قصة

الغريب

نور الموصلي

لا أعلم أين ولدتني أمِّي، ولا أدري ما عدد إخوتي ومن يكون أبي..
فأمِّي لم تقصصْ عليَّ أخبارَ طفولتي لأنني لم أكبر بين يديها.. مرَّ الزَّمان ولم أعد أتذكر حتى تفاصيل وجهها، كل ما أذكره أنَّها ودَّعتني بدمعةٍ حين جاء المزارع وأخدني من بين يديها ونقلني إلى مكان إقامةٍ جديدٍ حيث يسكن مع عائلته..
في اليوم الأوَّل لي في ذلك المكان دهشت بكل مايحيط بي؛ كان المكان غريبا، لي منه غرفة ضيَّقة لكنّها تطلُّ على مساحاتٍ واسعةٍ..
فكَّرتُ مراراً بطريقةٍ للهرب والعودة إلى حضن أمِّي..لكنِّي كنت صغيراً جداً لا أجرؤ على تسلِّق الجدران الخشبية الأربعة المحيطة بي
مع مرور الوقت نسيتُ أمي وألفتُ المزارع وأسرته
كان أبناؤه يعتنون بي ويطعمونني ويلعبون معي لكنني مع ذلك كنت أشعر بوحشةٍ شديدة بين أفراد عائلتي الجديدة.. ذلك لأنني كنت مختلفاً عنهم جدا.. فعيناي لا تشبه أعينهم ، وجسدي لم يبلغ حجم أجسادهم مع أنَّني كبرت بينهم ومعهم!
وكنت أظنُّ أنَّ سبب الاختلاف هذا هو الجدران الاربعة.. فأبناء المزارع يخرجون ويعودون وهذا ما جعل أشكالهم تختلف عن شكلي.. لاشكَّ أنَّ في الخارج عوامل كثيرة جعلت كل من حولي يتشابهون!
شعور الغربة ذاك دفعني إلى محاولاتٍ مستمرَّةٍ لتسلِّق تلك الجدران العظيمة..
وذات صباحٍ وبعد جهدٍ استطعت أن أعلو أحدها.. فقفزت والفرحة تسبقني ، تجوَّلت في الشَّوارع وتنقَّلت من حيٍّ إلى حيٍّ فشعرت بهمةٍ عالية و أحسست أن قدمي تستطيلان مع كل خطوة أمشيها.. ومررت بأحد المحلات فتأمَّلت في انعكاس زجاجه وجهي فرأيته قد تحوَّل إلى وجهٍ مستدير ككلِّ الوجوه التي صادفتها في حياتي…عيناي شفتاي أذناي.. كل مافي ملامحي قد تغيَّر..
حلَّ الظَّلام فعدت إلى بيت المزارع مبتهجاً لأدهشهم بشكلي الجديد.. فنظر الجميع إلي وصاحوا.. عاد الأرنب عاد الأرنب!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى