لم أبكر هذا الصباح أيضا بسبب وعكة صحية ألمت بي من أيام واستعصى برئي أمام كثير من الادوية حتى بدا هزالي واضحا. كرهت النظر لوجهي في المرآة فقد صار يخيفني شحوبه ويذكرني بمن هم على شفا جرف من قبورهم. تحاملت على نفسي ودخلت المطبخ لأعد لنفسي كأسا من الحليب أراود به معدتي التي صارت ترفض كل طعام ودواء. مطبخي الفسيح مفتوح على نسيم البحر الصباحي العليل في غاية الترتيب، لكن شيئا استثنائيا شد انتباهي؛ ورقة خريفية ذابلة أجهل مصدرها موضوعة بعناية على رخام المطبخ. بقيت أحدق بها وتحدق بي، أسالها من أين اتيت؟ فلا تنطق. أقلبها على وجهيها، فتئن بين أصابعي كأنيني. وضعتها في مكانها بأمانة، فأخلاقي تمنعني من إزعاج مريض محتضر… إيماني بربي كبير لكني تشاءمت منها وتطيرت بها. تأملت حولي فانتفت كل الاحتمالات التي وضعتها عن مصادر حملتها إلى هناك. منزلي بطابق مرتفع، والشجرة اليتيمة التي توشح الشارع لم تتأثر بالخريف بعد، ولا تزال تلبس حلة خضراء من اوراق البلاطان كبيرة الحجم مقارنة بوريقتي. أضف أن لا وجود لريح يمكن ان تحمل ورقة ميتة لتضعها بعناية في انتظاري. انقبضت روحي وعدت لفراشي وانكفأت على ذاتي يسيطر علي إحساس غريب بأن قدرا ما ارسلها نذيرا لي بدنو أجلي.
رن جرس الرسائل بهاتفي.
– صباح الخير…. عساك بخير.
فكان جوابي صورة التقطتها للورقة الميتة، وتعليق مقتضب:
– وجدتها صباحا بالمطبخ. ما هي قراءتك؟
– إنها فراشة تبشرك بيوم جميل!
– بل هي نذير شؤم، تقول كم نحن متشابهتان في الشكل والمصير.
– انت مجنونة.
– بل في أتم قواي العقلية، وأدرك مصيري بعد أن تركت للوحدة ولعدم الإكتراث.
– أنت أم وجدة وزوجة، ومثقفة. وهذا يغبطك عليه الكثيرون. انظري حولك فقط، لا تتقوقعي ولا تقنطي.
مددت بصري إلى صورة جماعية لأفراد عائلتي، فأحسست بالدمع يدب بأحداقي. كم يوحشني بعدهم وغربتهم عني… ولم أرد بشيء.
– هل تناولت دواءك؟
– لا، ولا حتى فطوري.
– لماذا؟ أليس عندك أكل؟
– منذ أمس أشتهي كمثرى.
– كفاية دلالا. كلي الموجود من أية فاكهة أو أي طعام آخر، فنحن نأكل كي نبقي الحياة فينا.
ولأنه الوحيد الذي يهتم لأمري بين العالمين لم أعصي أمره، وأجبته بحاضر.
فتحت الثلاجة، وكم كانت دهشتي أن وجدت طبقا كبيرا من حبات الكمثرى مرصوفة بعناية تفتح الشهية. وضعت الطبق على طاولة فطوري، وامتدت يدي لورقة مدسوسة بين الحبات، خضراء لم تصفر ولم تمت بعد. انفجرت ضاحكة وسارعت إلى الهاتف.