شعر

أقانيمُ

فاطمة محمود سعدالله

1 المجتمعُ

قبضةٌ من صبّار
يطل شوكُها الضاجّّ بالأذى
من عيون الماء..
و….يقطرُ الكِبْرُ من الثقوب الدامية
المجتمعُ،مدينةٌ نوافذها مكسورة
في انتظار جدرانٍ يستقيم بها الانحناء
غيمةٌ محدَوْدِبةُ الهطول
يّمْطرها الخجلُ الذي سرق…
سرق من الشمس وهجَ الأشعة
من السماء صمتَها الثائرَ
و… من النهار مصالحتَه لليْلِ

المجتمعُ…شيخوخةٌ الطفولة
تتدفق مع…النهر والملح
تعانق الزجاج والجرح
تسري جذلى في عروق الشجر
ترتقي درجة..درجة إلى مشارف الانصهار
تحصي زخات المطر
قبل الفناء بطَرْفَةٍ…
يقولون في الاجتماع مدنيّة
غريزيّة..
وفي الطبع ينبت التوحُّشُ أشواكا غزيرة
تغرز في جسد النص أنيابَ الفناء بمهارة…

المجتمع سِباقٌ نحو النفي والإثبات
ممحاة تلغي سطور الحبر والماء
الأنا…هنا ..
ولا أحد..
كنتُ أمدُّ يميني ..
لأقطف باقة من نجوم ٍ ملوّنة
أطعم بها فراخ اليمام
كنتُ أساعد أمي في نسج ستائرَ
ترصِّعُ بها الليلَ حكايا..
ليتدفّأ بالصوتِ العابرون
على جسر الصدفةِ
من ضفة ال”هناك” إلى محطة الاحتفاء
وتتوضّأ القلوب عند الفجر..
بماء الشعر…

2 التاريخُ
كتابٌ…تتصفحُ أوراقَه أناملُ مرتعشة
انتصارات الأمسِ
انكساراتُ اليوم وغدا
وجوهٌ تخجل من الحقيقة
حاضر سَجّلَ انصرافَه قبل الحضور
ومضى…
ومستقبلٌ سرقته غفوةٌ حالمةٌ
لم يسمع صفارة القطار..
ذبحوا له القرابين..
استدروا عطفه
عرضوا عليه الرشاوَى
وهو يغط في شراشف الحرير
أخْرَسَ المنبهَ بلَيْلٍ..

التاريخ فعلٌ ماضٍ غيرُ مكتمل
في انتظار سد ثقوب النقص المتجدد
وفصولٌ لم تعد مستقلة..
فقدت نظام التعاقب …
تحتفي الآن بالتداخل المزروع في أنساغها
شتاءٌ بحرارة الثلج
في راحة اليد …
صيفٌ تحوّل سيفا يأكل الحصيدة
قبل الأوان…
ربيع يلبس قبعةً احترق سعفُها
بين يديْ واعظ القرية..
وبدلةُ الديبلوماسيِّ معلقةٌ من أهدابها
على ذؤابات النخيل..
وفي جيب الليل قلمٌ جفّ حلقه
فَقَدَ مَلَكَةَ الاهتداء
دون “العصا البيضاء” إلى منارة القلبِ اللازورديِّ

آهٍ أيّها التاريخُ…الأبيضُ المتوسّطُ
عجلتُك لم تعد تحسن الدورانَ
بوصلتك فَقَدَتِ الاتجاهَ
وروزناماتُك لا تسجل سوى البطونِ الخاويةِ
إلا من “ضريع”
لا يغني من سغبٍ وجوع
إلى متى وعدّادُك لا يمدّ الخُطَى إلاّ..
“خبط عشواء؟”

3 النفسُ

حمامةٌ لها أكثر من جناح
أراها تارة طائرةً ورقيةً بيضاء
ترتعش في يد طفلٍ وحيد
ويدُ ه الأخرى تمسك صومعة
لكنها _اليد_ لا تحسن الكتابة ..
الحدودُ تَغْرَق في غُرَف الألوان المائية
النفسُ أمّارة بالضّجيج
المتسلقِ أسوارَ الروحِ
يلوّن وجناتِ الأنا بهسيسٍ أخضرَ
ويشْحَنٌ الفراغَ
بتفسيرِ الأحلام والكلماتِ المتقاطعةَ

النفسُ المُكتظّةُ بدموع النرجس
تُحْصِي الوصايا
على
صفحات سِفْرِ الاصفرار
تعْجُنُ أوراقَه من تراب الذاكرة
تسقط الوصايا الباهتةُ
ورقة..ورقة
كلها آبقة.ٌ.
فلا أسفَ في ضميرِ النصِّ عليها
تمرّدَ الفعلُ فيها عن القَوْل
اعتنق الحضور فيهاغيابا يحتفي بالغياب
غيابًا يتناسلُ من الغيابِ
النفسُ قصيّةٌ
النفسُ عليّةٌ
سافرة
ماكرة
لا رقصَ في محراب الانصهار يعيدها إليها
ولا دوارْ
فجُرحُها يولد
مع
كل
صباح.

4 الحريةُ

قدّاحةٌ تلعن الليلَ
تحرق شالَ الظلام على شفاه الصمت
موسيقى بألف لسان
بين الصخب وانحباس الصوت
تتأرجح بين درجات الحياة والموت
يتعالى في فضاء الرحيل
قداسُها الجنائزيُّ
تسقط في طريقه زغرودةُ أمٍّ تشيّع الفرحَ الشهيد
و..غيمةٌ داهمها المخاضُ
أغرقت حقولَ القهرِ
فاحترقت تجاعيدُ الفصولِ المتصابيةُ

الحريُّة غادةٌ لعوبٌ
تتقن فنونَ المراوغةِ
تدق أقدامَ الفرح بمطارق موسيقى الزنج
في رقصة أنثى
تكتظ بالضوء…
فتحت للتلوِّي نوافذَ الاشتهاء
انهمر النهارُ والكلامُ والطيورُ
جداولَ انتماء..
ضفافُها مدنٌ مزروعةٌ ب”عرائس المروج”
في انتظار نوافذَ أرهقتها الريحُ
وعند عَتَبات الكلام
يتدفق التاريخُ والمجتمعُ والحريةُ
مع مجرى الساعات…
تشعلُ معًا شمعةً يرقص نورُها
في…تجاويف نفسٍ تواقةٍ إلى الانعتاق
المجتمعُ…
التاريخُ…
النفسُ…
الحريةُ…
أقانيمُ تعشق الخصوبةَ
و….
تتوقُ
إلى
الانصهار.ِ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى