جمعتنا وشائج الأرحام == وتلاقينا في حمى الآلام
فتألبنا أمّة سوف تحيي == ما ذوى في النّفوس من أحلام
فإذا صاح في فلسطين ليث == ردّدت صوته ليوث الشّام
وإذا جادت العراق ذهاب == نبت العشب في حمى الأهرام
علمتنا تجارب الدّهر أنّ الغرب ذئب لكن بجلد نعام
أهميّة اللغة العربيّة ودورها التراثي الحضاري.
فدعنا نتساءل اليوم تساؤل الجاهل ،ألا يجدر بنا نحن العرب،أن نستفيد من هذه التجارب،لندرأ الأخطار التي تعصف بنا من الغرب،وخاصّة في ظلّ الهيمنة الغربية ،وسياسة القطب الواحد،التي تهدّد كياننا وعروبتنا وحاضر لغتنا العربيّة ومستقبلها….؟؟!وقد يتبادر إلى ذهن أحدكم سؤال،وهل للغة هذه الأهميّة القصوى في تعزيز تضامننا ووحدتنا حتى يفكّر العدوّ بهدم بنيانها،وإضعاف أثرها القومي والعروبي؟يقول د.يوسف زيدان مدير قسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية من كتابه (التقاط الألماس في كلام النّاس):لايمكن لأمّة أن تنهض إلاّ بالاستناد إلى تراثها،ولايمكن أن نهتمّ بالتّراث والفلسفة،دون لغة)فاللغة هي الجسر الذي نعبر عليه إلى عالم المعرفة والحضارة والتراث،وإذا ما تقوض بنيان هذا المعبر”لاسمح الله” لسبب من الأسباب،فإنّ كنوز المعرفة والثقافة في خطر، لأنّ أداة نقلها من الماضي إلى الحاضر،تصبح مهددة بالاندثار والضّياع.وفي هذا الوصف شيء من الجواب على أهميّة اللغة العربية ومكانتها بالنسبة إلينا نحن العرب،في ماضينا التّليد وحاضرنا المشرق.
ولقد عرف عدوّنا هذه الحقيقة،منذ أن هبّت عليه وعلى بلاده رياح حضارتنا بكلّ أطيافها وألوانها وفي مقدمتها لغتنا العربية،التي هي كنز هذه الحضارة، وحاول أن يقوّض أركان هذا البنيان وهذا الرّابط الذي يربط بين أبناء الأمة الواحدة ،ويحمي ثقافتها وحضارتها من الضياع وقد توجّه الشّاعر المهجري الياس قنصل بالخطاب إلى من يحاول أن يفرق بيننا،ويبثّ سموم الحقد والكراهية نحونا قائلاً:لاتحاول ذلك ،فجهدك ضائع،وقد جعل الشّاعر من لغة الضاد ركناً مكيناً في بناء العروبة والقوميّة بقوله:
يامن يحاول أن يفرّق بيننا == ويبث سمّ الحقد والشحناء
إنّ العروبة قد تفتح جفنها == في مصر،في لبنان في صنعاء
والضاد تجمعنا فجهدك ضائع == ولأنت تأثم دون سفك دماء
وفي رأيي أنّ الأخطار التي تعرضت لها لغتنا العربيّة خلال فترة نضالها الطّويل لإثبات هويتها القوميّة وحفاظها على بيانها وفصاحتها، تصّنف بخطرين رئيسين،خطرٌمن الدّاخل وآخر من الخارج،أمّا الخطر الدّاخلي فيتمثّل بهذه الصّرخات والصراعات التي تنعب في كلّ وادٍ،فمرّةً تصدر من لبنان، وثانية تصدرمن مصر وثالثة من العراق وكلّها تدعو إلى استخدام الدّارجة والعاميّة مكان الفصحى، تقول الدكتورة عزيزة مريدهن في كتابها القومية والإنسانية في الشّعر المهجري:(وحينما قامت المعركة اللغوية في مصر وسورية،وأثيرت حول اللغة العربيّة قضايا كثيرة تتعلّق بالفصحى والعاميّة،وقال فريق بضرورة تهذيب الفصحى كي تصبح سهلة المتناول،وتستطيع مجاراة المدنيّة الحديثة،ورأى فريق بقاءها على ماهي عليه،أدلى الشّاعر يوسف الصّارمي بدلوه بين الدّلاء في هذه القضيّة موجهاً كلامه إلى العربيّة السّمحاء جاعلاً من اللغة وطناً كريماً وديناً نزيهاً وأمّأً رؤوماً:
أسيّدة الورى أدباً وعلماً == ومعرفة وسلطاناً وجاها
أأنت لنا سوى وطن كريم == ودين في نزاهته تناهى
ولست لنا سوى أمّ رؤوم == تدور الحانيات على رحاها
اللهجات المحليّة ، واللغات الدارجة أو العاميّة على مستوى الوطن العربي..
فإذا علمنا كم من اللهجات المحليّة أي اللغات الدارجة أو العاميّة على مستوى الوطن العربي،وهذه اللهجات تختلف بين قطر وآخر،وبين مدينة وأخرى في القطر الواحد،فلهجة سكّان حلب مثلاً هي غير أهل دمشق،وقد تختلف بين حيٍّ وحيٍّ في المدينة الواحدة،فلهجة أهل الشّاغور مثلاً هي غير لهجة أهل برزة،وقد تختلف بين قريةٍ وأخرى،ولا داعي للأمثلة فأنتم تعرفون كثيراً منها.
وسوف أذكر بعض تقسيمات وتفرعات اللهجات القطرية،على سبيل المعرفة لا الحصر:
ــ اللهجة المصريّة وهذه تضمّ عدّة لهجات مثل:القاهرية والإسكندرانية والصعيدية والشّرقية والنّوبيّة.
ــ لهجات الجزيرة العربيّة وتضمّ:الحساوية والحجازية والشّمالية والقصيمية والنّجدية واللهجات البدوية.
وهي منتشرة في كلّ الدّول العربية إلاّ أنّها تعتبراللهجة المهيمنة في كلّ من دول الخليج،السّعودية،
العراق ،ليبيا، الأردن.
ــ اللهجات الجنوبية:وتضمّ اللهجتان:الخليجية واليمنية.
الخليجية وتضمّ:البحرانية والكويتية والعمانية والشّحية. اليمنية وتضمّ:اليافعية والصّنعانية والحضرمية والمهرية(وبعضهم يقول هي لغة وليست لهجة)لغة أهالي المحافظة الشرقية في اليمن وتمثل (سبأ وحمير وقتبان)وكلماتهم تؤكد قربهم من الملكة بلقيس، والسّقطرية والسّاحلية(التّهامية والحديدة) والعدنية.
ــ اللهجات الشّاميّة:ومن ضمنها:اللهجات السّورية وتضمّ:الدّمشقية والحلبية والحمصية واللاذقانية والحورانية والدّيرية واللهجة السّاحلية وجبلا العرب وغيرها.
ــ اللبنانية وتضمّ البيروتية والطرابلسية والجنوبية والبقاعية وغيرها باختلاف المدن والقرى اللبنانية.
ــ الأردنية والفلسطينية وتتشابهان إلى حدّكبير،وتضمان:الخليلية والغزاوية والمقدسية والبدوية وغيرها.
ــ اللهجة العراقية وتضمّ:المصلاوية والبغدادية والأنبارية والبصراوية.
ــ لهجات المغرب العربي وتضمّ: الجزائرية والمغربية والتّونسية والليبية.
ــ اللهجة الموريتانية،واللهجة الحسانية المستعملة في الصّحراء الغربية ومعظم موريتانيا وهي خليط من العربية واللهجات الصنهاجية(الأمازيغية القديمة)وسوف أتناولها بالتّفصيل في هذه المحاضرة.بقي اللهجة السّودانية ولهجات بدو النّقب وسيناء…………إلخ.
وقد تتغير هذه اللهجات القطرية والمحلية بين زمن وآخر،تبعاً لتعاقب الأجيال
فتصّوروا كم يكون ذلك خطيراً؟لو وسّعنا الدّائرة على مستوى الوطن العربي،ولو عملنا بدعواتهم وهجرناالفصحى وشدا لساننا بهذه اللهجات،لأعلنا على الملأ نعوة لغتنا ولوارينا الُثرى كل ّذلك التّراث الذي نعتّز به،بل لأصبحت أمّتنا أمماً وشعوباً متفرّقة،كما يخطّط لها أعداؤها وكما يريدون لها أن تكون!!حتى يصبح هناك فجوة في فهم واستيعاب تراثنا وثقافتنا بين الأجيال المتعاقبة،,وأحياناً بين أبناء الجيل الواحد،مما يساعد على هدم البنيان الثقافي والحضاري لهذه الأمة.
وإذا ماحدث هذا الأمر الجلل،ضاعت هويتنا وفقدنا وطننا::”فلا هويّة دون لغةٍ،ولا وطنٌ من دون هويّة” و قد.عبّرت الكاتبة قمر كيلاني في زاوية معاً على الطريق،بعنوان (دور مضاد للغة الضّاد)في صحيفة الثورة العدد1357 تاريخ 25نيسان 2008 عبّرت عمّا يبدو هاجساً للغيورين على اللغة العربيّةوالمتمسكين بها وجهاً حضاريا بقولها:(وها هي سورية..ومن دمشق الشّعلة لأوّل مجمع لغوي عربي ترأسّه العلاّمة (محمد كرد علي)صاحب خطط الشّام.
ثمّ تلاه الشّاعر الكبير(خليل مردم)يحمل الشّعلة النّهضويّة مع العاصمة الثقافيّةلتشعل معها مجامع لغوية عربية أخرى في أثر البلاد العربيّة،كما هو الحال مع مجمع اللغة العربية في مصر،إنّ حملاتٍ نشطةً وفاعلة ومتداولة بين المجامع اللغوية العربية تصبح الآن جزءاً من الهويّة العربيّة،وتتابعاً لكلّ الجهود تحت جناح جامعة الدّول العربية، في أفق غير محدود لحركات التّحديث والتّطوير والتّعريب الخ..ممّا يبدو هاجساً للغيورين على اللغة العربية والمتمسكين بها وجهاً حضاريّاً.ثمّ تضيف الكاتبة معبرة عن عشقها وتمسكها بلغتها العربي(أمّا نحن ..ذاك الجيل الذي فتح عيون ثقافته على قامات سامقات في الثقافة والأدب.
وفي الحفاظ على اللغة العربيةفي أصالتها بل عشقها وحمل أمانتها أقول نحن على عهدنا باقون..ولنورها وسياقها مع العصر محافظون)ونحن بدورنا نشدّ على يدي الكاتبة لحبها وتمسّكها بلغتها العربيةوندعو إلى اليقظةونقول: حذار حذار من هذه الدّعوات المشبوهة، فمذاقها في البداية عذبٌ،ولكنّه في النّهاية سمٌّ زعافٌ،
وهذا حافظ ابراهيم يطلق صرخة مدويّة على لسان العربيًة ما يزال صداها يجلجل في أرض الكنانة بل أرض العروبة جميعها،وكأنّها قيلت اليوم ،محذّراً من هذه الدّعوات الخبيثة مخاطباً معا شر الكتّاب أن يعوا حقيقتها وأن يكونوا يقظين لأهدافها :
وأسمع للكتّاب في مصر ضجّةٌ == فأعلم أنّ الصّائحين نعاتي
أيهجرني قومي ـ عفا اللّه عنهم == إلى لغةٍ لم تتصّل برواتي
فجاءت كثوبٍ ضمّ سبعين رقعةً == مشكّلة الألوان مختلفات
إلى معشر الكتّاب والجمع حافلٌ == بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإمّا حياةٌ تبعث الميت في البلى == وتنبت في تلك الرّموس رفاتي
وإمّا مماتٌ لاقيامة بعده == مماتٌ لعمري لم يقس بممات