قصة

العجوز والجدار ..

هداية مرزق

ولما لم تحمله قدماه اتكأ على حائط قريب ، اختلطت دموعه بتراب كان يتسلل من شق قديم ، مسحها كي لا تسبب صدعا في الشريان النابض ، هو كل ما ابقاه الزمن في عروق شيخوخة تأبى الارتحال ، استدار يتأمل الطريق الرملي الذي آدمى أصابع قدمه المطلة من ابتسامة بقايا حذاء يحتفظ بالكثير من ذكريات خطواته المتعبة ، هناك عند حافة السلم الخشبي رآها لأول مرة ، ومن ذاك الشيش الآيل للسقوط كانت توصيه بأن لا ينسى الحليب لابنه الرضيع ، تحسس جيوب معطفه بحثا عن قطعة نقدية احتفظ بها تيمنا ، كان سعيدا جدا وهو يتلقى قبلة على جبينه وقطعة نقدية في يده إيذانا بالفرج ، نظر إلى الشق الجاري وقبض على التراب المتسلل كي لا يضيع في بركة من الطين كادت تغرق قدميه .. قال وهو يمسح دمعة كانت تدغدغ وجنته اليمنى : البقاء في شق يتسع كل يوم أفضل يا صديقي من السقوط والاختلاط بالماء العفن ، كل أيامنا تتسلل من بين أصابعنا الواهنة، لا تستسلم قد يجد الجدار من يرمم أوصاله فتكون في قلبه إلى الأبد …
سمع أنات ضعيفه بينما يزداد الشق لفظا للتراب، وضع أذنه على الجدار وراح يستمع لنبض اختلط مع زفراته ، دس يده في جيبه يتفقد قطعة النقود القديمة، لطالما اعتذرت عن تقديم رغيف يقيه مذلة السؤال ، ارتسم وجه ابنه على صفحة الطين وهي تجف على أصابع قدمه الدامية ، ورنّ في أذنه صوت ناعم : لا يمكن أن نعيش بهدوء ووالدك المنهك يحتل زاوية تصلح لطاولة نستفيد منها …
يومها أحس أن الأشياء لا تشبهه ، وأنه أصبح في قائمة سوداء ستلفظه عما قريب، اختار غياب ابنه في مهمة وخرج على أمل اللقاء …
مرت سنوات ولم يسأل عنه أحد ، اختار جدارا يتكئ عليه ويؤنس وحدته ، فكلاهما من طين آيل للسقوط …

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى