال

ومنه قول (حسام الدين الحاجري الاربلي) مواليا وقد قاله في حبيبته التي رآها في المنام وكأنها قد عادت اليه بعد قطيعة وجفوة يقول :

يامن ملكني وعن طرف الوفا عرج

اطلق رقادي وجفني بالسهر زوج

ومن لحسنك بتاج الحسن قد توج

عيد الوصال فبحر الشوق قد موج

وجاء في وفيات الاعيان لابن خلكان مواليا ينسبها الى (عمر ابن الفارض ) الصوفي المعروف وكان يتميز بان ما كتبه المصريون اصطلاح لا يراعون فيه الاعراب ولا ضبط اللغة ويجوزون اللحن فيه فجاء اكثره ملحونا لانهم لا يؤاخذون على اللحن او الضبط ويتبين ان اغلب الصوفيين كانوا يستخدمونه في مدائحهم واغانيهم او تراتيلهم الدينية يقول فيها :

لم تدعي الذوق والوجدان والاحوال

وانت خالي من الاخلاص في الاعمال

ارجع لجســمك فــسم البين لك قتــال

ترمي حجر مايشيلة خمسميت عـتال

اما في الشام فقد رغب الشاميون في المواليا وشاع بينهم ومن الذين نظموا في هذا الفن (عز الدين إبراهيم بن محمد ) المعروف ( ابن السويدي) و(علي بن مقاتل الحموي) و(صلاح الدين ألصفدي ) ومن المواليا لابن السويدي حيث يقول:

البدر والسـعـد :ذا شهبــك وذا نجمــك

والقد واللحظ: ذا رمحـك وذا سهمــك

والبغض والحب :ذا قسـمي وذا قســمك

والمسك والحـسن : ذا خـالك وذا عمــك

وكان للمواليا في مصر والشام تقارب عجيب والسبب في نوعية وطبيعة الحكم حيث ان المصرين قد خضعا للحكم الأيوبي وأدى ذلك إلى التشابه بين موالي أهل الشام ومواليا أهل مصر ويسمى عندهم ( الدوبيت ) أي البيتين اما في المغرب العربي فقد شاع بينهم وعرف هذا النوع من النظم عندهم وكانوا يسمونه (العيطة) وهو اقرب ما يكون في تركيبه إلى المواليا القديمة الرباعية وغالبا ما تنتهي هذه المنظومة بكلمة (يا سيدي.. ) .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى