دراسات و مقالات

يحمل الموت علي كفيه – الشاعرة المصرية الجنوبية هبه أنور

السعيد عبد العاطي مبارك


خبِّرني ما ذنبي يا أبي؟!
خبِّرنى ما ذنبى؟!
لو أبلغُ سنَّ العشرين
و يحطُّ طائرُ الكناريا على
خصْرى؟!
لو أغسلُ النهدَ فى
أوديةِ البرقوقِ و ماءِ
الشعرِ؟!
ما ذنبى لو أحبلُ
بالسفرجلِ و يختبئُ
الفيروزُ تحت الثغرِ؟! .

” من قصيدة : خريطة للكحل كعقلة اصبع” 
—————

عندما نطوف مع الشعر و الشعراء في رحلة ابداعية فنية اشراقية مع ضفاف النهر الخالد من جنوب مصر المحروسة نتوقف مع زهرة جنوبية ذات ربيع ينبيء بعبقرية أم الفنون السبع الجميلة ” هبه أنور ” التي تنتمي الي أسرة ذات نسب شريف بقنا ، و التي لها طابع خاص في صعيد مصر ترجع أرومتها الي السياسة و الأدب و الأعلام بل و في جميع المجالات المختلف . 
و من ثم تبهرنا شاعرتنا ذات وجوه متعددة الأشكال و الألوان في عبقرية و نبوغ منذ نعومة أظفارها . 
فهي تذكرنا بــ ” أمل دنقل ” بتهويماته ، و ” نزار قباني ” في جرأة غزلياته ، و غنائية الأبنودي ، و لم لا فهي زهرة جنوبية و نخلة تحكي حضارة وادي النيل الأصيل في لوحة متناغمة البيان شعرا و رسما … !! .
‏و الحديث يطول مع روح الشباب و لا سيما مع أنثي تحمل رسالة الكلمة و الصورة في خطين متوازيين نحو الأمل ترسم خريطة الحياة بمشاعرها الصادقة و المؤثرة للفن و المجتمع معا . فهبه حزين انسانة مسكونة بأم الفنون الجميلة و لم لا فهي ‏شاعره‏ و كاتبه و قاصة و فنانة تشكيلية‏ و مترجمة و محاضرة للغه الإنجليزية !. 
و لها أعمال مرسومة بألوان الزيت المتداخلة ذات الظلال الساحرة و بصمات في واحة الابداع تعكس مرايا نظرتها التأملية في فلسفة متباينة الأركان ومقومات و خصائص تجربتها بصبغة الحب التي تطرز لوحاتها الشعرية و الفنية و ترجمة الأخر في تلقائية فتنهل من حضارات متنوعة موسوعة ثقافية عامرة بكل ما نبحث عنه من أجل الحقيقة الغائبة . . 
و تم اختيارها ضمن مشروع : ( المبدعون العرب 1000 قلم ) .
و شاعرتنا هبه أنور حزين السمان ، ابنــة الصعيـد الجوّاني المولــودة في قريـــــة السمطـا قبلي بمركز دشنـا بمحافظـة قنــا، جمهورية مصر العربية .)
حاصلة على درجة الليسانس في آداب اللغة الانجليزية لعام 2012 م من جامعة جنوب الوادي بقنا ، و الدبلوم العام في التربية لعام 2016 م .

تعمل فنانة تشكيلية , محاضرة و مدربة للغة الانجليزية , مترجمة , شاعرة , قاصة و كاتبة .
عملت كمحررة صحفية و رسامة لبعض الصحف , و تعمل مصممة للفوتوشوب .
حاصلة على ” المركز الأول ” في مسابقة ” مركز عماد قطري للتنمية و الابداع ” عن ديوانها الفصحى الاول بعنوان ” يحمل الموت على كفيه ” لعام 2018- 2019م .
أقيم لها حفل توقيع لديوانها الفصحى الأول بمعرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2018 م.
تم تصوير بعض اللقاءات التلفزيونية معها على قناة ” النيل الثقافية ” , قناة ” الشارقة ” , قناة ” الحياة ” , قناة ” طيبة ” و اذاعة أسوان الفضائية .
لها الكثير من أعمال الترجمة و الأعمال الشعرية و القصصية الحديثة المنشورة بجريدة ” الدستور ” , و جريدة ” أخبار الأدب ” , ” جريدة ” روز اليوسف “, ” جريدة ” القاهرة ” ,” جريدة ” الرأي” , جريدة ” الموجز العربي “, و جريدة ” منبر التحرير ” و غيرها .
عضو نشط في الكثير من المنتديات و الصالونات الثقافية بقنا و بيت الشعر بالأقصر .

و قضت فترة من عمرها في مدينة الإسكندريــة . 
فحصدت من الجنوب و الشمال و النهر و البحر السنابل و اللؤلؤ كي توشح بها فنها الجميل الماتنوع . 
و اقتحمت المشهد في حضور بهي و جرأة تحسب لها في زخم و عطاء متدفق هكذا .

و قد صدر ديوانها الأول في 2018 عن دار يسطرون .

تقول المبدعة المتألقة ” هبه أنور ” و التي جمعت بين الشعر و الرسم في ثنائية الروح و الجسد مع ظلال الفنون الجميلة في نصوص نثرية بعنوان ” ليلةُ الهالوين” :
ينتابُني صراعٌ يقتحمُ 
كالرصاصِ لحمَ مئذنةٍ 
تصرخُ في جوفي
يلوكُ المدنَ في حلقي
كما جريمةٍ ليلةَ الهالوين 
فأتقوقعُ بجسدي في
شرنقةٍ من النعاسِ … 
و ثورةُ بؤسٍ تتسربُ إلى
مسامات جلدي 
تفتتُ العظامَ في قِدحها
الذي ابتلع مساحيقَ النبوةِ 
من على ضفة النهرِ الغارقِ 
في نحرهِ
و لكني على جدارِ البوحِ …

و من ثم تتعمق برؤيتها مع رحلة الشعر في معانقة ممزوجة بالشوق و الحنين تزف لنا ذكريات العمر الجميل فتقول شاعرتنا الجنوبية ” هبه أنور ” في قصيدة بعنوان ( حبك ) حيث تصدح بمنظومة العشق في جرأة تحوم حول مدار نزاري تسجل تباريح العاطفة محاكاة لروح حركة وتطور مسيرة الحياة :

و حبك طير يلهو فى الجوانح …
طفل شقى ، شرقى الملامح …
يا عمرى ! حبك فوضى إغتالت اللوائح 
و أذوب فى فضاء عينيك ، دوما أذوب 
أداعب الفراشات عندك فى الدروب 
و سحابى يعانق نخيلك ، و يرقص فى عرس الضياء 
و على ورق الصفصاف يا عمرى ،
يشدو لنا لقاء 
بالله يا عمرى ، متى إقتسمت قرص الشمس مع السماء ؟!!
الكون يعزف حولنا لحنا يوم القدر شاء 
فأنا انتظرك من قبل التاريخ 
من قبل الحضاره 
فأنت وحدك التاريخ 
و أنت الحضاره 
……….

و حول شعرها تتجول بنا كالطائر بين حزن وفرح تغتسل بجدائلها في النهر مع الليل تحكي موال الحب في صمت مع رحلة العمر علي وقع الصراعات و الانانية البشرية .
من شـــــــعرها :
========= 
” 
تقول شاعرتنا الرائعة الزهرة الجنوبية هبه أنور ذات الحرف المبهج بشذي الحب المتنامي ، كالنهر المتدفق بعنوان ( خريطةٌ للكحل كعُقلةِ إصبعٍ ) تستدعي من دفترها يوميات التاريخ بحس براءة الطفولة مع مأساة هارون الرشيد و صراعات الطغاة هولاكو و هتلر ، لكنها تمضي في تحدي وصمود في عباءة الفروسية و الحب مع عنتر عبلة ، كسرب الحمام الأنيق في تحليق وسط صفاء السماء بعد أن عشقت مظاهر معاني الحياة :

خبِّرنى ما ذنبى يا أبى؟!
خبِّرنى ما ذنبى؟!
لو أبلغُ سنَّ العشرين
و يحطُّ طائرُ الكناريا على
خصْرى؟!
لو أغسلُ النهدَ فى
أوديةِ البرقوقِ و ماءِ
الشعرِ؟!
ما ذنبى لو أحبلُ
بالسفرجلِ و يختبئُ
الفيروزُ تحت الثغرِ؟!

أذنبى أن فَرّخَ الحَمَامُ
فى الشجرِ؟!
أَيُدهِشُكَ لو البرتقالُ
فى عروقى يجرى؟!
ليس شأنى لو ينامُ
طائرُ “الكوكاتو” فى شَعرى

أَعَيْبى أن يَلَعَبَ السمكُ
الأحمرُ فى نهرى؟!
ماذا يا أبى لو
يخرجُ مِنك”عنترةُ بن
شدادٍ “و “هولاكو “و “هتلر”؟!
ماذا لو أنك تدخِّنُنى
فى نرجيلتِك كعودِ عنبرْ؟!
ماذا لو تحبسُنى
فى قهوتِك كقالبِ السكرْ؟!
ربَّما بأنوثتى
ببراءتى
بطفولتى
بالخوخِ فى دفاتِرى

أتعطرْ
يا أبى!

لو أنكَ تُحللُ فَصيلةَ

دمى

لو أنك تُحللُ شريَانى

لا أقدرُ أن أفسّر

كراتِ دمىَ البيضاءَ

و كراتِ دمىَ الحمراءَ

الآن تتحرَّرْ

ما ذنبى لو يسكنُ

شريانى “دوستوفسكى”

و “باولو كويلو “؟!

ما ذنبى لو فى حضرةِ

“الخيميائى ” أسكرْ؟!

يا أبى!

لو أنك قبضتَ على

كلِّ شرايينى

لو أنك هاجمتَ

الأوردةَ لن تقدرْ

لو هاجمتَنى بهراواتِ

الجنوبِ والقبيلةِ

و البربرْ

سأهاجمُك بغاباتِ

الليمونِ والتفاحِ الأخضر

ذاكَ الموجُ فى عروقى

كبركانٍ لن يهدأَ

لن يتكررْ

افعل يا أبى ما شئتَ

لو تقدرُ امنع الوردَ

أن يتعطرْ

لو تقدرُ أن تكسِرَ

البلورَ فى الحلماتِ

و على النهدِ فاكْسِرْ

فكلما هاجمتَنى بجيشٍ

من الرومانِ سأهاجمُ بجيشِ

“حتشبسوت” وأقهرْ

اضربنى أكثرَ فأكثرْ

سأهاجمُ بكل المرمرْ

سأهاجمُ بأغصانى

البابليةِ

بقططى الفرعونيةِ

بأشعارِ “بنت المهدى “

و العنبِ الأحمرْ

اضربْ خُلجانى و مُدنى

اضرب قِلاعى وسُفنى

فما يعيبُ الغيم َلو يمطرْ؟!

أفما تريدُ يا أبى أن

يأكلَنى الهنودُ الحمرُ

فى طبقٍ و أشكرْ؟!

أفما تريدُ أن أبلعَ عوداً

من الكبريتِ فى جوفى

و أصبرْ؟!

يا أبتى لستُ أقدرْ

أفما يعجبُك لو تحفرُ حُفرةً

للنهدِ و ترميهِ ككُرةِ البولينج

فى البرقعْ؟!

أفما تودُّ لو تبيعُ ممالكى

و أركعْ؟!

يا أبتى لستُ أركعْ

كم مرةٍ يا أبى دفنتَ حضاراتى

فى الأدمعْ؟!

أفما يكفيكَ؟!

أفما ينفعْ؟!

لو أنه بيدى أن أقلعَ

نهديَّ لتشبعْ؟!

لو أنه بيدى أن أقذفَ

الخصرَ فى الشمسِ و أرجعْ؟!

ربما كنتُ لك أخضعْ

تعال نتفقُ على هدنةٍ

نرسُمُ فيها خريطةً للكحلِ

كعُقلةِ إصبعْ

و في قصيدة متوالية أخري ذات حس ينطق برومانسية و مشاعر أنثي تسبح بين ظلال كتاب العشق كنحلة ترقص فوق الزهر تطوف بين الألوان تغازل الشمس في محاكاة توزع مناطق الجمال في صور و ايقاعات تهز الوجدان في عبق و سحر و شجن يجل المتلقي يهيم كأنه يقرأ مشاهد من ألف ليلة و ليلة في حضرة شهريار و شهرزاد و مأساة هارون الرشيد ، علي ضفاف النهر الخالد هنا ، بين تمايل النخيل و القمر المنير … في ثنائية العزف البياني للكلمة و الصورة ، تقول شاعرتنا هبه أنور في قصيدتها تحت عنوان (رسالةٌ من عاشقة 
) :

ما تفعلُ في عروقي
يا أُحجيةً من السِّمسِمِ
و يا قِطعةً من السكرْ؟!
فكلما قبلتَ ضفائِري
يجري حبُّك في الشريانِ
كغصنِ صنوبَرْ
يا نخلَ الجنوبِ!
و يا رياحَ الوادي!
قُبلتُك علي النهدِ
تُسْكِرْ
يا خيليَ الذي يصهلُ
في وريدي كقِطٍّ أسمر
و أصبرْ
ما عدتُ أصبرْ
منذ أن عشقتُك
و ضاعت حدودي
فكلما عانقتَني
أكبرُ أكثرْ
كلما لامستْني
شفتاك أُثمِرْ
و ما كنتُ قبلَك أُثمرْ
ما كنتُ قبلك إلهةً إغريقيةً
ما كنتُ عصفورةً بابليةً
ما كنتُ لوزةً تحتسي
الحبَّ و تمطرْ
علمتَني أن أختبئَ
في أشعارِ »نازك»‬
و »‬بنتِ المستكفي »‬
وأسهرْ
علمتَني أن أذوبَ في
فنجانِ قهوتِك الصبَاحي
ولا أتبخرْ
علمتَني أن أمتطي
سفينةً من الرمانِ
و في العِشق أبحرْ
يا غُصنًا من الليمونِ
علي النهدِ كفارسٍ
أخضر
صدِّقني ما عدتُ أقدرْ
فلترفعْ جنودَك الرومانية
عني و عن أوراقي
و أشعاري
و ارفع بصماتِك من علي
الخصرِ
لا تمشِ في داخلي
كبندقيةٍ
لا تشعلْ بالكبريتِ
ثوَّاري
فأنا لا أقدرُ أن أعشقَ
عصفورًا يسكنُ
في الجيتارِ
لا أقدرُ أن أحملَ في
داخلي طائرَ الكناريا
يلعبُ بالثمارِ
فمن دَلَّك علي خوخ ِ
شُرفتي؟!
و جَرّأك علي النومِ
في أشجاري؟!
و كيف يا عصفوري أن
أمنعَ سمكةً_في الأعماقِ_
من الإبحارِ؟!
يا قبطانَ الوترِ!
الموجُ في ذراعَيك
يسحبُني ضدَّ التيارِ. 
و من ثم تسبح ضد التيار تجابه كل ما يعوق صوت الحياة من أجل مساحات الجمال بالشعر و الرسم و نقل لغات العالم الي محراب الانسان المحب العاشق هذه كانت قراءة سريعة كمدخل لشخصية و ابداع النخلة الجنوبية ” هبة أنور ” المتلاحمة مع ملحمة الفنون الجميلة بكل طوائفها المزدهرة شرقا و غربا ، و قد أفلحت شاعرتنا الفنانة الشابة في رسم لوحاتها في اطار تجربتها الشعرية و التشكيلية ، و من ثم تصدرت هوية الفنون الجميلة دائما .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى