قصة

أعداد الغُرز

عروبة شنكان

ـ أبعدت عنها معطفاً كان بين يديها، صممت حياكته للشتاء القادم لِتُشغل وقتها بالتفكير بعدد الغُرزات
وتصميم موديلٍ يليق بِطلتها التي حافظت على ألقها رغم مرور سنين طويلة! التحفت شرشفاً قطنياً
انبعثت منه روائح عطرية جميلة، ما إن وضعت رأسها المُثقل بعدد غرزات معطفها على الوسادة
الناعمة، حتى غفت عميقاً دون حِراك.مرت الساعات سريعة، أيقظها هاجس الغرزات من جديد، كان
برد تشرين في أوله، نظرت من النافذة حيث الأشجار عاريةً، كما ذاكرتها التي تساقطت أوراق أيامها
على الدوام، لم يعد ما يستحق الذكرى، تلاشت الأوراق ورقة إثر ورقة، حتى كأنها الخريف بكهولته
التي تنتظر معطفاً يُدثر بعض من مواسم الإنتظار، سئمت الطرقات الصفراء، وسئمت مشيبها الباهِتُ
تلك الأرصفة التي تمنت إحياءها كما شرنقةٍ تمزقها فراشةٌ بِكرٌ، وتغفو على لحن “سالوني الناس”
فتعيد الحياة للدروب المنسية! تساقطت أوراقٌ كانت معلقة سهواً على أحد الأغصان اليابسة، نسيتها
ريح أيلول، لم تقتلعها، كما نسيها الزمان من عِقدٍ عند نوافذها التشرينية، تُقلب في تقويمات الشبكة
العنكبوتية، من عقدين اهداها وردة، ومن ثلاثة طبع أعلى جبينها أغنيةً فيروزية، كل شيء تبدل
سوى صوت فيروز وحده بقي ذهباً!
أعدت كأس “نسكافيه” وعادت إلى مقعدها تعيد من جديد أعداد الغُرز الشتوية، ومضت في حياكة
معطفها باسمة تنتظر عودته ذات خريف!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى