دراسات و مقالات

أبجدياتُ عاشِقْ … الشاعر الأردني الدكتور محمد القصاص – 1944 م

السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي

 

 

 

 

ما بالُ حزني يستبيحُ جَوانحــــــــــي *** فازدادَ جِسمي بالهُمُوم ذُبـُـــــولا
نكأ الجراحَ ..بأضلعِـي وبخافقــــِي *** نزفتْ فأوحتْ للزمانُ ذَََهــــــولا
جاهدْتُ قلبي كي يَثُوبَ لرِشْـــــــدهِ *** عللتهُ .. لم يقبل التَّعليــــــــــــــلا
فلعلَّ قلبي قد يتوبَ عن الهـــــــــوى *** يوماً : فيكفهِ الجُحُودُ دَليـــــــــلا
ما زالَ في خمرِ الجفاءِ معاقـــــــــــرا *** هلا ابتعدتَ عن الجفاء قليـــلا
لم تَُشْف من ألمِ الجِراحَاتِ التـــــي *** عايَشتََها أمَـداً فصرْتَ عَليـــــلا
” من قصيدة : ما بال حزني يستبيح جوانحي ”
—————

من مملكة الأردن نتوقف مع حركة الشعر و الشعراء فان هذه البيئة منحة الانسان الكثير من الفنون الجميلة و لا سيما الشعر فباتت هذه المنطقة واحة للابداع الفني الأصيل و ها نحن نتوقف مع شاعر من عجلان عاشق للمكان يتغزل في طيف الذكريات من شعراء الرومانسية أنه الشاعرالدكتور محمد القصاص الذي ترجم لنا تجربته في قصائد تضاف الي كتاب العشق ، و قد سار علي منهج الوزن الخليلي الأول مع تجديد في القالب لشكل القصيدة كما في المدرسة الرومانسية و حافظ علي الموروث مع روح القصيدة التي تواكب الوقت بكل مستلزماته و تطوراته السريعة في بساطة و تلقائية فامتلك اللفظ و المعني و الموسيقي في ترابط منطقي جمالي يكشف لنا أسرار العملية الابداعية موال عشق متناغم متلاحم متكامل تفرد به القصاص من عمق محرابه المتيم .
و ظل الوطن و المرأة من خيوط نسيجه لتجربته الذاتية مع التعريج علي مفاتن الطبيعة الفيحاء يرشف منها حلمه السرمدي مع الصدق في البوح و الأخر .

و نراه يعلي برسالة المعلم فيسطر لنا قصيدة عصماء في حب و ايمان بدوره التنويري و رسالته الانسانية فيترجم كل هذا علي أرض الواقع شارحا و مادحا عطاياه كما في قصيدة ( في يوم المعلم ) يقول القصاص :
أشرق الفجر و قد شق القتاما فجلا من نوره ثوب الظلاما
فأنارت شعلة التاريخ علما فغدا بالفكر أمنا و سلاما
و أرتقت هامتنا فوق الأعالي جاوزت أعناقنا هام الغماما
و غدت آياته في الشرق نورا فتسامت فيه أحلام النشاما

فشاعرنا د. محمد القصاص يعد من رواد شعراء الرومانسية المجددين ، و لم لا فهو يدور مع شاعر الاطلال دكتور ابراهيم ناجي ، و المهندس شاعر الجندول الملاح التائه علي محمود طه ، و شاعر الريف و الكوخ محمود حسن اسماعيل ،
و غيرهم من كبار الرومانسية و الغرزل المعاصرين حيث يسمو بالنفس و يترنم بالجمال و حب الطبيعة و البعد عن الصراعات و التجنح الي الخيال و تهويمات ترسم صداها مع فضاءات النفس و الغناء علي شجن قيثارته المحترقه و أنفاسه الحائرة القلقة … !! .

فيقول في قصيدته الميمية بعنوان (همسُ..الحروف ) العذبة و الرائعة مصورا لنا همسه و نبضه مع الحب و العشق في لوحات متناغمة السحر و الدلال بين الغرام و مكابدة الهيام في رقي و تأمل بديع فتبدو الجمل و الصور و الأخيلة و الايقاعات سلسلة متناسقة متناغمة في أطارها المعنوي و المادي شكلا و مضمونا مع جودة فائقة و صياغة فنية محكمة و ذائقة مشرقة :
إنِّي المتيَّم في حِماكِ مُقيــــــــــــــمُ *** واليومُ نفسي بالغرامِ تهيـــــــــــــمُ
والعين تذرفُ بالدموع وليتهـــــــــا *** رحلتْ وجمرٌ بالفؤاد يــــــــــــدومُ
يا ليتَ رُوحي قد تَثُوبُ من الهـوى *** عُـذرا فقلبي حائرٌ مَكلــــــــــــــومُ
يا لائمـي رفقا .. فما فَعـلَ الهـــوى *** زمناً وقلبي للهوان نديــــــــــــــــمُ
جـفَّ المِدادُ وحبُّنا لا يَـمَّحــــــــــي *** والجِسمُ من وَهَجِ البُعادِ سَقيــــــــمُ
كالجَمرُ يكويني ويُحرقُ خافقــــــي *** والنارُ تغزو أضلعي فتـقـيـــــــــــمُ
والعينُ كانتْ قد تمادتْ في البكـــــا *** وهنا على الوَجْناتِ ظـلَّ يَحـــــــومُ
نظـرَتْ وقلبي إذْ تلفَّتَ خِلســــــــةً *** فبدى على وهجِ الحميمِ حميـــــــــمُ
جاءتْ .. فقلتُ لعلهـا تروي لنـــــا *** قصصا .. ولكنَّ المكانَ وُجُـــــــومُ
زَعَمَتْ بأن الحُبَّ مَحْضُ مَشَاعــرٍ *** يَغدو ويَرجِعُ والفؤادُ كليــــــــــــــمُ
والحبُّ يبقى في الفؤادِ منافحـــــــا *** ويذوبُ في وهَـجِ الحياةِ زنـيــــــــمُ
قالتْ وعهدَ الله أنتَ بخافقــــــــــي *** نفسي وقلبي للقاءِ يـــــــــــــــــرومُ
ظلتْ تبادلني الهوى سِــــــرا ومـا *** عادَ الهوى في عُرْفها مكتـــــــــومُ
فبجَفنها المَحزونُ بعضُ صَبابـــةٍ *** جُرحٌ بأحداقِ العيونِ قديـــــــــــــمُ

نشــــــأته :
======
ولد الشاعر الأردني الدكتور محمد سليمان القصاص في واحد سبتمبر ١٩٤٤م .
ببلدة باعون. عجلون. الاردن .
و هو من احفاد عائشة الباعونية .
درس في ثانوية السلط ، ثم تخصص في اللغة العربية و آدابها .

من منجزاته الادبية :
——————-
= ديوان شعري. رفيف الاقحوان .
= كتاب. الطريق الميسر لقواعد اللغة العربية
= كتاب الطريق الى الروي
= كتاب. شرح العروض والقافية
= كتاب. I CD L. باللغتين العربية والانجليزية .
= كتاب. موسوعة المعارف يتجاوز الالفي صفحة .

يقول شاعرنا الدكتور محمد القصاص في قصيدة غزلية ” أبجدياتُ عاشِقْ ” حيث تباريح العشق تطفو علي ملامح الوجود ترسم هالات الحب في تسامي متباين مع رنات الأفق التي تحدق بالأوهام و الأحلام فيعانق الذكريات حلما يغمر الكون سرورا و نقاء فتتحقق الأمنيات مع أنداء الفجر في بشارة الشاعر العاشق المترنم بأبجدياته التي تسافر معه كالنهر المتجدد هكذا :
الحبُّ في عَهدِ اللئَامِ جَهالَـــــــــــةٌ *** والعِشقُ في أعْرافِهِمْ تَثْريـــــبُ
والوَجْدُ يبدو حَالةً عَبَثِيَّـــــــــــــــةً *** بل إنَّهُ في زَعْمِهمْ تَتْبيــــــــــبُ
واللهُ من فَوق السَّماواتِ العُلــــــى *** خَلقَ المحبةَ والجميعُ يُجِيـــــبُ
لولا المَحَبَّةَ لم يكنْ لحياتِنَــــــــــــا *** طعمٌ ولا للصَّفْوِ فيهــــا دروبُ
لوجدتَ بعضَ الخلقِ مجبولا على *** كُرْهٍ وتلقى الحاقدين ضُـــروبُ
لكنَّ جَهْلَ المَرءِ في أحْكَامِـــــــــهِ *** شَكٌّ بِحالِ المُغرمِينَ مُريـــــبُ
فهمُ يَسُبُّونَ الهوى وظروفَـــــــــهُ *** بلْ يزعمون بأنَّهُ تَعْذيــــــــــبُ
يَجتاحُ قلبَ المَرءِ لا يُبدي لـــــــهُ *** عُذرَاً لهُ بينَ الضُّلوعِ لهيـــــبُ
من عَهدِ قيسٍ واللواعِجُ ما خبَـت *** ولِعَهدِ ليلى والحبيبُ حبيـــــبُ
من ذا يُلَوِّمُ مدنفَاً في عشقِــــــــهِ *** فالحبُّ يسمو والمَزَارُ قريـــبُ
يا من يَذوبُ الوَجدُ في أعْمَاقِـــهِ *** عبثا فحاولْ أنْ يَرَاكَ طبيــــبُ
فلعلهُ يُشفيك من سَفَهٍ ومِـــــــــنْ *** تلك العيوبُ إذا غزتكَ عيــوبُ

مختارات من شعر دكتور محمد القصاص :
—————————————-

ان شعر القصاص ينطق بالغزل و الجمال و التأمل بين ظلال الطبيعة فهو المغني الرومانسي لموال العشق علي لحن أوتاره بين النغم المترابط بمعجمه المتفرد حيث يألف الترحال و الانطلاق و الكلمة التي تضيء دربه مع حركة الحياة في تطورها السريع .
أجل ان قصيدة الدكتور محمد القصاص التي بعنوان ( يا توأمَ الرُّوحِ ) تذكرنا بنونية ابن زيدون حيث يطوف بنا بين ظلال و جمال الطبيعة بسحرها الفواح ينشد خلاصة حكايات الروح المسكونة بالحب و الجمال و الخير فيقف عند عتبات الروح و الزهر ملوحا بايقاعاته المتنوعة في تناغم و اعادة الذكريات لمحراب المغني كي يرتل مع الطير أناشيده من جديد كل صباح و مساء في رمزية الوجودية :

يا توأمَ الرُّوحِ ما للزَّهْرِ من عَتَـــــبٍ *** إنَّ الورودَ ببعضِ العِطْرِ تُنشينــــــا
حتى النسائمُ في الأرجاءِ تُشغلنــــــــا *** والسَّوْسَنُ الحُرُّ بالآمالِ يُحيينـــــــــا
لا يَبخلُ الزَّهرُ إنْ هبَّتْ نسَائِمُــــــــهُ *** أو يَهجُرُ النَّفْحَ عندَ البَوحِ نِسرينـــــا
بين الأزاهرِ ظلَّ القلبُ في شجـــــنٍ *** إنَّ الرَّحيقَ بصافي الشَّهْدَ يَرْوينـــــا
حديقةُ الرَّوضِ تُغْرينا بِسَوسنَـــــــــةٍ *** فيها الجَمالُ وصافي العِطْرِ يُشجينـا
يا بلسمَ القلبِ هذا النفحُ يحملَنِــــــــي *** بين الجوانحِ والأحلامُ تُحيينـــــــــــا
هذي الجِراحُ بذكرى الشَّوقِ تُوقِظُنــا *** بخالصِ البوحِ والأزهارِ تُشجينـــــــا
يا بلبلَ الدَّوحِ لا تلهينا عن طـــــربٍ *** لا بالفِراقِ ولا بالشدو تُنسينــــــــــــا
لا تخذَل القلبَ إنَّ الصبحَ يأخذنــــي *** نحو المغيبِ وهذا السِّحرُ يغرينـــــــا
إمضِ مع الحبِّ في ذكرى تؤرقنـــــا *** ولا تُماري ولا بالصَّدِّ تُشقينــــــــــــا
يا مَبْسمَ الزهرِ يا ثغراً أُقبِّلُـــــــــــــهُ *** صافي الرُّضابِ بعِطرِ الزهرِ يَعطينا
يا للنسائمِ تأتي الرَّوْضَ توقظــــــــهُ *** وبلبلُ الدَّوحِ قد ناحَتْ لتُبكينــــــــــــا
تيهي مع الحبِّ لا تَبقي على مَضَضٍ *** لا .. لا بحَقِّكِ أو تيهي فادنينـــــــــا؟
يا رِقَّةَ الزَّهرِ في الأكمامِ تُشغلُنـــــي *** ورقَّةُ الصُّبحِ في الأسْحارِ تُلهينــــــا
لا تُسْلمي القلبَ للأوْهامِ وانتبهــــــي *** بعضُ التَّوَهُّمِ بالآفاتِ يُضنينـــــــــــا
أو تَهجري القلبَ هذا الحُبُّ يُسْعدُنــا *** منه الأوارُ ببعضِ الدِّفءِ يُصلينـــــا
نسائمُ الشَّوقِ في الأسْحار قد بَعثــتْ *** رسائلَ الشَّوقِ والنَّوَّارِ تَهدينــــــــــا
هذه إحدى قصائد الدكتور محمد القصاص (يا سلطُ ) و التي ألقاها في مهرجان العباءة الخضراء السنوي الذي يقام في محافظة عجلون في ذلك الحفل و قد تغني بروعة و جمال المدن و التراث مثل أترابه من الشعراء الكبار علي مدي العصور و الأمصار و هو يذكرنا بنزار قباني الذي أفرد قصائد عصماء في تصوير المدن شعرا حيث يقول القصاص مترنما شاديا بالسلط مغازلا مناديا ظلال الحب مع شهد الفجر :
يا سَلطُ هل ذلَّ الشَّهيد لفاجِـــرٍ؟ *** يوماً وهل قصُرَ المدى بمداكِ
نفديك بالمهجِ العزيزةِ دائمــــــا *** وجراحنا نزفتْ هنا لفِــــــدَاكِ
عاتَبْتُ جَفْنَ العينِ حين تناثَـرتْ *** منها دُمُوعُ الشَّوقِ كي تلِقَــاكِ
وسألتها عن حالها فتأوَّهَـــــــتْ *** عثرَتْ بِجرحٍ نازفٍ بِثـــرَاكِ
يا سَلطُ فيكِ تجذَّرَتْ آمالُنــــــــا *** منذُ الصِّبا يا سَلطَنَا رَحْمَــاكِ
وتوقدَّتْ أقلامنا حين ارْتقـــــتْ *** أرْواحُ من وهبُوا الدِّمَا بِرباكِ
فتَذَكَّري يا سَلطُ بعضَ طُفولتـي *** فغضاضتي لثمَتْ عبيرَ شَذَاكِ
وتذَكَّري يا سَلطُ فيكِ شقاوَتـــي *** وسَعادتي يا سَلطُ بين رُبَـــاكِ
يا سلطُ هبِّي كي تظلَّ مَدامعـي *** قَصْراً على دَمْعٍ هَمَا لأســـَاكِ
اللهُ أكبرُ من فعائلِ مجــــــــرمٍ *** أدمى فؤادي مثلما أدمــــــــاكِ
الله أكبرُ من رَماكِ بغــــــــدرهِ *** ألفَ الدَّمَارَ لجَهْلِهِ فرَمَــــــــاكِ
بالأمسِ أنْكأتِ الجرَاح فطَاولتْ *** قامَاتُ قومي هامَةَ الأفْــــــلاكِ
والله إنِّي ما صبرْتُ تَخَــــــاذلا *** أبدا ولا هانتْ عليَّ دِمَــــــــاكِ
يا سلطُ قد وقعَ الشهيدُ مُلَبِّيَــــــاً *** طلبَ الشَّهادةَ فارتقي لِعُــــلاكِ
ما كنتُ أعلمُ أنني في أحرفـــي *** أُرثي الشهيدَ لكي أنالَ ثنـــــاكِ
نحنُ الرِّجَالُ إذا بكينا مَــــــــرَّةً *** نخشى المعابَةَ إنْ تكن لسِــواكِ
أمُّ الشَّهيدِ تلفَّعتْ بحنينهـــــــــــا *** وبكبرياءٍ سارعَتْ تلقَــــــــــاكِ
لا عاش في وطني الحبيبِ مُنافقٌ *** أو فَاسِدٌ ياسَلطُ يومَ جَفــــــــاكِ
يا سَلطُ أنتِ السَّلطُ رمزَ مُروءَةٍ *** ما عاشَ من رضيَ الخنا بِحِماكِ
فيكِ الرقيُّ وفيك رفعَةُ فَــــارِسٍ *** والخيرُ طبعٌ دامَ في يُمنـــــــاكِ
هيَّا إلى عجلونَ فهي جريَحــــةٌ *** وإلى معانَ كلاهما حيَّـــــــــاكِ
وامضِ إلى كركِ الرِّجولَة تلتقي *** كرَما على أطْرافِها يَلقـــــــــاكِ
وإلى الطَّفيلةِ ترعوي بجَـــراءَةٍ *** أهلَ القنا قد قاوموا بقَنـــــــــاكِ
وامضي إلى عرضِ البلاد وطولها *** وإلى الشَّمَالِ هناك من يرعـاكِ
عودي إلى الزَّرقاءَ واروي قصَّةً *** فيها شبيبٌ علَّهُ أجْـــــــــــــزاكِ
والمَفْرقَ الميمونُ في أرجائـــــهِ *** رَملٌ يُطاول بالحنين سَمــــــاكِ
يا سَلطُ تلكَ عُروبِتي في غَفْـــوَةٍ *** نامَتْ بذلٍّ عارمٍ وهَـــــــــــلاكِ
فعروبتي وهنت فكانت حيرتــي *** من ذا يُقَتِّلُ شَعْبَـــــــــــــهُ إلاَّكِ

و مازال القصاص يحوم حول كعبة الغزل مترنما في قصيدته و التي بعنوان ( أقبِّلها ولم أخشَ عذولا … ) حيث يطول بأحلامه العذاب يرشف من فيض جمال الروح ترياق الحياة في بائيته التي يستمد جسور التواصل مع أمير الشعراء شوقي فيقول القصاص فيها :

أقبِّلها ولم أخشَ عَــــــــــــذولا *** وأحميها بأحلامي العِــــــــــذابِ
فجئتكِ لا أبُالي من عَــــــــذابِ *** ولا من حاسِدٍ يَجْتاحُ بَابِــــــــــي
فأقضي العُمرَ مع أنغام روحي *** بِرغمِ الشامتِينَ على المُصَــــابِ
ألا إني عَزمتُ على مَسيــــــرٍ *** ولم أحسبْ لمن يبغي حسابــــي
صَبرْتُ وَخافقِي بالصَّبر يلهــو *** وسامَحْتُ المُسيءَ بلا عتـــــابِ
هناك الغادرون إذا تَــــــواروا *** أداروا السُّمَّ في نقع الشَّــــــرابِ
أداروهُ فكان الغَدرُ منهـــــــــم *** كنقع الصَّابٍ في سمٍّ مُـــــــذابِ
سيمضي الغادرون إذا تَمَـادوْا *** فخانوا بالرَّوَاحِ وبالذهـــــــــابِ
يروحُ الغادرون إلـــــى زوالٍ *** ويغدو الحاقدون إلى التُّـــــرابِ
أقول لحاسِدي أجنيْتَ ظُلْمــــا *** وزُورا هل تعودَ إلى المَـتَـــابِ
أيُقصيني الأحبةُ دونَ ذنْــــبٍ *** ويهجوني بلا سَببٍ صِحابــــي
فلا تحسبْ بأنكَ حُزْتَ علمــا *** وأنَّ سِواكَ يكفيهِ التَّصابـــــــي
لتعلمَ أنكَ الباغي بظلـــــــــــمً *** وأنَّك قد أسَأتَ ولم تُحَابـــــــي
سيعلمُ كلُّ غَدَّارٍ بأنِّـــــــــــــي *** عفيفٌ بالحُضورِ وبالغيــــــابِ
فلن أحني لباغي الذلِّ هامـــــا *** ولن يَنزِفْ إلى بطلٍ صَوابِـــي
ستعلوا هامتي ويَبيتُ قلبــــــي *** نقيَّا لا يَعيبُ ولا يُحابـــــــــــي
وإني إن حَضَرْتُ أكونُ شهما *** وترقى هامتي فوق السَّحَــــابِ
تُزِينُ الناسَ في ميزانِ غِـــشٍّ *** وتغدو بالمهانَةِ والسِّبَــــــــــابِ
لأنَّكَ أدنى خلقِ الله خُلْقَــــــــا *** وأدنى منزلا عندَ الحِسَــــــــابِ
فبعضٌ قد شَكَاكَ به مِــــــرَارٌ *** وبعضٌ يشتكي ألمَ المُصَـــــابِ
أنا أسمو بأفكاري وعلمــــــي *** وبعضٌ باتَ مادونَ التُّــــــرابِ
أنا عَلَمٌ من الأعْلام أسمـــــــو *** ويكفيني التألقُ باغترابـــــــــي
فكم لي من صداقاتٍ وصَحبٍ *** وأحبابٍ فما انتظروا ثوابِـــــي
وأمَّا مَا عَهِدْتَ فأنْـــــتَ أدرى *** أقاويلاً ، سَرابا في سَـــــــرابِ
طُعِنْتُ بخافقي غدرا فأوهـــى *** ضُلوعي من رماحكَ والحِرَابِ
شكوتُ قضيتي نذلا مريبــــــا *** فجاء الردُّ أقبحُ من مُصابــــــي
تعبتُ من الصَّداقةِ حين تنبـــو *** سيوفُ الحَقِّ عن مهوى الرِّقَابِ
فكان الزيفُ في وَجَنَاتِ غَـدرٍ *** أضاعَ الحَقَ في صدقِ الجَـوابِ
تُعيبُ سِواكَ ظُلما وافْتِـــــرَاءً *** أأدركتَ المُعيبَ من المُعَـــــابِ
أتلقاني بوجْهٍ حين تأتـــــــــي *** ووجهٍ غادرٍ عند الغِيــــــــــابِ
ألا إنِّي عَتبتُ فساءَ عُتبـــــى *** لأني قد أضعتُ به عِتَابِـــــــي

نحن سعدنا بظلال شعر الشاعر الدكتور محمد القصاص الذي يأتي من أغوار الأردن محملا بشذي الزهر و فيض الجمال يحمل رسالة الغزل و الجمال أترجة منقوشة علي صفحات العشق بقلب شفوف ممتليء بالعبقرية حيث يملك مفردات و أخيلة و بلاغة و تناسق تلقائيا ينم عن مقدرة وطاقة ابداعية متداخلة تأتي من وعي رومانسي ذاتي متغلغل بتجاربه مع الحياة .
و من ثم تعكس قصائده المتنوعة لنا مدي عمق ثقافته المضافة الي موهبته و مقدرته اللغوية و البلاغية و حسه المفرط بمشاعره الصادقة و المؤثرة في متوالياته حيث يجسد ملامح الانسان المسكون بحلم الفنون الجميلة الراقية دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى