وانشَقَّ النّخيلُ شعر: صالح أحمد كناعنه
بهذا الدّرب أوغَلَت الأماني
ومالَ الدّهرُ والحَظُّ الجميلُ
جميلٌ أن أراكَ بأم وَعيي
تشدُّ يدي إذا دهري يَميلُ
***
إلى الماضي يعودُ حنينُ نفسي
فيشغلُني عن الجُلّى حَنيني
أروحُ لمشرِقِ الدنيا رجاءً
وما للشّرقِ قلبٌ يحتَويني
فاعمَدُ للغروبِ أرومُ رَحْمًا
فيجهِضُني… أنا حَملي ثَقيلُ!
لتبقى وُجهَتي البَحرُ…أو النّحرُ
أو الصّرَخاتُ، والشّهقاتُ، رافَقَتا…
وجودي، والكيانُ، وما يَؤولُ…
***
عَثَرتُ على دَمي يَجري بلا رحمٍ
ونافِذَتي تُطِلُّ على ظِلالِ يَدي
وأغنِيَتي مُجَمَّلَةً …
أتغريني! لأجعَلَها رؤى لَغَةٍ …
وعاصِمَةً لها ظِلٌّ.. وَلونٌ من تَشاريني… وتذكارٌ هزيلُ؟!
فيا صَحراءُ؛ كوني فَأسَ حَطّابٍ…
ليوقِدَ لي على طينِ الرّحيلِ، لربّما انهَزَمَ الرّحيلُ!
ويأتيني بهَيبَتِهِ، وقد صارت بلا ظِلٍّ ملامِحُهُ…
فاتبَعُهُ، ويُنكُرني… وأحضُنُهُ…
مساءاتٍ لها جَمَّعتُ أطفالي..
وما آنَستُ من نارٍ …
وما أوتيتُ مِن قَبَسٍ..
وفارَقَني هُنا ريحي..
وقد أرّختُ تلميحًا لتَجريحي…
ولكنّي أظلُّ أراهُ يأتيني بهيبَتِهِ..
ولن أنعاهُ تاريخي… قتيلي!
إن غَدا وقتي قَتيلُ!
***
نَروحُ إلى حَياةٍ لا نَراها
فيوقِظُنا لموعِدِهِ النّخيلُ
بعيدًا عن عُطارِدَ صارَ خَطوي
دعاني الصَّمتُ: أن قُم وانحٌ نَحوي
عَزَفتُ جنونَ لحنٍ لم يَكُنّي
فراوَدَني عن السّلوى الأصيلُ
لتبقى وُجهَتي ليلًا بلا ليلٍ…
أجسِّدُهُ صدى إيقاعِ أغنِيَةٍ…
تُغني الحُبَّ لا مثلَ الذي وَجدوا…
ولا مثلَ الذي فقدوا…
ولا مثلَ الذي ابتَعَدا…
ليُخرِجَني عَنِ الإيقاعِ صوتٌ في عُروقِ غَدي…
أفِق! فسماؤُنا ابتَعَدَت!
أفِق! واستَشفَعَ الجَلَدُ…
وهذا الليلُ مُقتَلَعٌ بلا مأوى…
ونصلُ الصَّمتِ فيهِ استَلَّهُ الزّبَدُ…
جنونُ الرّيحِ إذ يَطغى خَجولُ
كما حُبٍّ أراوِدُهُ فيَطرُدُني..
لعَلَّ الليلَ إذ يسري يَميلُ
***
دخيلٌ كلُّ ما حولي..
وما أكنَنتُ في نَفسي…
وما خبّاتُ عن شَمسي…
وما استَولى على حِسّي يَقولُ:
لعلَّ الليلَ إذ يَغشى دَخيلُ!
***
فليتَ براءَةَ الأحلامِ تتّسِعُ
ليأخذني عميقًا نحوَهُ الآتي
إلى زَمَنٍ بهِ أترُجّةُ الأحلامِ إسفِنجٌ…
وآبٌ قد أوى بوابَةَ الإشفاقِ طَوعًا كي يَعودَ لنا..
وَموجُ البَحرِ أطلالُ…
ورملُ البيدِ هَطّالُ ..
وقبلَتُنا حلولُ الرّوحِ في شَفَقٍ…
وقد جَلَّت مَقاصِدُنا…
وصارَ الصَّمتُ تِمثالا…
وألقى ليلُ حيرتنا عصاهُ هنا.. لينشَقَّ النّخيلُ..
عنِ الإحساسِ حينَ يصيرُ لوني
رخامُ الأمنياتِ الغابِراتِ
يراوِدُني جنونُ التّيهِ قَصدًا
يُخادِعُ بي اللّيالي المُقعِياتِ
وتَصراخُ الجنونِ وقد تَوَلَّى
قيادَ مفازِعي في النّائِباتِ
وضَيَقَتِ المدى فأبى عِناقي
وزيَّنَ للذّهولِ بنا ذُهولُ
فليتَ براءَةَ الأقلامِ تَنتَصِرُ
لتشغَلَنا عنِ الشّكوى حُقولُ
***
سيحملُنا إلى ما لم يَكُنّا: تلوُّعُ مهجَةٍ ما بينَ عاشِقتين!
وتيهٌ فارَقَ الأسبابَ من ماذا، متى.. أو أينْ!
وذاكِرَةٌ بعمرِ الخيمَةِ الخرساء؛ واتّكَأت على غيبينْ
تُحاذِرُني؛ كأني لفحَةٌ من نارِ داجِيَتين!
فكيفَ أصيرُ مفتاحًا لقرطُبَةٍ…
وبي نَزَعاتُ طِفلٍ ماتَ مشدودًا لخاصِرَتين؟
وشوقي باتَ نافِذَةً تشرِّعُني لنَزفِ البحرِ.. والوِجدانُ مَكبولُ.
***
فنامي في فراشِ العُذرِ يا أحلامُ… نامي!
وغَرِّد في دَمّي يا موتُ… وَقِّع لحنَ أيّامي!
ويا جمرَ الليالي السّودِ فلتُصنَع على عيني..
وباسمِ الله مجراها ومرساها
إذا التّنورُ أرسى في مُخيّمنا سُيولُ..
ولا عاصِم!
هنالِكَ سوفَ تمتَحَنُ الأصولُ