دراسات و مقالات

(العربيّة بين الشعوبيّة… والعالميّة) للكاتب: حيدر وطن

بحث طويل، سوف أعمل بعون الله على نشر حلقاته على شكل أجزاء متسلسلة ،ليتم للسادة القراء الإطلاع عليه،وتسهيلاً لمعالجة أفكاره، وعناوينه المتعدّدة.

وطائف اللغة..!!
في وعصرنا الحاضر،وبالرغم من تعدّد وظائف اللغة على المستويين العربي والعالمي،وتطوّر مهامها بتطوّر التقنيات الحديثة،لكنّ دلالتها الوطنيّة والقوميّة ماتزال راسخة رسوخ الأمّة:

فهي أولاً:وقبل كلّ شيء تؤكد على ذاتيّة ،وخصوصيّة هويتنا الوطنيّة والقوميّة،وعقيدة انتماء الأمّة إلى لغتها، واللغة إلى أمتها من خلال حفل افتتاح دمشق عاصمة للثقافة العربية:
(فلا هويّة دون لغة …ولا وطن من دون هويّة).

ثانياً:إنّ لغتنا بغنى مفرداتها،وبضوابط قواعد نحوها، وصرفها،وعراقة بلاغتها، وفصاحتها،تمثّل هذا النسيج المتكامل،والرباط الوثيق الذي يربط بين ماضي الأمة وحاضرها،والدماء المتدفقة في شرايينها لتظلّ روحاً تنبض بالحياة،لا جثّة محنّطة كما أراد لها بعض الشعوبيين والحاقدين من دعاة العاميّة.
ثالثاً:واليوم،ولكافة هذه الأسباب، أصبحنا ندرك أنّ اللّغة اختراع خارقُ من اختراعات الإنسان العجيبة ، وهي أداة تعبيرٍ عن الشّعور والفكر،وعن الرّغبة والإرادة،ولو أنّ بعض الباحثين والمهتمين بالدّراسات اللغوية ،أخذوا ينظرون إلى وظيفة اللغة بمنظار آخر فهي عندهم ليست مجرد وسيلة للتعبير والتّفاهم بين بني البشر،وليست فقط وعاء تختزن فيه الشّعوب ثقافتها وآدابها،وإنّما أنيط بهاو دور آخر وهي المساهمة في صناعة العالم كما يقول الكاتب عقبة زيدان في مقالة له ،نشرت في إحدى الصحف المحليّة تحت عنوان (النّشاط اللغوي)مع اهتمام الباحثين بالدراسات اللغوية،وتسنمها منصباً رائداً،تغيّرت النّظرة إلى اللغة،ولم تعد فقط هي الوسيلة التي يتمّ من خلالها التّواصل بين أبناء الجنس البشري،وأصبحت حياة اللغة موضوعاً معقداً، تمّ تبسيطه من قبل بعض المتعصبين،وتمّ الاعتراف بقوّة بوجود نشاط مواز لنشاط الإنسان العام،هو النّشاط اللغوي،الذي يتمتّع به الإنسان فريداً.


أهميّة اللغة العربيّة ودورها التراثي الحضاري.

فدعنا نتساءل اليوم تساؤل الجاهل ،ألا يجدر بنا نحن العرب،أن نستفيد من هذه التجارب،لندرأ الأخطار التي تعصف بنا من الغرب،وخاصّة في ظلّ الهيمنة الغربية ،وسياسة القطب الواحد،التي تهدّد كياننا وعروبتنا وحاضر لغتنا العربيّة ومستقبلها….؟؟!وقد يتبادر إلى ذهن أحدكم سؤال،وهل للغة هذه الأهميّة القصوى في تعزيز تضامننا ووحدتنا حتى يفكّر العدوّ بهدم بنيانها،وإضعاف أثرها القومي والعروبي؟يقول د.يوسف زيدان مدير قسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية من كتابه (التقاط الألماس في كلام النّاس):لايمكن لأمّة أن تنهض إلاّ بالاستناد إلى تراثها،ولايمكن أن نهتمّ بالتّراث والفلسفة،دون لغة)فاللغة هي الجسر الذي نعبر عليه إلى عالم المعرفة والحضارة والتراث،وإذا ما تقوض بنيان هذا المعبر”لاسمح الله” لسبب من الأسباب،فإنّ كنوز المعرفة والثقافة في خطر، لأنّ أداة نقلها من الماضي إلى الحاضر،تصبح مهددة بالاندثار والضّياع.وفي هذا الوصف شيء من الجواب على أهميّة اللغة العربية ومكانتها بالنسبة إلينا نحن العرب،في ماضينا التّليد وحاضرنا المشرق.
ولقد عرف عدوّنا هذه الحقيقة،منذ أن هبّت عليه وعلى بلاده رياح حضارتنا بكلّ أطيافها وألوانها وفي مقدمتها لغتنا العربية،التي هي كنز هذه الحضارة، وحاول أن يقوّض أركان هذا البنيان وهذا الرّابط الذي يربط بين أبناء الأمة الواحدة ،ويحمي ثقافتها وحضارتها من الضياع وقد توجّه الشّاعر المهجري الياس قنصل بالخطاب إلى من يحاول أن يفرق بيننا،ويبثّ سموم الحقد والكراهية نحونا قائلاً:لاتحاول ذلك ،فجهدك ضائع،وقد جعل الشّاعر من لغة الضاد ركناً مكيناً في بناء العروبة والقوميّة بقوله:

يامن يحاول أن يفرّق بيننا == ويبث سمّ الحقد والشحناء
إنّ العروبة قد تفتح جفنها == في مصر،في لبنان في صنعاء
والضاد تجمعنا فجهدك ضائع == ولأنت تأثم دون سفك دماء

وفي رأيي أنّ الأخطار التي تعرضت لها لغتنا العربيّة خلال فترة نضالها الطّويل لإثبات هويتها القوميّة وحفاظها على بيانها وفصاحتها، تصّنف بخطرين رئيسين،خطرٌمن الدّاخل وآخر من الخارج،أمّا الخطر الدّاخلي فيتمثّل بهذه الصّرخات والصراعات التي تنعب في كلّ وادٍ،فمرّةً تصدر من لبنان، وثانية تصدرمن مصر وثالثة من العراق وكلّها تدعو إلى استخدام الدّارجة والعاميّة مكان الفصحى، تقول الدكتورة عزيزة مريدهن في كتابها القومية والإنسانية في الشّعر المهجري:(وحينما قامت المعركة اللغوية في مصر وسورية،وأثيرت حول اللغة العربيّة قضايا كثيرة تتعلّق بالفصحى والعاميّة،وقال فريق بضرورة تهذيب الفصحى كي تصبح سهلة المتناول،وتستطيع مجاراة المدنيّة الحديثة،ورأى فريق بقاءها على ماهي عليه،أدلى الشّاعر يوسف الصّارمي بدلوه بين الدّلاء في هذه القضيّة موجهاً كلامه إلى العربيّة السّمحاء جاعلاً من اللغة وطناً كريماً وديناً نزيهاً وأمّأً رؤوماً:

أسيّدة الورى أدباً وعلماً == ومعرفة وسلطاناً وجاها
أأنت لنا سوى وطن كريم == ودين في نزاهته تناهى
ولست لنا سوى أمّ رؤوم == تدور الحانيات على رحاها


ـ فعاليّة اللغة..(النشاط اللغوي).
ـ العوامل المؤثرة في اللغة.
ـ الميزات الخاصة لكلّ لغة من اللغات الحيّة.
تمتعّت اللغة بفعالية عالية،وهذه الفعالية هي التي أظهرت اللغة سنداً للحريّة التي يبتغيها الإنسان ويحلم بها على الدّوام.ومن خلال النّظرة الجديدة والبحث المتفرّد والحثيث،أثبتت اللغة أنّها تسهم في صناعة عالم معيّن ،باعتبارها جهد الإنسان في التّعرف، والإدراك، والتّميز،وهي أيضاً نشاط الإنسان ورؤيته الخاصّة.
وقد أثبتت اللغة أيضا “أنّنا ننمو من خلالها”ومن خلالها أيضا”يشرق شيء نسمّيه العالم”.وفي نظر(هيدجر)فإنّ الفرد لم يخلق العالم المشترك،ولم يخلق اللغة،ولا يعزو إلى الكلمات معاني اعتباطاً،ولا يستطيع من خلال الكلمات أن يجبر الكلمات على أداء شيء مختلف عن إمكانيتها.
ويرى (جادامير)بأنّ اللغة صنعت حيّزاً مفتوحاً نسميه باسم( تكشّف الوجود)،لكن هذا التّكشّف ينظر إليه أحيانا على أنّه أمر يخدم نزعات خاصة بتصدي الذّات وتسلطها).
ومن هذا الدّور البالغ الأهميّة للمسيرة الكونيّة للغات الحيّة في العالم، نرى أنّها قد تأثّرت عبر التاريخ،بعوامل كثيرةٍ،منها:الإقليم ،والبيئة، والأمزجة والثّقافة،وغير ذلك من عوامل الحياة الطارئة، والمتطوّرة كالحروب، والفتوح، والثّورات، والاجتياح والهجرات، والرّحلات.
فنشأت لكلّ لغة قومٍ،مزايا ونقائصٍ حسب الأحوال والأحداث التي مرّت بها،فمن هنا حصلت الفروق بين اللّغات،وأصبح لكلّ لغةٍ طابعُ خاصٌ بها،وأصبح للعربيّة كسائر اللغات بنيانٌ خاصُ مميّزٌ في المفردات، والتّراكيب، والأساليب، والمعاني نثراً وشعراً.
وهو موضوع حديُثنا في الجزء الرابع القادم بإذن الله.

العثرات، والأخطار التي تعترض مسيرة تطوّر لغتنا العربيّة.
*****************************************
فكم سطّرت لغتنا الفصحى بمداد أقلام مبدعيها أمجاداً وأمجاداً عبر مسيرة كفاحها الطّويل بالرغم من كلّ العواصف والأخطار والنوائب التى اعترضتها في الماضي،وتعترضها في الحاضر.وفي سلسلة لغتنا العربيّة،خزانة ثقافتنا،وعنوان حضارتنا،وهويّتنا القوميّة،وحافظة آدابنا،سوف تكون دعوتي مرّة ثانية للحفاظ عليها من هذه الأخطار التي تتهددها..!!
أ‌- عالميّة اللغة العربية:

خاصة عندما نعلم أنّ أكثر من/ 420/مليون نسمة في العالم يتكلمون هذه اللغة ،يتوزعون على الوطن العربي والدول الأجنبية المجاورة والبعيدة،فهي إحدى أهمّ اللغات الحيّة ، كما ذكرت آنفاً ، بل أمّ اللغات كما قال الشّاعر :

أمّ اللغات غداة الفخر أمّهم == وإن سألت عن الآباء فالعرب

لذلك يجب علينا أن نوليها اهتمامنا، ولا نستصغر شأنها ،بينما غيرنا تعظم في نظره،فيدرسها لأبنائه ويفتح لها المعاهد والكليّات في جامعاته ،كما سوف نرى لاحقاً.كما ندعو لها بمزيدٍ من التّقدّم وسعة الانتشار دون أن ننسى،أنّه بمقدار ما لها من أهميّة عالميّة،بمقدار ما تتعرض للأخطار ويحاربها أعداؤها بمحاولة طمس معالمها،وتفتيت بنيتها،وبناء سدودٍ،وإقامة حواجزٍ،وحفر خنادقٍ،أمام طريق نموّها وتطوّرّها،

ب‌- الأخطار المحيقة باللغة العربيّة ،ودفاع الأدباء عنها في أدبهم:

فما تشجيع النّزعات الإقليمية، والإثنية ،واللهجات المحليّة والدّارجة،على حساب الفصحى أو الفصيحة،إلاّ محاولةٌ من أعدائها،لهدم بنيانها،وكسر شوكتها..
ج ـ الدفاع عن اللغة الأم..وكلّما حاولوا إضعافها،تصدّى لهم مفكّروها، ومؤيدوها على ساحة الوطن العربي، وغيره،وكشفوا زيف خداعهم،وقطّعوا حبائل أباطيلهم،وأفشلوا كلّ محاولةٍ لإقصائها عن السّاحتين العربيّة والعالميّة،وانظر معي كيف أنّ لغتنا العربية انتصرت في الماضي على أعدائها وخاصّة عندما اختلطت بلغاتٍ كونيةٍ أخرى،كالفارسيّة والرّوميّة ،واللاتينيّة،وامتزجت بثقافاتٍ متنوّعةٍ،أثناء الفتوحات الإسلاميّة وبعدها،وأثّرت وتأثّرت بثقافة تلك الشّعوب‘دون أن تفقد خصوصيتها،وخاصّة أثناء الغزو الثّقافي الغربي لبلادنا في بدايات القرن الماضي،ومحاولات فرض لغته وثقافته على أمّتنا العربية وكذلك خروج طليعة أدبائنا وشعرائنا للدراسة في جامعات الغرب ،وخاصّة في فرنسا،مثل طه حسين، وأحمد شوقي ،وجبران خليل حبران،وبعدها بعقودٍ نزح عدد كبير من المهاجرين إلى الأمريكتين،طلباً للرزق وسعياً وراء لقمة العيش،وهرباً من ممارسات المحتلين للوطن.كلّ ذلك لم ينس أدباءنا ومفكرينا لغتهم وثقافتهم،فمن عاد منهم إلى أرض الوطن،سطّر أجمل إنتاجه الفكري والأدبي بلغته العربيّة الأجنبية التي تلقّنها خارج حدود الوطن، وقصيدة شوقي التي ألقاها في تكريمه، ومبايعته بإمارة الشَعر في آذار عام/ 1927/خير شاهدٍ على ذلك ،إذ أنّها تكشف عن وعي الشاعر بدور الشعر في تجسيد الهويّة العربيّة، والانتماء العربي، وحفظ أمجاد الأمّة ومفاخرها،ووعيه الشّعري هو في حياة هذه الأمّة يقول:
كان شعري الغناء في فرح الشّرق == وكان العزاء في أحزانه
قد قضى الله أن يؤلفنا الجرح == وأن نلتقي على أشجانه
كلّما أنّ في العراق جريحٌ == لمس الشّرق جنبه في عمانه

ج ـ اثر الأدب المهجري على مسيرة اللغة العربية والدفاع عنها:

ومن بقي منهم في المهجر،ظلّ طائراً مغرّداً يشدو بصوته العربي أجمل الألحان،ويرسلها عبر الأثير أطيافاً ساحرةً من نوازع الشّوق، والحنين إلى الأهل والأحبّة في أرض الوطن.الذي رضع العروبة منه منذ صغره وعندما شبّ وكبر ثم هاجر عن ترابه لم ينسى لغته الأم ،وعقيدته القوميّة فهاهو الشّاعر المهجري (أبو الفضل الوليد) يسطّر بيراعه قصيدةً نظمها منذ عام /1913/يؤكّد فيها على اتجاهه القومي،عروبةً ودماً ولساناً،وسوف يظهر من الأبيات كم هو متقدّمٌ على بعض شباب ومثقفي اليوم،الذين يرون في التّمسك بلغتهم الفصحى، وبعروبتهم ،فيه شيء من السّلفية والشّوفينية،يقول الشّاعر:

إلى كلّ شعبٍ فيه عرقٌ من العرب == كتبت وهذا الشّعب أحسبه شعبي
تفرقت الأقوام والأصل واحدٌ == فحبّاً لجمع الشّمل يجمعهم قلبي
فأعظم وأكرم باتحادٍ ونسبةٍ == إلى دولةٍ تمتد في الشّرق والغرب
وما هي إلاّ أمّة عربيّـــــــــــةٌ دماً ولساناً ليس تفصل بالتّرب

فما أحوجنا اليوم للتأكيد على هذا الخطاب ،وغرسه في عقول النّاشئة ، لأنّ أعداءنا يريدون أن يمسحوه من ذاكرتهم، ومعارفهم .
ودقّق معي في هذه المعاني التي تتدفق من إحساس شاعري صادق،بالآلام التي خلفتها لهم تجاربهم مع الغرب وكانت سبباً في تأليف قلوبهم، وجعلهم أمّة واحدة تصدّ عدوان المعتدين، يقول الشّاعر زكي قنصل:


جمعتنا وشائج الأرحام == وتلاقينا في حمى الآلام
فتألبنا أمّة سوف تحيي == ما ذوى في النّفوس من أحلام
فإذا صاح في فلسطين ليث == ردّدت صوته ليوث الشّام
وإذا جادت العراق ذهاب == نبت العشب في حمى الأهرام
علمتنا تجارب الدّهر أنّ الغرب ذئب لكن بجلد نعام

أهميّة اللغة العربيّة ودورها التراثي الحضاري.

فدعنا نتساءل اليوم تساؤل الجاهل ،ألا يجدر بنا نحن العرب،أن نستفيد من هذه التجارب،لندرأ الأخطار التي تعصف بنا من الغرب،وخاصّة في ظلّ الهيمنة الغربية ،وسياسة القطب الواحد،التي تهدّد كياننا وعروبتنا وحاضر لغتنا العربيّة ومستقبلها….؟؟!وقد يتبادر إلى ذهن أحدكم سؤال،وهل للغة هذه الأهميّة القصوى في تعزيز تضامننا ووحدتنا حتى يفكّر العدوّ بهدم بنيانها،وإضعاف أثرها القومي والعروبي؟يقول د.يوسف زيدان مدير قسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية من كتابه (التقاط الألماس في كلام النّاس):لايمكن لأمّة أن تنهض إلاّ بالاستناد إلى تراثها،ولايمكن أن نهتمّ بالتّراث والفلسفة،دون لغة)فاللغة هي الجسر الذي نعبر عليه إلى عالم المعرفة والحضارة والتراث،وإذا ما تقوض بنيان هذا المعبر”لاسمح الله” لسبب من الأسباب،فإنّ كنوز المعرفة والثقافة في خطر، لأنّ أداة نقلها من الماضي إلى الحاضر،تصبح مهددة بالاندثار والضّياع.وفي هذا الوصف شيء من الجواب على أهميّة اللغة العربية ومكانتها بالنسبة إلينا نحن العرب،في ماضينا التّليد وحاضرنا المشرق.

ولقد عرف عدوّنا هذه الحقيقة،منذ أن هبّت عليه وعلى بلاده رياح حضارتنا بكلّ أطيافها وألوانها وفي مقدمتها لغتنا العربية،التي هي كنز هذه الحضارة، وحاول أن يقوّض أركان هذا البنيان وهذا الرّابط الذي يربط بين أبناء الأمة الواحدة ،ويحمي ثقافتها وحضارتها من الضياع وقد توجّه الشّاعر المهجري الياس قنصل بالخطاب إلى من يحاول أن يفرق بيننا،ويبثّ سموم الحقد والكراهية نحونا قائلاً:لاتحاول ذلك ،فجهدك ضائع،وقد جعل الشّاعر من لغة الضاد ركناً مكيناً في بناء العروبة والقوميّة بقوله:

يامن يحاول أن يفرّق بيننا == ويبث سمّ الحقد والشحناء
إنّ العروبة قد تفتح جفنها == في مصر،في لبنان في صنعاء
والضاد تجمعنا فجهدك ضائع == ولأنت تأثم دون سفك دماء

وفي رأيي أنّ الأخطار التي تعرضت لها لغتنا العربيّة خلال فترة نضالها الطّويل لإثبات هويتها القوميّة وحفاظها على بيانها وفصاحتها، تصّنف بخطرين رئيسين،خطرٌمن الدّاخل وآخر من الخارج،أمّا الخطر الدّاخلي فيتمثّل بهذه الصّرخات والصراعات التي تنعب في كلّ وادٍ،فمرّةً تصدر من لبنان، وثانية تصدرمن مصر وثالثة من العراق وكلّها تدعو إلى استخدام الدّارجة والعاميّة مكان الفصحى، تقول الدكتورة عزيزة مريدهن في كتابها القومية والإنسانية في الشّعر المهجري:(وحينما قامت المعركة اللغوية في مصر وسورية،وأثيرت حول اللغة العربيّة قضايا كثيرة تتعلّق بالفصحى والعاميّة،وقال فريق بضرورة تهذيب الفصحى كي تصبح سهلة المتناول،وتستطيع مجاراة المدنيّة الحديثة،ورأى فريق بقاءها على ماهي عليه،أدلى الشّاعر يوسف الصّارمي بدلوه بين الدّلاء في هذه القضيّة موجهاً كلامه إلى العربيّة السّمحاء جاعلاً من اللغة وطناً كريماً وديناً نزيهاً وأمّأً رؤوماً:

أسيّدة الورى أدباً وعلماً == ومعرفة وسلطاناً وجاها
أأنت لنا سوى وطن كريم == ودين في نزاهته تناهى
ولست لنا سوى أمّ رؤوم == تدور الحانيات على رحاها

اللهجات المحليّة ، واللغات الدارجة أو العاميّة على مستوى الوطن العربي..

فإذا علمنا كم من اللهجات المحليّة أي اللغات الدارجة أو العاميّة على مستوى الوطن العربي،وهذه اللهجات تختلف بين قطر وآخر،وبين مدينة وأخرى في القطر الواحد،فلهجة سكّان حلب مثلاً هي غير أهل دمشق،وقد تختلف بين حيٍّ وحيٍّ في المدينة الواحدة،فلهجة أهل الشّاغور مثلاً هي غير لهجة أهل برزة،وقد تختلف بين قريةٍ وأخرى،ولا داعي للأمثلة فأنتم تعرفون كثيراً منها.

وسوف أذكر بعض تقسيمات وتفرعات اللهجات القطرية،على سبيل المعرفة لا الحصر:
ــ اللهجة المصريّة وهذه تضمّ عدّة لهجات مثل:القاهرية والإسكندرانية والصعيدية والشّرقية والنّوبيّة.
ــ لهجات الجزيرة العربيّة وتضمّ:الحساوية والحجازية والشّمالية والقصيمية والنّجدية واللهجات البدوية.
وهي منتشرة في كلّ الدّول العربية إلاّ أنّها تعتبراللهجة المهيمنة في كلّ من دول الخليج،السّعودية،
العراق ،ليبيا، الأردن.
ــ اللهجات الجنوبية:وتضمّ اللهجتان:الخليجية واليمنية.
الخليجية وتضمّ:البحرانية والكويتية والعمانية والشّحية. اليمنية وتضمّ:اليافعية والصّنعانية والحضرمية والمهرية(وبعضهم يقول هي لغة وليست لهجة)لغة أهالي المحافظة الشرقية في اليمن وتمثل (سبأ وحمير وقتبان)وكلماتهم تؤكد قربهم من الملكة بلقيس، والسّقطرية والسّاحلية(التّهامية والحديدة) والعدنية.
ــ اللهجات الشّاميّة:ومن ضمنها:اللهجات السّورية وتضمّ:الدّمشقية والحلبية والحمصية واللاذقانية والحورانية والدّيرية واللهجة السّاحلية وجبلا العرب وغيرها.
ــ اللبنانية وتضمّ البيروتية والطرابلسية والجنوبية والبقاعية وغيرها باختلاف المدن والقرى اللبنانية.
ــ الأردنية والفلسطينية وتتشابهان إلى حدّكبير،وتضمان:الخليلية والغزاوية والمقدسية والبدوية وغيرها.
ــ اللهجة العراقية وتضمّ:المصلاوية والبغدادية والأنبارية والبصراوية.

ــ لهجات المغرب العربي وتضمّ: الجزائرية والمغربية والتّونسية والليبية.
ــ اللهجة الموريتانية،واللهجة الحسانية المستعملة في الصّحراء الغربية ومعظم موريتانيا وهي خليط من العربية واللهجات الصنهاجية(الأمازيغية القديمة)وسوف أتناولها بالتّفصيل في هذه المحاضرة.بقي اللهجة السّودانية ولهجات بدو النّقب وسيناء…………إلخ.

وقد تتغير هذه اللهجات القطرية والمحلية بين زمن وآخر،تبعاً لتعاقب الأجيال
فتصّوروا كم يكون ذلك خطيراً؟لو وسّعنا الدّائرة على مستوى الوطن العربي،ولو عملنا بدعواتهم وهجرناالفصحى وشدا لساننا بهذه اللهجات،لأعلنا على الملأ نعوة لغتنا ولوارينا الُثرى كل ّذلك التّراث الذي نعتّز به،بل لأصبحت أمّتنا أمماً وشعوباً متفرّقة،كما يخطّط لها أعداؤها وكما يريدون لها أن تكون!!حتى يصبح هناك فجوة في فهم واستيعاب تراثنا وثقافتنا بين الأجيال المتعاقبة،,وأحياناً بين أبناء الجيل الواحد،مما يساعد على هدم البنيان الثقافي والحضاري لهذه الأمة.
وإذا ماحدث هذا الأمر الجلل،ضاعت هويتنا وفقدنا وطننا::”فلا هويّة دون لغةٍ،ولا وطنٌ من دون هويّة” و قد.عبّرت الكاتبة قمر كيلاني في زاوية معاً على الطريق،بعنوان (دور مضاد للغة الضّاد)في صحيفة الثورة العدد1357 تاريخ 25نيسان 2008 عبّرت عمّا يبدو هاجساً للغيورين على اللغة العربيّةوالمتمسكين بها وجهاً حضاريا بقولها:(وها هي سورية..ومن دمشق الشّعلة لأوّل مجمع لغوي عربي ترأسّه العلاّمة (محمد كرد علي)صاحب خطط الشّام.

ثمّ تلاه الشّاعر الكبير(خليل مردم)يحمل الشّعلة النّهضويّة مع العاصمة الثقافيّةلتشعل معها مجامع لغوية عربية أخرى في أثر البلاد العربيّة،كما هو الحال مع مجمع اللغة العربية في مصر،إنّ حملاتٍ نشطةً وفاعلة ومتداولة بين المجامع اللغوية العربية تصبح الآن جزءاً من الهويّة العربيّة،وتتابعاً لكلّ الجهود تحت جناح جامعة الدّول العربية، في أفق غير محدود لحركات التّحديث والتّطوير والتّعريب الخ..ممّا يبدو هاجساً للغيورين على اللغة العربية والمتمسكين بها وجهاً حضاريّاً.ثمّ تضيف الكاتبة معبرة عن عشقها وتمسكها بلغتها العربي(أمّا نحن ..ذاك الجيل الذي فتح عيون ثقافته على قامات سامقات في الثقافة والأدب.
وفي الحفاظ على اللغة العربيةفي أصالتها بل عشقها وحمل أمانتها أقول نحن على عهدنا باقون..ولنورها وسياقها مع العصر محافظون)ونحن بدورنا نشدّ على يدي الكاتبة لحبها وتمسّكها بلغتها العربيةوندعو إلى اليقظةونقول: حذار حذار من هذه الدّعوات المشبوهة، فمذاقها في البداية عذبٌ،ولكنّه في النّهاية سمٌّ زعافٌ،

وهذا حافظ ابراهيم يطلق صرخة مدويّة على لسان العربيًة ما يزال صداها يجلجل في أرض الكنانة بل أرض العروبة جميعها،وكأنّها قيلت اليوم ،محذّراً من هذه الدّعوات الخبيثة مخاطباً معا شر الكتّاب أن يعوا حقيقتها وأن يكونوا يقظين لأهدافها :

وأسمع للكتّاب في مصر ضجّةٌ == فأعلم أنّ الصّائحين نعاتي
أيهجرني قومي ـ عفا اللّه عنهم == إلى لغةٍ لم تتصّل برواتي
فجاءت كثوبٍ ضمّ سبعين رقعةً == مشكّلة الألوان مختلفات
إلى معشر الكتّاب والجمع حافلٌ == بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإمّا حياةٌ تبعث الميت في البلى == وتنبت في تلك الرّموس رفاتي
وإمّا مماتٌ لاقيامة بعده == مماتٌ لعمري لم يقس بممات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى