قصة

الذعر

رعد الأمارة

كنت قد انتهيت توا من دفن شقيقتي الصغرى في حديقة بيتنا، التفت للخلف وأنا امسح التراب والعرق عن جبيني، رفعت رأسي وحدقت فيهما، كان أبي الهرم وأمي ذات الستين عاما يحدقان في بجمود من خلف النافذة ! تنهدت وانا ألقي بنظرة أخيرة صوب القبر بترابه الندي، مشيت بخطوات متعثرة، لكني فجأة رفعت رأسي للسماء، ضيقت مابين عيني، كان ثمة غضب هائل قد اخذ يلوح فيهما! كنت على وشك تهديد السماء بقبضتي حين تناهى إلى سمعي طرقات متواصلة على باب البيت الخارجي، حدقت في الباب ثم في النافذة، تواصلت الطرقات، اختفى أحد الشبحين من خلف زجاج النافذة، كان أبي في سبيله لفتح الباب لكنه قبل أن يفعل أشار لي برأسه للداخل. وجدت امي ماتزال متكأة على حافة النافذة، لمست كتفها من الخلف فأستدارت برأسها وقالت :
-ليس عليك أن تواسيني، لقد فات الأوان! أشعر بالأسف واتمنى لو أنك وابيك قد غفرتما لي حقا، لو لم أزر شقيقتي العائدة من السفر لكانت أختك مازالت حية، ربما كنا سنسمع جلبتها في المطبخ الآن، وهي تعد الفطور كما في الأيام الخوالي!. مسحت أمي الدمع عن عينيها بطرف ردائها، كانت يدها ترتعش وهي تداعب رأسي، أضافت بصوت خافت :
-أظن بأن أبيك سيلحق بها قريبا، قلبه مفطور ووضعه سيء! ابتهلنا كثيرا بأن تسبقنا أنت! سيكون لطيفا لو اخفيناك تحت الثرى دون ان يعلم بذلك احد،نحن مرعوبين حبيبي، نفكر بمن سيبقى في الأخير، من سيتولى دفنه!. عاد أبي، كان يجر قدميه جرا، حدق في لبرهة ثم أشاح بوجهه وقال :
-إنه خطيب شقيقتك، يقول هاتفها مغلق، كان قلقا جدا، أخبرته بأنها مريضة،لم يبد مقتنعا وهو ينصرف، كاد أن يقبلني لكني تحاشيت ذلك! آه، ليس عادلا ما يحدث. هذه المرة أمي لم تكن تنظر من خلف زجاج النافذة، حين قمت بدفن أبي إلى جانب شقيقتي الصغرى، كانت أمي في سريرها، بالكاد تستطيع النهوض، عندما أنهيت عملي طلبت مني أن اغتسل ريثما تسكب لي الطعام،رحت أهز رأسي بحركة آلية وكأني روبوت،حاولت أن تنهض عن سريرها، لكن جسدها الهش لم يعينها، كنت أعرف إنها في النزع الأخير، لقد هدها رحيل شقيقتي ثم أبي سندها القوي، تقدمت صوبها وقد سقطت ذراعي إلى جانبي، أمسكت برأسها الأشيب اللطيف، تذكرت مداعباتها، أخذت تنشج وهي تدير حول رقبتي كلتا ذراعيها النحيلين، تمتمت من بين نشيجها وهي تضرب صدري بيدها مرة بعد مرة :
-وأنت من سيدفنك ياحبيبي!. (تمت)(ملاحظة :القصة مكتوبة بسرعة بسبب الذعر الذي يعاني منه الكاتب 😊)

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى