دراسات و مقالات

العلاقة الطيبة بين زرياب و الموصلي

السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

زرياب و الوتر الخامس للعود !! .
انتشرت مغالطات في الكتب و الأخبار عن حسد الموصلي لتلميذه زرياب مما هدده بالقتل او الطرد من بغداد و هذا افك و افتراء دون بينة !!.
و قد تجاهل معظم الرواة ان أبا اسحاق الموصلي هو الذي اخذ بيد زرياب و رشحه للخلفاء و الوزراء في الغناء مما جعله يحترف فيما بعد في بلاد الأندلس عند دولة صقر قريش عبد الرحمن الداخل !!.
و من بغداد عروس المشرق هاجر زرياب الي المغرب ثم الاندلس في الغرب و بزغت شمس الابداع العربي تطل من مخدعها علي ليالي الوصل بالاندلس كما شاهدنا الموشحات المغناة !!
و تتوثق العلاقات الوطيد بين الاستاذ الموصلي و تلميذه زرياب في حب وود كان له أثره الطيب في المشرق و المغرب بعيدا عن التزيف و طمس الحقائق لعلة شائعة يرددها المغرضون للنيل من قصص العرب التي صنعت الحضارة الانسانية فترات مضيئة علمت العالم !!.

و ها أنا احاول أن انقي و اصفي صفحة مشرقة مشرفة بين الاستاذ الموصلي و تلميذه زرياب في حب وود بعيدا عن الحسد و الخصومة قطعا .
حتي لا نسيء الي تاريخ حضارتنا المفتري عليها وسط الفتن لطمس هويتنا و لم لا فقد تم تشويه لخط سير تاريخنا الاسلامي بل العربي و الطعن في شخصياته و أعلامه تحت حجج باطلة و طائفية و مذهبية و دسائس من الامم الأخري
و من ثم نختصر حياة ” الموصلي وزرياب ” .
في بداية هذه السطور ننوه :
فقد ظلت بغداد دار السلام في الشرق درة الاسلام و حاضرة الخلافة العباسية حيث بيت الحكمة و الحضارة القديمة منذ بابل و سومر حتي ظهور الاسلام و منها كانت الانطلاقة الي سائر البلدان ’ ثم يأتي المد الحضاري و التراثي و الثقافي الي الأندلس في الغرب و تتقمص الدور الريادي في الغرب ” قرطبة ” التي جمعت كل العلوم و الآداب و الفنون الانسانية في تواصل مستمر بين الشرق ” بغداد ” و الغرب ” قرطبة ” و من ثم كانت النهضة الحديثة الوافدة التي أضاءت جنبات العالم .
فقد لعبت البيئة بكل مظاهرها و مقوماتها دور رئيسي في الابتكار و الابداع الفني في تناغم و تلقائية فحوت ميراث البدو و الحضر معا !!.
و لكننا نترك الطب و العلم و الادب و العمارة و الهندسة و الزراعة و الصناعة و التطور الاجتماعي ، كي نطوف مع الفنون الجميلة و نتوقف مع نشأة ” فن الموسيقي ” مع رمزين من رموز هذا الفن الوليد ” أبو اسحاق الموصلي – زرياب ” بشكل غير الذي كان مألوفا عند العرب في الجزيرة كعهد ” الصناجة ” و التي تم اطلاقه علي الشاعر المغني ” الأعشي ” في دعوة تأصيل و ارتقاء بالذوق الانساني مع تطور حركة الحياة .

الموصلي (إسحاق بن إبراهيم ـ) (152 ـ 235هـ/769 ـ 849م)

إسحاق بن إبراهيم بن ماهان بن بهمن بن نُسك التميمي
بالولاء، الأرجاني الأصل، الموصلي، المعروف بابن النديم الموصلي، كنّاه الرشيد
بأبي صفوان.
قدم والده إبراهيم الموصل وأقام بها مدة فَنُسِبَ إليها، و بها شُهر وابنه من بعده، وهو من بيتٍ كبيرٍ من العجم، انتقل جدّه ماهان إلى الكوفة وأقام بها، وجدته من بنات الدهاقين.
كان إسحاق إماماً، عالماً، ثقة، فاضلاً، أديباً، إخبارياً، رأساً في صناعة الأدب والموسيقى وعلم الكلام، راوياً للشعر، حافظاً للأخبار، حلو النادرة، حسن المعرفة، بارعاً في الضرب على العود وصنعة الغناء كوالده إبراهيم الذي كان أوحد زمانه في الغناء واختراع
الألحان.
أجاد الغناء بالعربية والفارسية، ونادم عدداً من خلفاء بني العباس.
وقد غلب على إسحاق الغناء، حتى ذُكر باسم إسحاق المُغنّي.
نال بهذا مرتبةً عند الخلفاء لم يحظ بها أحدٌ من قبله، وبذَّ جميع المغنين.
قال أبو الفرج الأصفهاني: «كان
الغناء أصغر علوم إسحاق وأدنى ما يوسم به، وإن كان الغالب عليه وعلى ما يحسنه، هو
الذي صحح أجناس الغناء».
قال الذهبي: «كان إليه المنتهى في معرفة الموسيقى، وكان
له أدبٌ زاخرٌ، وشعرٌ رائقٌ».
سمع من مالك بن أنس، وهُشيم بن بشير، وسُفيان بن
عُيينة، وبقية بن الوليد، وأبي معاوية الضرير، والأصمعي، وآخرين. حدّث عنه ابنه
حماد، والأصمعي، والزبير بن بكار، وأبو العيناء، ويزيد بن محمد المهلبي وغيرهم.
كان يكره أن يُنسب إلى الغناء، قال المأمون:
«لولا شهرته بالغناء لوليته القضاء، لما
أعلم من عفته ونزاهته وأمانته».
كان نافق السوق عند الخلفاء، فقد نادم هارون
الرشيد، والمأمون، والمعتصم، والواثق، ويُعدُّ من الأجواد، وَثّقه الحربي.
كان كثير الكتب، حتى قال أبو العباس ثعلب:
«رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب، وكلها بسماعه، وما رأيت اللغة في منزل أحدٍ
قط أكثرَ منها في منزل إسحاق، ثم منزل ابن الأعرابي».

وكان المعتصم ـ وقيل الواثق ـ
يقول:
«ما غنّاني إسحاق بن إبراهيم قط إلا خُيّل لي أنه قد زيد في ملكي». أصيب
بالعمى قبل موته بسنتين من شعره:
يا سرحة الماء قد سدّتْ موارده أما
إليك سبيلٌ غيرُ مسدود
لحائمٍ حامَ، حتى لا حوامَ به مُحَلأ
عن سبيل الماء مطرود
جاء في «الأغاني» أن الأصمعي دخل مع إسحاق
الموصلي يوماً على الرشيد فرأياه لَقِسَ النفس ـ أي ضيق النفس ممقوتاً ـ فأنشد
إسحاق:
وآمرةٍ بالبخل قلتُ لها اقصري فذلك
شيءٌ ما إليه سبيلُ
أرى الناسَ خِلاّنَ الكرامِ ولاأرى بخيلاً
له حتى المماتِ خليلُ
وإني رأيت البخل يُزري بأهله فأكرمتُ
نفسي أن يُقالَ بخيلُ
ومن خير حالات الفتى لوعَلمْته إذا
نالَ خيراً أنْ يكونَ يُنيلُ
فِعالي فِعالُ المكثرينَ تجمّلاً ومالي
كما قد تعلمينَ قليلُ
وكيف أخافُ الفقرَ أو أُحرمُ الغِنى ورأيُ
أمير المؤمنينَ جميلُ
قال الرشيد: «لا تخف إن شاء الله»، ثم قال:
«لله
درُّ أبياتٍ تأتينا بها، ما ألذَّ أصولها، وأحسن فصولها، وأقلَّ فضولها»
وأمر له
بخمسين ألف درهم، فقال له إسحاق:
«وَصْفُكَ والله لشعري أحسن منه، فعلام آخذ
الجائزة؟» فضحك الرشيد، وقال:
«اجعلوها مئة ألف درهم، قال الأصمعي: فعلمت يومئذٍ
أنَّ إسحاق أحذق بصيد الدراهم مني!».
جمع من صنعته وعلاقاته ومنادماته للخلفاء
والوزراء والأمراء وغيرهم مالاً كثيراً، فقد غَنّى لخالد البرمكي فدفع له ألف ألف
درهم، ودفع له ابنه جعفرٌ مثلها، ودفع له ابنه الفضل مثلها أيضاً، هذا فضلاً عما
كان يدفعه له الخلفاء والأمراء.
توفي عن ثمانين عاماً. صنّف كتاب «الأغاني»، وهو
خلاف كتاب أبي الفرج الأصفهاني، رواه عنه ابنه حماد، والزبير بن بكار، وأبو العيناء،
وميمون بن هارون وغيرهم.
زرياب ( 161هـ/777م – 238هـ/ 852م ) :
———————————————————
و مما لا شك فيه و لا جدل كان انتقال زرياب , من بغداد (العباسية) إلى قرطبة (الأموية), نقطة تحول بالغة الأهمية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس, لأن ابتكاراته وتجديداته لم تقتصر على الغناء والموسيقى, ولكنها امتدت لتشمل حياة المجتمع الأندلسي.
نشــــــأته :
زرياب :
هو أبو الحسن علي بن نافع, واشتهر بلقب ( زرياب ). وهو اسم (الطير الأسود) ذي الصوت الرخيم. ويقال إنه لقب بذلك (من أجل سواد لونه وفصاحة لسانه وحلاوة شمائله). أما كلمة ( زرياب ) فهي فارسية الأصل وتعني (ماء الذهب).
ولد زرياب في بغداد عام 161هـ/777م. و توفي زرياب في قرطبة عام 238هـ/ 852م
ويبدو أن والده كان من الوافدين إلى بغداد, وكان زرياب من موالي الخليفة العباسي المهدي (ت169هـ/785م).
قالت المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه في كتابها المعروف (شمس العرب تسطع على الغرب) : (كان الفتى الكردي زرياب ألمع تلاميذ مدرسته).
تعلم زرياب فن الغناء والموسيقى في بغداد على يد إسحاق الموصلي (ت235هـ / 850م), الذي كان صاحب مدرسة للغناء والموسيقى في العاصمة العباسية, والموسيقار المفضل لدى الخليفة هارون الرشيد (ت193هـ/ 809م).
وإذا كان زرياب قد أخذ في بداية حياته الفنية بعض ألحان أستاذه ووضعها في أغان جديدة له مع شيء من التغيير والتطوير, فإنه سرعان ما انطلق مستقلاً في ألحانه وأغانيه, بحيث لم تمض سنوات قليلة حتى أتقن (صناعة) الغناء والموسيقى اتقاناً فاق فيه أستاذه, لا سيما أن الكثير من عناصر النبوغ والإبداع كانت متوافرة في شخصيته.
وقد نقل الزرياب كل ما سبق له معرفته من آلات موسيقية في بلاد المشرق إلى الأندلس، وأخذ يتفنن عليها ويبتكر فيها ليجتمع بذلك في الأندلس ثروة كبيرةً جداً من الآلات الموسيقية لم تجتمع في أي بلد قبله، ليصبح بذلك زرياب حلقة الوصل التي نقلت الفنون الموسيقية وآلاتها من الشرق إلى الغرب.

قصة الكذب و التلفيق في اذكاء الصراع بين الموصلي وزرياب :
————————————————————-
في بلاط الرشيد
شاءت الظروف أن يطلب الخليفة هارون الرشيد من إسحاق الموصلي أن يرشح له مغنياً بارعاً, فذكر له تلميذه زرياب , وقال إنه قد اتقن الغناء والموسيقى على يديه, ويتوقع أن يكون له شأن كبير في مقبل الأيام. فطلب الرشيد منه أن يصطحبه معه إلى مجلسه.
وبالفعل حضر زرياب برفقة أستاذه إلى مجلس الخليفة. ودار حوار بين الرشيد وزرياب حول بعض المسائل الفنية, ثم سمع ألحانه وغناءه, فأعجب به إعجابا شديداً, بل دهش بما انطوت عليه شخصيته من عقل ومنطق ومواهب فنية.
و لككنا هنا نقف مع هذا الفنان العظيم – إسحاق الموصلي – لحقته تلك الأكذوبة أو التهمة الباطلة, فظل بعض مؤرخي الأدب والغناء يردّدونها بعد رحيله حتي صارت حقيقة و هذا مجرد كذب و اشاعة و افتراء مغرض لتشويه تاريخ العرب المجيد .
والأكذوبة مفادها أن زرياب الملحن المغني الذي اشتهر في الأندلس خلال الثلث الأول من القرن الثالث الهجري, إنما هاجر من بغداد إلى المغرب, ثم إلى الأندلس في أواخر القرن الثاني الهجري خوفًا من بطش إسحاق الموصلي, وتآمره عليه وتهديده له بالقتل إن لم يغادر بغداد ويسافر إلى أقصى مكان في الأرض يرزق فيه. والقصة أن إسحاق كان تعهّد بالتعليم والتثقيف في الغناء والتلحين غلاما للخليفة المهدي اسمه – زرياب – حتى برع الغلام وصار من أمهر الملحنين وأضرب الضاربين بالعود, فضلاً عن جمال صوته وقدمه إلى الخليفة الرشيد, فبهرته عبقرية المغني الملحن الضارب, فقال لإسحاق معاتبًا: كيف سمعت منه هذه الروائع كلها ولم تخبرنا? وصرفهما الرشيد, فلما صارا خارج القصر, أمسك إسحاق بخناقه وقال له مغيظًا محنقًا إنهما لا يجمعهما مكان, فلما استعطفه زرياب لم يلتفت إليه, ورفع عقيرته مهدّدًا بالويل والثبور.
فخشي زرياب أن يغتاله إسحاق, فرحل عن بغداد, هكذا تصور هذه القصة المنحولة, الفنان الشاعر الأديب العالم المتفقه في الدين المشهور بالعفة والاستقامة وكمال المروءة كأنه أحد عتاة الشطار وقطّاع الطرق في بغداد!!
وهو – كما وصفه الخليفة المأمون – أكثر دينًا وعلمًا وعفافًا ومروءة من بعض كبار القضاة والعلماء, وقال له إنه لولا اشتهاره بالغناء لأسند إليه القضاء في دولته لشدّة تمسّكه بالعدل, وكان يدخل مجلس الخلافة مع الفقهاء قبل أن يدخله مع المغنين والملحنين, والمتتبع لأحداث القصة يجدها تناقض نفسها بتواريخها وغرابتها.

إن كتب التراث والأغاني منها لا تذكر أن – زرياب – قد تعلم شيئًا من فحول رواة الغناء القديم منذ كان طفلاً في عهد المهدي أو صبيًا صغيرًا أو شابًا إلى أن هاجر إلى المغرب, ثم إلى الأندلس. أما (العقد الفريد) وغيره من كتب الأندلسيين, فضلاً عن كتب المشرقيين, فلا تعتد بهذه القصة ولا تذكر أن عود – زرياب – كان يختلف عن عيدان بغداد لا في أوتاره الحرير, ولا في أوتار المصران, فالثابت عند الثقات أن أول من أدخل التعديل والتحسين على العيدان هو – زلزل – ضارب العود الأشهر. فانقرض العود الفارسي الذي كان يستعمله المغنون, ولم يبق في أيديهم إلا عود زلزل بأوتاره الأربعة, ويقال إن زرياب أدخل وترًا خامسًا على العود بعد استقراره في الأندلس, أي بعد رحيله عن بغداد بثلاثين عامًا تقريبًا, ولا دليل على أنه فعل ذلك إلاّ قول الرواة. وإن كان معروفًا أن الوتر الخامس دخل على عيدان الأندلس قبل دخوله على عيدان المشرق.
مع أن الثابت تاريخيًا أن إسحاق الموصلي تحدث عن هذا الوتر غير مرة حديثًا نظريًا, ولم يكن يحتاج إليه الغناء العربي في ذلك الزمان.
هذه كانت صفحات مشرقة مشرفة من قصص العرب صنعت الابداع و الفن الجميل اراد البعض تشويهها لحاجة في النفس و النيل من الحضارة العربية و الاسلامية و لكن هيهات هيهات فالتاريخ جد محايد لا يتعترف بالتزوير و يبقي سجل العرب خالد بالعظماء من خلال الشخصية التي برزت في العلوم و الآداب و الفنون و الثقافة فقدمت كل جديد الي الغرب بل الانسانية جمعاء دون تحيز دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى