شعر

الصّفعةُ الثّانية

عبد الجبار الفياض

رغيفٌ
دفءٌ
ثالثةٌ يدٌ
أُحبُها لأنَّها أُمُّ الخُبز
لا أُحبُها لأنَّها أُمُّ الصّفع . . .
كذا
عشتُ في هذا الثّالوثِ المفتوحِ على حبِّ الأرض . . .
. . . . .
أبي
إنّي أحملُكَ سيزيفَ وصخرتَهُ تاريخاً
ناءتْ بحملهِ مُتونُ أيّامٍ
عصبَ لها الدّهرُ رأسَه
تُراباً عانقَ معارجَ النّجوم . . .
ولو أنَّ كبوةَ الأصيلِ تؤلمُ حتّى الأرض
لكنّما الجذوةُ لا توقدُ من زيتِ جَليد . . .
. . . . .
كنتُ غبيّاً
وقتَ أنَّ قطاراً مُحمّلاً بنفاياتٍ ملفوفةٍ بورقِ الزّينة
وَصَل . . .
كغيري في دوامةِ جودو
لم تبقَ في عيونِنا صورةٌ بلون . . .
أدمى التّصفيقُ يديّ
ذهبَ صوتي هباءً مُلتصقاً بكُلِّ الجدران . . .
غيثٌ من الأسماءِ الصَدفيّةِ همى . . .
ألقيتُ الشّباكَ لصيدٍ وفير !
. . . . .
أينَ أنتَ يا أبي ؟
لتشهدَ ما ستحملُهُ نبوءةُ طَرَفة 1
مَنٌّ وسلوى في أرضِ السّواد
سنُعيدُ لبيتِنا العجوزِ بعضَ شبابِه . . .
عُذراً لأُمّي
قد تدوفُ حنّاءَ الفاو من بعدِ فُراق . . .
هذا عيدٌ غابَ عنهُ كافور
أبو محسّدٍ مِنْ بيدائِهِ التي تعرفُه
يُقبلُّ بأجملِ ثوبٍ من شِعر . . .
دُنيا قوسِ قزح !
. . . . .
أبي
نَمْ قريراً
جاءَنا من أقصى الأرضِ أُناسٌ طيبون
بيدِهم مفاتحُ الصّبر
يلوّحونَ بأغصانِ الزّيتون . . .
ومن بيننا معهم
كُلُّ ضنينٍ على نفسِه
ليطعمَ أفواهاً
يملؤها الهواء . . .
لا تحزَنْ
سننعمُ بمخاضِ بياناتٍ ما فيها غيرُ نعيم . . .
هذا ما كنتَ تحلمُ به !
أليسَ كذلك ؟
. . . ..
أبي
قُلبَ ظهرُ المِجَن
نضحَ الإناء . . .
وجوهٌ
كانتْ قناعاً للشّيطان
ظنّنا فيها ابتسامةَ الحصاد . . .
ربّاه
كم نحنُ بشوقٍ لهذا الإبتسام
أوقدْنا الأصابع َ شمعاً
رقصتِ المدينة
الرّصيفُ المُثقلُ بحُبالى سنينِه
سيّاراتُ الإسعاف . . .
إنّهُ الأسعدُ في حياتِنا
أحضرنا الحَطب
لحرقِ كُلِّ الآلامِ التي تخشبتْ في عروقِ الشّتاء . . .
لكنّ ٠المِلكَ عقيم
انتهى قابيلُ لقتلِ أخيه
رجعَ الأخوةُ بدمٍ كذب
ليتَنا كُنّا مع ابنِ الصّمةِ بمُنعَرجِ اللّوى . . . 2
. . . . .
دعوا الشّمسَ والقمرَ لمائدةِ الفتحِ المُبين !
اعتذرتِ الشّمسُ
لم تُشرقْ على مستنقعٍ آسن
ليسَ سوى نقيق
يبشّرُ بظلمةٍ
تولدُ للنّهار نجوماً في عيونِ التّعساء. . .
شاحَ بوجههِ القمر
غصّتْ لياليهِ برصاصٍ أخرس . . .
لنْ يعودَ لليالٍ ودعتْها شهرزاد
وهَبَ الدّيكُ صوتَهُ لغرابٍ
يعرفُ طريقَ أُبرهة !
. . . . .
حلَّ الوباءُ بأرضِ طيبة
سمَلَ النّهارُ عينيْه
ليكونَ ليلاً كذلك . . .
ألقتِ النّخلةُ حملَها حشَفاً . . .
النّهرُ يبحثُ عن جرعةِ ماء . . .
من أينَ جاءَ إخوةُ بابا كهوفاً
يختفي في ظلامِها خراجُ الأرض ؟
إنّها الرّحلةُ إلى الجّحيم
الفوهرر
فرانكو
سلوبودان 3
يقتلونَ الحياةَ بنهاياتِ صلَفٍ اسبرطيّ . . .
ما أرخصًكَ أيّها اللّحمُ البشريّ وأنتَ تُزيّنُ موائدَ الحروب !
. . . . .
أبي
اغفرْ لي غفلَتي
الفِخاخُ كانتْ مُحكمةً
تحتَ الأرديةِ فوّهاتٌ محشوةٌ برصاصٍ أنيق . . .
أُثخنتْ رؤوسُ الشّوارعِ بالجروح
الكلابُ المسعورةُ لم تُبقِ للوطنيّةِ ثوباً يسترُ عورتَها . . .
هربَ من غيومهِ المطر . . .
سُحقاً لنهارِ البنفسج
كان لصاً ظريفاً محترفاً
صفقتْ لهُ حتى القواعدُ من النّساء
مَنْ كانَ في أرذلِ العمر . . .
كيفَ للفراتِ ألآ يمتنعَ عن شُربِ الماء !
. . . . .
أبي
لا تتعجلْ
أنْ تضعَني في ذيلِ القائمة
فما كنتَ أنتَ يوماً كذلك . . .
لقد شربوا فرصتَهم حتى الثّمالة . . .
الموتُ لا يُريدُ لهم الرّحيل
دونَ أنْ يُحشروا زُرقاً
لا يُخفي الكفنُ عفونةَ الخيانة . . .
أبي
ليتَكَ حاضرٌ هذا اليوم
لتصفعَني باليمينِ مرّةً
بالشّمالِ مرّات
لا لأنَّي أضعْتُ كتابَ القراءةِ يوماً . . .
المُصيبةُ من ذلكَ أكبر
وطناً أضعتْ !!
. . . . .

اكتوبر/2018

1 الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد .
2 دريد بن الصمّة شاعر جاهلي .
3 الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش الذي قام بالإشراف على جرائم حرب وإبادة جماعية في البوسنو وكوسوفو مابين عامي 1992/1995وخاصة مجزرة سربنيتشا الشهيرة التي راح ضحيتها 8 آلاف مسلماً بوسنياً .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى