دراسات و مقالات

«أحبك من هنا إلى بغداد» الشاعرة العراقية المغتربة دنيا ميخائيل – 1965 م

تغريدة الشــــــــــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

أحبك من هنا إلى بغداد
وأحبك أكثر من كل الكلام
وأحبك أعلى من الدخان في المدينة
وأحبك أقوى من صوت الانفجارات
وأحبك أعمق من جرح يتبادله عراقيون وأمريكيون
بقرب عبوة ناسفة.“
——————-
تقول الشاعرة العراقية المغتربة ” دنيا ميخائيل ” عن تجربتها :
(من الصعب عليَّ أن أدرك ما هو الشعر بالضبط، لكني أعرفهُ قريبا اليَ كنفسي، جوهرياً كالماء، صديقاً افتقده دائماً، بيتاً ألجأ اليه واهتم بتأثيثه وتجديده. بالنسبة لشكله، هو خلية أميبية لا شكل معين لها. اما بالنسبة للمضمون فكل شيء يصلح للشعر اذا توفرت المهارة. بقدر تعلق الأمر بي، لا يدعو شعري الى تغيير العالم ولا يحلم بالخلاص مثلاً ولا ينطق باسم الجماعة ولا يحمّل نفسه مشاق العمل على ابتكار جمل غامضة او كلمات عسيرة الفهم. تشتغل قصائدي بعفوية واعية غير سائبة، على نحو واقعي الى حد ما، بالاعتماد على أفكار ولكن ليس على ايديولوجيات. المفارقة هي احدى أهم علامات اسلوبي في الكتابة هي احدى أسرار تحقيق اللذة كذلك. في كل الأحوال، تسعى قصائدي لأن تبدو “باردة” في أقسى المواقف مكتسبةَ سخونة داخلية أو توتراً داخلياً مثل أحشاء سمكة قبل الصيد بثانية. في نهاية الأمر، الشعر مسألة تجريبية تماماً، فكل قصيدة هي روح جديدة نحاول أن نمنحها الحياة لأول ولآخر مرة ) .
في هذه التغريدة الشعرية نتوقف مع الشاعرة العراقية المغتربة ” دنيا مخائيل عاشق الكلمة من خلال الأدب العربي و الانجليزي ترسم لوحاتها في غصة حيث الحرب علي العراق التي باتت في مهب الريح تدمي الأطفال و النساء و الشيوخ و تنقض علي التراث و الحضارة !!
وفي قصيدة «لارسا»، وهو اسم سومري يعني ربة الشمس، يتضح أن «هنا» الواردة في عنوان الديوان تعني الولايات المتحدة الأميركية، حيث تقيم الشاعرة التي تخاطب لارسا في نهاية القصيدة :
«أحبك من هنا إلى بغداد.. وأحبك أكثر من كل الكلام.. وأحبك أعلى من الدخان في المدينة.. أحبك أقوى من صوت الانفجارات.. وأحبك أعمق من جرح يتبادله عراقيون وأميركيون.. بقرب عبوة ناسفة».
و تصور لنا لحظات الحرب و الصمود في غصة و تتحسر علي بلاد الحب و الشعر و الجمال و السلام ….
«ولكن بابا نويل الذي أعرف
يرتدي بدلة عسكرية
ويُوزِّع علينا كل عام
سيوفاً حُمراً
ودمىً للأيتام
أطرافاً اصطناعية
وصوراً للغائبين
نُعلِّقها على الجدران».
نشــــأتها :
تنحدر شاعرتنا دنيا مخائيل من عائلة سكنت منطقة مسيحية في شمال العراق.
و هي ” تلكيف ” التي زارتها آخر مرة عام 1991 هرباً من الحرب والدمار الذي لحق ببغداد حيث تعيش دنيا وأسرتها.
ولدت الشاعرة و المترجمة العراقية دنيا مخائيل في سنة 1965 في مدينة بغداد عاصمةالعراق وهي خريجة جامعة بغداد كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية
وفي التسعينات هاجرت إلى الولايات المتحدة وتخرجت من جامعة وين ستيت في 2001 م ماجستير آداب شرقية
تعيش حاليا في ولاية ميشغان حيث تدرّس لغة عربية في مدرسة ابتدائية.
ونالت جائزة من الأمم المتحدة لكتاباتها عن حقوق الإنسان
تكتب باللغة العربية و اللغة الإنكليزية مقيمة في الولايات المتحدة لكنها لا تنفك عن معايشة و قراءة المشهد العراقي و لا سيما أحداث الموصل أخيرا
من أبرز مؤلفاتها :
—————-
دواوين منها :
(مزامير الغياب) 1993 و(يوميات موجة خارج البحر) و(على وشك الموسيقى) 1997.
و”الحرب تعمل بجد” (دار المدى، دمشق، 2001)..
و ديوان : (أحبك من هنا إلى بغداد)
اضافة الي عدة مجموعات شعرية بالعربية ومختارات شعرية
و من أعمالها صدرت بعنوان «الحرب تعمل بجد»
ومجموعات مترجمة إلى الإنكليزية، ومشاركات في مهرجانات أدبية وثقافية
= “الليالي العراقية”، التي صدرت سنة 2013 عن دار ميزوبوتاميا، وترجمها إلى الإنجليزية كريم جيمس أبو زيد، وصدرت الترجمة سنة 2014 بعنوان The Iraqi Nights.
= سوق السبايا
و تصور لنا مأساة سوق السبايا في لوحة رهيبة و النتائج التي تحصدها من رحم أوجاع الحقيقة
حيث تحكي عن مأساة اجتياح مدينتها العتيقة تلك المنطقة التي شهدت ميلادها لحظة التكوين .
و اليوم تتذكر ما فعلوه من تدمير لآثار نينوى الآشورية:
و التي تعد واحدة من أقدم حضارات العالم، تشظت ثيران آشور المجنحة والرسوم الناتئة والجداريات والتماثيل، تكسرت كلها بقسوة لا تدل إلا على شيء واحد هو جوهر الروح الشريرة المختبئة خلف وجوه القتلة:
«هبطت علينا الغيوم
حرباً حرباً
التقطت سنواتنا
جنائننا المعلقة
ومضت مثلما تفعل اللقالق
قلنا ليس هناك أسوأ ليأتي
والآن جاء البرابرة
كسروا قبر جدتي: لوحي الطيني
هشموا الثيران المجنحة
عيونها الواسعة المفتوحة
زهرات عباد الشمس
تنظر مدى الحياة
إلى أشلاء أحلامنا الأولى».
و من ثم نطرح نماذج من شعرها كي نتعرف علي قصائد عربية في منافي الغربة باحاسيس شرقية تنم عن فلسفتها و شخصيتها بين الألم و الأمل ترسم لوحاتها الفنية بمسافات حوارية تعكس الواقع حيث الوجع و الحزن الذي يساورها ليل نهار —- !!
رشح كتابها (الحرب تعمل بجد) الى جائزة غريفن للشعر عام ٢٠٠٦ م
مع مختارات من شعر الشاعرة العراقية المهاجرة الي امريكا ” دينا مخائيل ” :
الحرب تعمل بجد
كم هي مجدّةٌ الحرب
ونشطة
وبارعة‍!
منذ الصباح الباكر
تبعثُ سيارات إسعاف
إلى مختلف الأمكنة
تؤرجح جثثاً في الهواء
تزحلق نقالات إلى الجرحى
تستدعي مطراً من عيون الأمهات
تحفُر في التراب
تُخرج أشياء كثيرة
من تحت الأنقاض
أشياء جامدة براقة
وأخرى باهتة ما زالت تنبض
تأتي بالمزيد من الأسئلة
إلى أذهان الأطفال
تسلّي الآلهة بإطلاق صواريخ
وألعاب نارية في السماء
تزرعُ الألغامَ في الحقول
تحصدُ ثقوباً وفقاعات
تدفعُ عوائلَ إلى الهجرة
تقفُ مع رجال الدين
وهم يشتمون الشيطان
(المسكين يدهُ مازالت في النار تؤلمهُ)
الحربُ تواصلُ عملها صباح مساء
تُلهمُ طغاةً لإلقاء خطب طويلة
تمنحُ الجنرالات أوسمةً
والشعراءَ موضوعاً للكتابة
تساهمُ في صناعة الأطراف الإصطناعية
توّفُر طعاماً للذباب
تضيفُ صفحات إلى كتاب التاريخ
تحققُ المساواة بين القاتل والقتيل
تعلّمُ العشاقَ كتابة الرسائل
تدرّبُ الفتيات على الانتظار
تملاٌ الجرائد بالمواضيع والصور
تشيّدُ دوراً جديدة لليتامى
تنشّطُ صانعي التوابيت
تربتُ على أكتاف حفاري القبور
ترسمُ ابتسامةً على وجه القائد
إنها تعملُ بجد لا مثيل له
ومع هذا لا أحد يمتدحها بكلمة .
= = =
في العراق
بعد الف سنة وسنة
شخص سيتحدث الى شخص اخر
اسواق ستكون مفتوحة لزبائن عاديين
شابات ستتمشى
في الشوارع
ولا احد يختطفهن
الطائرة
بعد ساعة من التأجيل
أقلعت الطائرة بركابها المشغولين
المضيفةُ لن تبتسم
الطالبُ لن يقرأ الرسالة
الممثلة لن تقوم بدور الأميرة
رجل الأعمال لن يحضر الاجتماع
الزوجُ لن يرى زوجته
المدرسّةُ لن تضع نظاراتها
خريجة الجامعة لن تتسلم عملها الجديد
العاشقُ لن يحتفل بعيد ميلادها
المحامي لن يدافع عن الموّكل
المتقاعدُ لن يكون هناك
الطفلةُ لن تسأل المزيد من الأسئلة
الطائرة لن تحط.
من ديوان ” الحرب تعمل بجد”
أمريكا
لا تسأليني رجاء ،أمريكا
لا أذكر
في أي شارع
أو مع مَن
أو تحت أية نجمة
لا تسأليني
لا أذكر لون الناس
ولا تواقيعهم
لا أذكر إذا كانت لديهم وجوهنا
وأحلامنا
إذا كانوا يغنون أولا يغنون
يكتبون من اليسار أو اليمين
أو لا يكتبون
ينامون في البيوت
أو على الأرصفة
أو في المطارات
يمارسون الجنس أو لا يمارسون
لا تسأليني رجاء، أمريكا لا أذكر أسماءهم
ولا أماكن ولادتهم
الناس حشائش
تولد في كل مكان يا أميركا
لا تسأليني …
لا أذكر
كم كانت الساعة
ولا تحت أي طقس
أو لغة
أو عََلَم
لا تسأليني
لا أذكر كم ساروا تحت الشمس
وكم ماتوا
لا أذكر شكل القوارب
أو عدد المحطات
… كم حقيبة حملوا
أو تركوا
جاؤوا بتذمرات
أو بلا تذمرات
كفي عن السؤال يا أميركا
وأعطي يدك
إلى المتعببين في الضفة الأخرى
أعطي يدك دونما سؤال
أو قوائم انتظار
فما جدوى أن تربحي العالم
وتخسري الروح يا أميركا؟
مَن قال إن السماء
تخسر كل نجومها
إذا مضى الليل دونما جواب؟
اتركي استماراتك للنهر
اتركيني لحبيبي يا أميركا
مضى وقت طويل
ونحن نتموج ضفتين بعيدتين
والنهر بيننا يتقلب
“مثل سمكة ناضجة”
مضى زمن طويل يا أميركا
(أطوال من حكايات جدتي في المساء)
نحن ننتظر الإشارة
لنرمي المحارة في النهر
ندري أن النهر مليء بالمحار
ولا تعنيه هذه المحارة الأخيرة
ولكن المحارة يعنيها ذلك
فلماذا تطرحين كل هذه الأسئلة؟
تريدين بصمات أصابعنا
بكل اللغات
وأنا كبرت
صرتُ أكبر من أبي
كان يقول لي في الأمسيات التي بلا قطار:
سنذهبُ يوماً الى أميركا
سنذهب يوماً
ونغني أغنية
مترجمة أو غير مترجَمة
عند تمثال الحرية…
والآن يا أميركا الآن
أتيتكِ بلا أبي
فالموتى ينضجون قبل التين
لكنهم لا يكبرون يا أميركا
يأتون ظلاً وضوءاً بالتناوب
في منامنا
أو مع الشهب
أو يتقوسون قزحاً
فوق البيوت
التي تركناها
هناك
ويزعلون أحياناً
لأننا نتأخر عليهم
قليلاً…
كم الساعةالآن؟
أخشى أن يصلني بريدُك المسجل يا أمريكا
في هذي الساعة
التي لم تعد تصلح لشيء
فأداعبُ الحرية قطً أليفة
ولا أدري ما أفعل بها
في هذي الساعة
التي لم تعد تصلح لشيء…
وحبيبي الذي هناك
عند الضفة الأخرى
من النهر
يحملُ لي زهرة
وأنا – كما تعرفون-
لا أحب الأزهار الذابلة
حب خط حبيبي
يشرقُ كل يوم
في البريد
أنتشله من بين إعلانات تجارية
وعروض خاصة

و بعد هذه القراءة السريعة في لمحات تمسك بأوجاع الغربة و يظل الحب يتهادر من صقيع أمريكا هنا كدجلة الخير المتدفق بين ربوع الرافدين مع ملحة العشق البغدادي ترسم لنا ظلال الحزن و الفرح برغم الجراحات تغني شاعرتنا المترجمة ” دنيا مخائيل ” الحلم الذي ينمو مع الايام في احاسيس صادق تفتح لنا حلم العودة في شوق و حنين بعد حروب تتارية جديدة و تستلهم اسطورة لاهكو في ثوب امريكي يقود عجلة الحرب و الدمار علي جثث و أشلاء الموتي حيث أنهار الدماء تغمر ضفاف الزوراء مدينة السلام بلا توقف تحمل قضيتها في قصيدة تسجل باريحها ليل نهار الي الانسانية و العالم المتمدن دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى