شعر

إلَيْها

محمد رشاد محمود

كانَ ذلكَ في أَخَرَةٍ من عام 2000 ، وقد جَمعناعمَلٌ أسقَطَ ما بيننا من كُلفَةٍ .. هيَ فوقَ العشرين والحياةُ منها على سَفحٍ ، فهيَ تتشَوَّفُ إلى الصعود ، وأنا فوقَ الأربعين ، وكلُّ آتٍ من خطوي تَحَدُّر وهبوط .
ولم يمنعها ذلك ، مع جمالها الذي يومض وميض الألماس ويبسَمُ مبسَمَ الورد ، من أن تأتيَني عن يميني ، فإذا أدرتُ وجهي – وما عن جفاءٍ أفعَل أو نُكرانٍ لحضرَة الجمال ، ولكنني كنتُ أنشُدُ من نفسي أن تكونَ آيَةً في العِفَّة ، في حين كونِها هيَ آيَةً في البهاء – أتَتني عن يساري ، وراحت تارَةً تقول بصوتٍ يعرفُ كيف يتسَرًّب إلى المُهَج ويُخالطُ وجيبَ القلوب :
أستاذ محمد ، ألا تكتُبُ فيَّ شعرًا ؟ ألستَ بالشَّاعر ؟
وتارَةً أخرى تقولُ :
أما ترَى فيَّ من السِّمات ما يبعَثُكَ على أن تقرِضَ فيَّ الشِّعر ؟
كلا إن ذلكَ أمرٌ إغفالُهُ فوقَ الطاقة ، ولا يَسَعُ أحدًا أن يلجِمَ ذلك الطوفان من السِّحر ؛ فَليَكُن لها مني ما تُريد ، أو فليكُن لها ما كنتُ حَريًّا بإرادتِه ، ما لم يكُن حافِزٌ على أن أريد ، وقد كانَ ، فكانت هذه الأبيات التي تلَقَّتها فراحت تُهَلِّلُ و تتوَثَّبُ توثُّب الطِّفلَةٍ في يوم عيدٍ ، وقد جرى الدمُ في وجنتيها وترَقرَقَ البِشرُ في مُحَيَّاها ووَبصَت عيناها بوميض الحبور :
كَيـْــــــفَ أرجــو نُبُـــــوَّهُ عَـن يَقيـــني
لاعِـــــجٌ أنــْـــتِ وَقْـــــدُهُ وشُجــونِــي
كُـلَّمـــا رُضْتُ مــارِجًا مِـنــْـــهُ مـاجَتْ
سَـورَةُ الشَّـــــوْقِ جَــذْوَةً مِـنْ جنــــونِ

أَو نَـزا القَلـــبُ لِلْــكَـــــرَى خِلتُ طَـيْفًا
مِنـْـــكِ يَـجْتــَـاحُ مُسـتَـــرَاحَ الجفـــونِ
لاهِــــثٌ فــي سَرَارَةٍ الــوَجـدِ أســـرَى
مِـنْ وَجيــــبِ الشَّـــقاءِ بَيْـــنَ الظُّنـُـونِ
واصِـلُ النَّــــوْحِ ضِلَّــــــةً أَنْ تَـغَيَّــــــا
دائِـمَ الــوَصْلِ في اضطِـرابِ الشُّئــونِ
بِئْسَما الحُسْنُ – عِفتُــهُ – كَيــفَ أَوْرَى
وهْــــوَ رَاحُ النُّــهَى خَبــَــالَ العُيـــونِ
مـا عَلَـيـْــنَا علَى الشَّــــقا لَــــو أَمَمْنَـــا
مَرْبَــــــعًا مِنـــْـــهُ مَـرْتَــــعًا لِلْــفنــونِ
هَـــلْ عَليْنَــا عَلـى السُّرَى لَو قَبَسْـــنــا
صَيِّـــبَ النُّــــورِ فـي فِجـاجِ الــحزونِ
هَــــل علَينَــــا علَـى المَــضاضَةِ أَنَّــــا
نَنْهَــــلُ النَّــشْرَ مِن غِـرَاضِ الغُـضونِ
هَـــلْ عَـلَيـْـــنا غَضاضَةٌ لَـــوْ بـثَــثْــنا
بَـضَّ نَهْـــــدَيْــكِ هَــمْهَــمَاتِ الـوَتيــنِ
ما علَينَــــا علَى الطَّوَى لَـــــو ضَمَمْنَا
حَالِـــيَ الجَنيِ مِنْ رَطيــــبِ الـغصونِ
ما عَلَيْنَــــا علَى الظَّمَى لَــــو رَشَـــفْـنا
رَيِّــــقَ الــــرَّاحِ مِـنْ رُضَابِ الـفُتـونِ
مـا عَلَيْنَـــــا علَـى الجَفَـــا لَــو أبَحنَــــا
هـَــــامَةَ الــوَجْدِ سَلسَـــبيـــلَ الــقُرونِ
يا مِهَــــــادَ الجَمـالِ في المَحْــلِ شِـمْـنا
– حيثُــــما عَزَّ – مِنــكِ وَكْــنَ الـوكونِ
صَاغَـكِ اللهُ مِــنْ شَجَى كُــــــلِّ قَلْــــبٍ
حَسبُـــكِ اللَّـــــهُ مِـنْ نُـــزاءِ المُـجــونِ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى