قصة

التوابع

طارق الصاوى

يقتفون أثره، يلاحقونه، يحيطون به، يشاطرونه حياته، تزكم أنفه رائحتهم، تخنقه أنفاسهم، يلتهمون من مائدته الطعام قبل أن تصل لقمة فمه، يشاغلونه فى اليقظة ، لا يدعون جفنيه تنام .
تقيأ من مقالبهم كؤوس المرارة، ملئوا بيته، يصطدم بأجسادهم الساخنة فى مروره بالطرقة ، يقبضون عليه، يلهون به كدمية، يحملونه على كفوفهم، يلقونه من الشرفة، يرفعونه قبل أن يرتطم بالإسفلت ، يربطونه بمقعد بالصالة أمام التلفاز، يظهرون على شاشته، يغنون بصوت كنعيق البوم ، ينتفض، يشتبك معهم، يتبادلون الصفعات، يدخل منتصرا للحمام، يستقبلونه عند خروجه باللكمات، يخلعون عظام كتفه، يصرخ ، يداوونه بجبيرة من القطران، يخيل اليه حين يضيق بهم أنهم يصرخون من ضرباته، يأتيه صياح ألمهم كشقشقة الفئران، يطلق البخور ، يحرق الشيح، يفرش الأرض بتراب أحمر، يفشل فى طردهم ، يطفئون الأنوار ليلا، يسرجون قناديل فسفورية ، تصيبه بعمى مؤقت ، يجمعون أثاث الشقة، يكومونه ، يخلعون الأبواب، النواقذ ، يحملونها على ظهورهم ، يركضون على السلالم، يلهث خلفهم، يضعونها جوار صناديق القمامة، يسبهم، يلعنهم، يسحبونه من الشارع للعمارة، يقدحون حجارة غيظه، يجد منزله منظما، لم يعبث به أحد .
يشكو لجيرانه همه، يمصمصون شفاههم ، تقف توابع الجن على رؤوس محدثيه، يلوح بيديه، يبصق عليهم لينصرفوا، يؤكد شك جيرانه أن عروة عقله انفكت، يتجنبون الاختلاط به ، يضربون كفوفهم حسرة على شبابه.
هجر منزله، تركه ملعبا لهم ، انتقل لمدينة أخرى، لم يطيقوا فراقه، طاروا خلفه، احتضنوه، نفثوا اشواقهم زفرات شوهت وجهه، صحت ضمائرهم، قرروا احترام خصوصيته، غادروا مأواه، حصروا تفاعلهم معه خارجه، ينتظروته على الرصيف، يمدون سيقانهم فى طريقه ، يسقطونه كل خطوتين ، مل سكان الحارة مساعدته على الوقوف . ضج زملاؤه بالشكوى من شجاره الدائم مع أشخاص لايرونهم، ضاقت عليه الدنيا، انحصرت اماله فى الوصول لصفقة ترضيهم، يكفوا عن مضايقته، يهبونه حرية التنقل دون أن يتتبعوه .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى