دراسات و مقالات

((( أميرتي … !! ))) الشاعر العباسي المتيم : عباس بن الأحنف عاشق ” فوز “

السعيد عبد العاطي مبارك

أَمــيـرَتـي لا تَــغـفِـري ذَنــبــي فَــــإِنَّ ذَنــبــي شِــــدَّةُ iiالــحُـبِّ 
يــا لَـيـتَني كُـنـتُ أَنــا iiالـمُبتَلى مِــنــكِ بِــأَدنــى ذَلِـــكَ الــذَنـبِ 
حَــدَّثـتُ قَـلـبـي كــاذِبـاً عَـنـكُـمُ حَـتّى اِسـتَحَت عَينَيَ مِن iiقَلبي 
إِن كـانَ يُـرضيكُم عَذابي iiوَأَن أَمـــوتَ بِـالـحَـسرَةِ iiوَالــكَـربِ 
فَـالـسَمعُ وَالـطاعةُ مِـنّي iiلَـكُم حَسبي بِما تَرضَونَ لي حَسبي 
————- 
قال عنه البحتري: إنه أغزل الناس. 
من شعره الغنائي قوله:
وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى ولا خير فيمن لا يحب ويعشق

أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ تَسُحُّ عَلى القرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي

مع عشـــــــاق العرب !!

ان شعرنا العربي نشأة نشأة غنائية و قد تصدر غرض الغزل و التشبب صفحاته بنوعيه الحسي و العذري … و لم لا فالشاعر العربي يفتتح قصيدته بذكر الديار و محبوبته ثم يتسلل الي الغرض الذي يقصده … 
و من ثم نجد شعراء الغزل يصولون و يجولون في حلبة الشعر يتغنون بالمحبوبة في قصائد عشق ما زال أثر صداها القوي نترنم به في عصرنا الحديث , وهذا و أن دل فأنما يدل علي مشاعر مرهفة صادقة و ما أكثر قصص عشاق العرب وقصص الحب في ديوان العرب قديما وحديثا فقد صار علي النهج القديم كثير من الشعراء المعاصرين مع تجديد في مضمون و شكل القصيدة العربية حسب تطور و نمو حركة الحياة . 
و نذكر من عشاق العرب و من الشعراء الغزليين كنماذج أصيلة في غرض الغزل :
بداية من العصر الجاهلي و امرؤ القيس مروراً بصفحات من الشعر الأموي والعباسي، و من ثم نتوقف مع الشعراء العذريين مثل مجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة و ابن الرومي وأبي فراس الحمداني والشريف الرضي، و القيرواني و الاحوص و ذي الرمة و الأحنف و ابن زيدون ، حتي العصر الحديث أسماء كثيرة أيضا … 
نشـــأته :
===== 
أبو الفضل العباس بن الأحنف الحنفي اليماميالنجدي, شاعر عربي عباسي وُلِد في اليمامة بِنجدوعِندما مات والده انتقل من نجد إلى بغداد ونشأ بِها وعاش مُتنقلاً ما بين بغداد وخراسان. 
هو شاعر رقيق الغزل.
قال عنه البحتري: إنه أغزل الناس. 
أبو الفضل عربي شريف النسب، أصله من بني حنيفة، ولكن أهله يقيمون بالبصرة. نشأ في بغداد وفيها اشتهر. اتصلبهارون الرشيد ونال عنده حظوة….. 
خالف الشعراء في طريقتهم فلم يتكسب بالشعر، وكان أكثر شعره بالغزل (شعر) والنسيب والوصف، ولم يتجاوزه إلى المديح والهجاء، وأشاد به المبرد في كتاب الروضة وفضله على نظرائه حين قال: 
وكان العباس من الظرفاء، ولم يكن من الخلعاء، وكان غزلا ولم يكن فاسقا، وكان ظاهر النعمة ملوكي المذهب، شديد الترف، وذلك بين في شعره، وكان قصده الغزل وشغله النسيب، وكان حلو مقبولا غزلا غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرف في الغزل وحده ولم يكن هجاءً ولا مداحا…. 
و قد أبدع قصيدته الغزلية في حب محبوبته ( فوز ) التي ظل وافيا لها في حبه الكبير ، حتي الرمق الأخير من حياته ، فى مرضه الأخير قبيل وفاته: 
أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ تَسُحُّ عَلى القرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي
سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي
وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ
فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم فَإِنَّ الهَوى وَالوِدَّ غَيرُ مَشوبِ
فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ

مع العباس بن الأحنف و محبوبته ” فوز ” في ملحمة العشق : 
================================= 
أما العباس بن الأحنف نجد أن ديوانه زاخراً بشعر الحب ولا مكان فيه لآي غرض أخر من الأغراض التقليدية والتي كانت مألوفة في الشعر العربي القديم، فلا يمدح ولا يهجو، ولا يرثي ولا يفخر، فهو شاعر عاشق فحسب، وتنطق قصائده في حبيبته و أميرته ( فوز ) بعاطفة صادقة وشاعرية أصيلة، مصورا مشهد العشق في تعبيرات فائقة و نراه صادحا مغنيا شاديا بمعشوقته قائلا :

كَتَمتُ الهَوى وَهَجَرتُ الحَبيبا
وَأَضمَرتُ في القَلبِ شَوقاً عَجيبا
وَلَم يَكُ هَجريهِ عَن بِغضَةٍ
وَلَكِن خَشيتُ عَلَيهِ العُيوبا
سَأَرعى وَأَكتُمُ أَسرارَهُ
وَأَحفَظُ ما عِشتُ مِنهُ المَغيبا
فَكَم باسِطينَ إِلى وَصلِنا
أَكُفَّهُمُ لَم يَنالوا نَصيبا
فَيا مَن رَضيتُ بِما قَد لَقي
تُ مِن حُبِّهِ مُخطِئاً أَو مُصيبا
وَيا مَن دَعاني إِلَيهِ الهَوى
فَلَبَّيتُ لَمّا دَعاني مُجيبا
وَيا مَن تَعَلَّقتُهُ ناشِئاً
فَشِبتُ وَما آنَ لي أَن أَشيبا
لَعَمري لَقَد كَذَبَ الزاعِمو
نَ أَنَّ القُلوبَ تُجازي القُلوبا
وَلَو كانَ حَقّاً كَما يَزعُمونَ
لَما كانَ يَجفو حَبيبٌ حَبيبا
و يقول في قصيدة أخري : 
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ
بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ
وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً
وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ
أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ
أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ
فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُرِّ فَاِرحَموا
وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا
فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَكُمُ
أُحَدِّثُ عَنكُم مَن لَقيتُ فَيَعجَبُ
وَقَد قالَ لي ناسٌ تَحمَّل دَلالَها
فَكُلُّ صَديقٍ سَوفَ يَرضى وَيَغضَبُ
وَإِنّي لَأَقلى بَذلَ غَيرِكِ فَاِعلَمي
وَبُخلُكِ في صَدري أَلَذُّ وَأَطيَبُ
وَإِنّي أَرى مِن أَهلِ بَيتِكِ نُسوَةً
شَبَبنَ لَنا في الصَدرِ ناراً تَلَهَّبُ
عَرَفنَ الهَوى مِنّا فَأَصبَحنَ حُسَّداً
يُخَبِّرنَ عَنّا مَن يَجيءُ وَيَذهَبُ
وَإِنّي اِبتَلاني اللَهُ مِنكُم بِخادِمةٍ
تُبَلِّغُكُم عَنّي الحَديثَ وَتَكذِبُ
وَلَو أَصبَحَت تَسعى لِتوصِلَ بَينَنا
سَعِدتُ وَأَدرَكتُ الَّذي كُنتُ أَطلُبُ
وَقَد ظَهَرَت أَشياءُ مِنكُم كَثيرَةٌ
وَما كُنتُ مِنكُم مِثلَها أَتَرَقَّبُ
عَرَفتُ بِما جَرَّبتُ أَشياءَ جَمَّةً
وَلا يَعرِفُ الأَشياءَ إِلا المُجَرِّبُ
وَلي يَومَ شَيَّعتُ الجِنازَةَ قِصَّةٌ
غَداةَ بَدا البَدرُ الَّذي كانَ يُحجَبُ
أَشَرتُ إِلَيها بِالبَنانِ فَأَعرَضَت
تَبَسَّمُ طَوراً ثُمَّ تَزوي فَتَقطِبُ
غَداةَ رَأَيتُ الهاشِميَّةَ غُدوَةً
تَهادى حَوالَيها مِنَ العينِ رَبرَبُ
فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَحسَنَ مَنظَراً
وَنَحنُ وُقوفٌ وَهيَ تَنأى وَنَندُبُ
فَلَو عَلِمَت فَوزٌ بِما كانَ بَينَنا
لَقَد كانَ مِنها بَعضُ ما كُنتُ أَرهَبُ
أَلا جَعَل اللَهُ الفِدا كُلَّ حُرَّةٍ
لِفَوزِ المُنى إِنّي بِها لَمُعَذَّبُ
فَما دونَها في الناسِ لِلقَلبِ مَطلَبٌ
وَلا خَلفَها في الناسِ لِلقَلبِ مَذهَبُ
وَإِن تَكُ فَوزٌ باعَدَتنا وَأَعرَضَت
وَأَصبَحَ باقي حَبلِها يَتَقَضَّبُ
وَحالَت عَنِ العَهدِ الَّذي كانَ بَينَنا
وَصارَت إِلى غَيرِ الَّذي كُنتُ أَحسَبُ
وَهانَ عَلَيها ما أُلاقي فَرُبَّما
يَكونُ التَلاقي وَالقُلوبُ تَقَلَّبُ
وَلَكِنَني وَالخالِقِ البارئِ الَّذي
يُزارُ لَهُ البَيتُ العَتيقُ المُحَجَّبُ
لَأَستَمسِكَن بِالوُدِّ ما ذرَّ شارِقٌ
وَما ناحَ قُمريٌ وَما لاحَ كَوكَبُ
وَأَبكي عَلى فَوزٍ بِعَينٍ سَخينَةٍ
وَإِن زَهِدَت فينا نَقولُ سَتَرغَبُ
وَلَو أَنَّ لي مِن مَطلَعِ الشَمسِ بُكرةً
إِلى حَيثُ تَهوي بالعَشِيِّ فَتَغرُبُ
أُحيطُ بِهِ مُلكاً لِما كانَ عِدلَها
لَعَمرُكِ إِنّي بِالفَتاةِ لَمُعجَبُ

هذه صفحة ناصعة و مشرقة من صفحات كتاب العشق تحكي قصص العرب و فصول من الشعراء المتيمين حيث نقشوا تباريح مشاعرهم وجدا علي الحبيب في غزل و نسيب له دلالات و بلاغة رومانسية بمنطق عصرنا فظلت تنطق بجمال و عبقرية النص و كان العباس بن الأحنف الشاعر العباسي و محبوبته فوز فرسان و أبطال هذا المشهد الغزلي و من هنا تبقي بين الوجدان قصصهم في ديوان العرب الخالد دائما . 
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشـــــــــــعر العربي أن شاء الله .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى