قصة

يقظة الألم

سعيد عبدالهي الكعبي

وسط ضجیج وجع ممرات المستشفی أسرعوا به إلى غرفة خاصة… غرفة مغمورة بصخب الآلات … كأنه انتقل إلى عالم آخر، يتسارع الممرضون والأطباء، طبيب يراقب تنفسه وممرض يزن ضغطه. وكان يراقب كباقي المرضى الذين لا يتجاوز عددهم خمسة أشخاص. الهدوء يخيم على الغرفة، لكنه بدأ ينقلب إلى خوف، إلى انهيار.. إلی جنون. خاصة إذا كان الهدوء مغمور بالوحدة والبعد عن الأحبة… هكذا كانت حالة المرضى المصابين بفايروس كورونا في مستشفى رازي!
يملك فالح عقارات ضخمة في منطقة كيان بارس ولديه محل لبيع السيارات، الوقت لا يعني له شيء، كان همه الأكبر صفقة تكسبه المزيد. كان کل یوم يسعى لتوسيع صفقاته ومكاسبه.
في ذلك المساء كانت ابنته رقية تنتظره ليأخذها إلى السوق حتى تبتاع ما يلزمها لحفلة عيد مولدها. فجأة شعر بحرارة شديدة؛ فما كان منه إلّا أن توجه للطبيب قبل أخذ أبنته للتسوق. وانقلبت الأمور. وجد نفسه يُؤخذ إلى الغرفة المخصصة لحماية المصابين بفايروس كورونا. في لحظة انهارت قواه. ها هو الآن في سرير بسيط بقربه شخص يشاركه الاصابة. لكن حالته أفضل منه. کان قد بدأ يتماثل للشفاء. نظر إليه بعطف متکئا علی السریر یؤمي بيده لفالح كأنه يُصّبره ويدعوه لعدمّ القلق. في هذه اللحظه دخلت الممرضة وقالت: “علوان إذا شعرت بإختناق.. أخبرني كي أجّهز لك الأكسيجن”.
أخذ علوان ورقة وقلم رصاص ليكمل اللوحة التي انشغل بها منذ أيام. راح يرسم. مازال فالح متفاجئا مما يحدث له. يراقب الآن علوان ولوحته. داخله الفضول ليرا ما يرسمه. انتبه علوان لحركة فالح، رفع ظهره وأدار اللوحة اتجاه فالح. انصدم فالح مع وقوع عينيه على اللوحة.
معالم رجال يحاربون الظلمة، متجاهلين الموت الذي قد يباغتهم ويأخذهم كما الريح. بينما النوارس في الأعلى تحاول تنبيههم مما آتٍ إليهم. لكن قد فات الأوان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى