دراسات و مقالات

الشاب الظريف 661 – 688 هـ / 1263 – 1289 م

السعيد عبد العاطي مبارك

الشاب الظريف 661 – 688 هـ / 1263 – 1289 م 
فارس الغزل في العهد المملوكي !!
لا تخف ما صنعت بك الأشـواق وشـرح هـواك فكلنا عـشاق
قد كان يخفي الحب لولا دمعـك الـ جـاري ولـولا قلبـك الخـفاق
فعسى يعينك من شكوت له الهـوى فـي حمله فالعاشقون رفاق
لا تجزعـن فلست أول مـغـرم فتكـت به الوجنات والأحداق
واصبر على هجر الحبيب فربما عـاد الوصال وللهوى أخلاق

———
يا فاضِحَ البَدْرِ حُسْناً وَمُخْجِلاً لَلقَضيبِ
وَيا غزالاً شَرُوداً مَرْعاهُ حَبُّ القلوبِ
ويا هِلالاً تَبدَّى على قضيبٍ رَطيبِ
عَلَيْكَ لَجَّ عَذُولي وَفِيكَ لَجَّ رَقيبي
قد زِدْتُ واللَّه عُجْباً على مُحبٍّ كَئيبِ
——
و ما أجمل وصفه بجانب الغزل الرقيق حيث يصور لنا تلك الصورة الرائعة : 
وكـأن سوسنها سبائك فـضـة وكـأن نرجسـها عيون تنـظر
حملـت سقـوط الطـل منـه عيونـه فكأنها عن جوهر تستعبر
هذا الشاعر عرفته منذ معاهد الصبا أحد شعراء العصر المملوكي ، فقد قرأت سيرة مختصرة عنه في البلاغة الواضحة لعلي الجارم و مصطفي أمين و أعجبت باسمه و لقبه و بيتين له في البلاغة الواضحة . 
ثم سمعت أشعاره من برنامج الراحل فاروق شوشة ” لغتنا الجميلة ” حيث قدم للمستمع لوحات جميلة فنية رقيقة عذبة للشاب الظريف ، و تعجبت أيما تعجب عندما عرفت أنه رحل في منتصف العقد الثالث من عمره في ريعان شبابه وخلف ديوانه الغزلي الكبير .

و قد أعددت كتابي عن الشعراء الذين رحلوا في سن شرخ الشباب بعنوان ( سقوط مملكة الشعر في الضحي !! ) . 
و تركوا بصمات مضيئة في ديوان العرب عبر العصور كطرفة بن العبد و الشاب الظريف و المعلوف و الشابي و الشرنوبي و الهمشري و التيجاني و فؤاد بليبل و غيرهم كثيرون . 
و لهم نظراء في الشعر الغربي مثل : 
جون كيتس، أبرز شعراء الرومنسية الإنكليزية، عن 26 عاماً. على ، وشيلي وهو لم يتجاوز الثلاثين. و برون ، و الشاعر لوتريامون في الرابعة والعشرين ، و الشاعر الإسباني لوركا ،الشاعر الروسي الكسندر بوشكين ، والشاعر الإنكليزي بايرون عن ستة وثلاثين عاماً، و غيرهم كثيرون .
فقدمت عنه دراسة وافية ومختارات متنوعة من شعره و لا سيما مقطوعات الغزل الرقيق الذي تفرد به الشاب الظريف .

يقول الشاب الظريف في هذه الأبيات الغزلية :
لو أن قلبـك لي يرق ويرحم ما بت من خـوف الهوى أتألـم
داريت أهلك في هواك وهم عدى ولأجل عينك ألف عين تكرم
يا جامـع الضدين في وجناته مـاء يشـف عليه نار تضـرم
عجبي لطرفك وهو ماض لم يزل فعلام يكسر عنـدما تتكلم

نشـأته : 
==== 
ولد الشاعر الرقيق .. محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، شمس الدين، عام 1363 م بالقاهرة، ونشأ في دمشق حيث ولي أبوه عمالة الخزانة بها. 
توفي شابا في ريعان شبابه في دمشق عام 688 هـعن عمر يناهز الـ 27 ربيعا .
وكان أبوه صوفياً فيها بخانقاه سعيد السعداء.
وذلك في العصر المملوكي .
و لم لا فوالده من أهل العلم والأدب، له مصنفات وأشعار، فتلمذ الفتى على والده ابتداء وعلى طائفة من العلماء منهم ابن الأثير الحلبي.

ويدل ما في شعره من مصطلحات الفقهاء وأصحاب الأصول وأهل المنطق على طبيعة ثقافته ومعارفه العامة. كان ذا خط جميل كتب به ديوانه.
ويقال له ” ابن العفيف ” نسبة إلى أبيه الذي عرف بالعفيف التلمساني،وكان شاعراً أيضاً.

و قد لقب لرقته وطرافة شعره بـ ( الشاب الظريف ) ، فغلب عليه هذا اللقب وعرف به.

و هو صاحب نزعة صوفية فقد مدح النبي محمد صلي الله عليه و سلم علي نهج الامام البوصيري بقصائد رائعة منها هذه المقطوعة البديعة :
قالوا غـدا نأتي ديار محمد فقلت لهـم هـذا الذي عنه أفحص
أنيخـوا فما بال الركوب وإنها على الرأس تمشي أو على العين تشخص
نبي له آيات صـدق تبينت فكـل حـسـود عنـدها يتنـغـص
نـبـي بأملاك السماء مـؤيد وبالمعجـزات البينات مخـصـص
ومالـي مـن وجـه ولا من وسيلة سوى أن قلبي في المحبة مخلص
إذا صح منك القرب يا خير مرسل عـن أي شـيء بعـد ذلك أحـرص

أنه فارس الغزل في العهد المملوكي :
——————————–

فالشاب الظريف شاعر رقيق غزلي فارس الرومانسية في العهد المملوكي بجانب المدح و التصوف و الوصف …. حيث يقول في الغزل بعنوان ( لا تخف ما صنعت بك الأشـواق ) :
لا تخف ما صنعت بك الأشـواق وشـرح هـواك فكلنا عـشاق
قد كان يخفي الحب لولا دمعـك الـ جـاري ولـولا قلبـك الخـفاق
فعسى يعينك من شكوت له الهـوى فـي حمله فالعاشقون رفاق
لا تجزعـن فلست أول مـغـرم فتكـت به الوجنات والأحداق
واصبر على هجر الحبيب فربما عـاد الوصال وللهوى أخلاق 
كم ليلة ٍ أسهرتُ أحداقي بِهَا مُلقى ً وللأفْكَارِ بي إحدَاقُ

يا رَبّ قَد بَعُدَ الذين أُحِبُّهُمْ عَنِّي وَقَدْ ألِفَ الرّفاقَ فِراقُ

واسودَّ حظَّي عندهُم لَمَّا سَرى فِيهِ بِنَارِ صَبَابَتِي إحْرَاقُ

عربٌ رأيتُ أصَحَّ ميثاقٍ لهم أن لا يصِحَّ لديهم ميثاقُ

وَعَلى النّياقِ وفي الأكلَّة ِ مَعْرِضٌ فِيهِ نِفارٌ دائمٌ وَنِفاقُ

مَا نَاءَ إلاّ حَارَبَتْ أردافُهُ خَصْراً عَلَيْهِ مِنَ العُيونِ نِطَاقُ

تَرْنُو العُيُونُ إليهِ في إطْرَاقِهِ فإذَا رَنَا فَلِكُلّها إطْرَاقُ

رحلة مع شــــــــعره الغزلي :
—————————

من شعره هذه القصيدة بعنوان ( يَا رَاقِدَ الطَرْفِ ما لِلطَّرْفِ ) و التي تنم عن عاطفة ووجدان مرهف يرسمه بلغته العذبة يقول فيها الشاب الظريف :
يَا رَاقِدَ الطَرْفِ ما لِلطَّرْفِ إغفاءُ حَدّثْ بِذاكَ فما في الحُبِّ إخْفاءُ
إنّ اللّيالي والأيامَ مِنْ غَزَلي في الحسنِ والحُبّ أبناءٌ وأنباءُ
إذْ كلّ نافرة ٍ في الحُبّ آنِسة ٌ وَكُلّ مَائِسَة ٍ في الحَيِّ خَضْرَاءُ
وصفوة الدَّهر بحرٌ والصّبا سفنٌ وللخلاعة ِ إرساءٌ وإسراءُ
يا ساكِني مِصْر شَمْلُ الشّوْقِ مُجْتَمِعٌ بعدَ الفراقِ وشولُ الوصلِ أجزاءُ
كأنّ عَصْرَ الصِّبَا مِنْ بَعْدِ فُرْقَتِكُمْ عصرُ التصابي به للهو إِبطاءُ
نارَ الهَوَى لَيْس يَخْشَى مِنْكِ قُلْبُ فَتًى يكون فيه لإبراهيم أرجاءُ
نَدْبٌ يَرَى جُودَهُ الرّاجي مُشافَهَة ً والجُودُ مِنْ غَيْرِهِ رَمْزٌ وإيماءُ
ذُو هِمَّة ٍ لو غَدتْ للأُفْقِ ما رَحَلَتْ له ثريا ولا جَازتهُ جوزاءُ
لَوْلاَ أخُوكَ ولا أَلْفَى مَكَارِمَهُ لَمْ تَحْو غَيْرَ الذي تَحْوِيهِ بَطْحَاء
لَكِنْ تَعَوَّضْتُ عَنْ سُحْبٍ بِمُشْبِهِهِ إذْ سُحْبُ هذا وهَذا فِيهِما المَاءُ
وعندَ ذلك ظلٌّ باردٌ شبمٌ وعندَ ذا منهلٌ صافٍ وأهواءُ
إلَيْكَ أَرْسَلْتُ أبياتاً لِمَدْحِكُما في ساحتيهن إسراءُ وإرسَاءُ
لم يَقوَ مِنهنّ إقْواءٌ لِقَافِيَة ٍ ولم يطأْهُنّ في الترتيبِ إيطاءُ
فإن نظمي أفرادٌ مُعدّدة ٌ وَنَظْمُ غَيْري رُعاعاتٌ وَغَوغاء
فلا يُقاسُ بِدُرٍّ مِنْه مُخْشَلبٌ هذا دواءٌ وقولُ الجاهِل الدّاءُ
عَلَيْكَ مِنّي سَلامٌ ما سَرَتْ سَحراً نُسَيْمَة ٌ عِطْرُها في الكَوْنِ دَرَّاءُ

و نختم للشاب الظريف بهذه القصيدة الغلية الرائعة التي يتغني بها في تهويمات تشرق من نفسها السابحة مع ظلال الحب فيغني كالطائر المحلق حول الجمال يرسم لوحته المتفردة في تناغم يعكس مرايا الروح في صفاء فيقول :

حلى الهوى أن يطول الوجدُ والسَّقَمُ وأصدقُ الحبِّ ما جلَّتْ بِهِ التُّهَمُ

ليتَ اللَّياليَ أحلاماً تعودُ لنا فَرُبَّما قَدْ شَفَى دَاءَ الهَوَى الحُلُمُ

لا آخذَ اللهُ جِيران النَّقا بِدَمِي هُمْ أَسْلَمُونِي لِوَجْدٍ مِنْهُ قَدْ سَلِمُوا

وَحَرَّمُوا في الهَوَى وَصْلِي وَمَا عَطَفُوا وَحَلَّلُوا بِالنَّوى قَتْلِي وَمَا رَحَمُوا

وفَّيتُهُمْ حَقَّ حِفْظِ العهدِ مُغتبِطاً بِهِمْ وَمَا رُعِيَتْ لي عِنْدَهُمْ ذِمَمُ

يا غائبينَ وَوَجدي حاضِرٌ بهم وَعَاتِبينَ وَذَنبي في الغَرامِ هُمُ

لا أَوْحَشَتْ مِنْكُمُ دارٌ بِكُمْ شَرُفَتْ ولا خَلَتْ مِن مَغَانِي حُسْنِكُمْ خِيَمُ

بِنْتُمْ فلا طَرْفَ إلا وَهْو مُضْطَرِبٌ شَوْقاً ولا قَلْبَ إلاَّ وَهْوَ مُضْطَرِمُ

فَكُلُّ أَرْضٍ وَطِئْتُمْ تُرْبَها فَلَكٌ وَكُلُّ وادٍ حَلَلْتُمْ رَبْعَهُ حَرَمُ

هل عائدٌ ـ والأماني قَلَّما صَدقتْ ـ دَهْرٌ مَضَى وَمغانِي حُسْنِكُمْ أُمَمُ

فالجسمُ مُذْ غبتُمُ بِالسّفحِ مُتّشحٌ وَالقلبُ مضطربٌ بالشَّوقِ مُضطَرِمُ

لم يُنْسِنا سَالِفاً مِنْ عَهْدِكُمْ قِدَمٌ ولا سَعَتْ بالتَّسَلِي نحونا قَدَمُ

أَسْتَوْدِعُ الله رَكْباً في هَوَادِجِهِمْ مُحجَّبٌ ليسَ تُرعى عِندَهُ الذممُ

لهُ من الغُصنِ قَدٌّ زانَهُ هَيَفٌ ومن غزالِ الحِمَى طرفٌ بِهِ سَقَمُ

يبيتُ قلبي عليه حرقة ً وجَوى ً وَقَلْبُهُ بارِدٌ مِنْ لَوْعَتِي شَبِمُ

ظَلِلْتُ فِيهِ وأَمْسَى قَلْبُهُ حَجَراً لَمْ يَشْفِ قَطّ مُحِبّاً شَفَّهُ أَلَمُ

فَوا الذي زَانَهُ مِنْ طَرْفِهِ سَقَمٌ وأودعَ السِّحرَ فيهِ أنَّهُ قَسَمُ

لولا تثنِّي رديني القوامِ بِهِ حَلفتُ ألفَ يمينٍ أنَّهُ صَنَمُ

بعد هذا العرض الموجز لشاعر من شعراء العصر المملوكي أنه الشاعر الشاب الظريف العفيف التلمساني الذي رحل في ريعان شبابه في منتصف العقد الثالث من عمره و ترك لنا ديوانا شعريا غزليا رقيقا بجانب أغراضه الصوفية و المديح و الرثاء و الوصف و التغني بأصداء الطبيعة الجميلة دائما . 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى