دراسات و مقالات

هكذا كنا ٠٠ الشاعر المهندس محمد الصيفي – ١٩٩٧ م

السعيد عبد العاطي مبارك

” غياب
أموتُ
كَأيِ شيءٍ في المدينةْ
أموتُ
وليْسَ يَعْرِفُنِي سِوَى المَمْشَىْ
وليلٌ مَلَّ خَارِطَتِي
ونيلٌ يحفظُ الشَكْوَى
أموتُ
وَلْيسَ يُلْقِي الناسُ بالاً
ولا يَهْتَمُ بِيْ هذا الرَصيفْ
فناءٌ ، لا أضُرُ شَوَارِعًِا إن غِبْتُ عنها
وليس يَضُرُ هذا الوقتَ مَوْتِي و الحياةْ
كأني حِفْنَةُ الوهمِ التي قد ذَرهَا الدهرُ ” .
” من قصيدة : غياب ”
——-
من كفر المبدعين ، كفر الشعر ، من إقليم كفر الشيخ بمصر المحروسة ، مازال مسلسل الشعر و الشعراء يجري رقراقا عذبا فراتا يرسم ملامح الشخصية من ظلال الهام الدلتا الخضراء هذه البيئة الجمالية البكر التي تحمل دلالات الابداع و الفنون الجميلة التي هي خلاصة نتاج هذا الإنسان الذي عشق رسالة الكلمة عنوان الانسانية في ربي يجسد ملامح هويتنا من عمق التراث و التاريخ كي تظل رحلة العطاء هكذا ٠٠ !٠
و من ثم نتوقف مع الشاعر الشاب المهندس ( محمد الصيفي ) الذي يعود بنا الي ديوان الملاح التائه شاعر الجدول علي محمود طه المهندس الذي رسم قصيدته في بناء هرمي جمالي فجاءت قصائده متماسكة البنيان متجددة الوجدان تتلاقي في فلسفة المصير ٠
* نشأته :
====
ولد الشاعر المهندس محمد أحمد الصيفي عام ١٩٩٧ م ، في مدينة دسوق كفر الشيخ مصر ٠

وقد درس كلية الهندسة قسم الهندسة المدنية ٠
و ظهرت بوادر الابداع عنده منذ نعومة أظفاره فكتب شعره من منابع بيئته موظفا لنا أغراضه محاكاة منطلقا بفكره المتجدد نحو فضاءات تشرق من مشاعر تحمل فرح و حزن المشاهد بجانب تطلعاته الفلسفية لفهم و أدراك ما حوله و استدعاء منطق الجمال و من هذا المنطلق نقش قصيدته بوعي ٠

* من شعره :
=======

هذا الشخص الساكن فيّ لا أعرفه
حين تجيء رؤاه من المجهول
هو لم يرنِي
لست أراه
يوقظ روحي حين يموت الناس
يصحب قلبي نحو جميع بلاد الله
وأنا أمشي
من ذا يؤمن أنا نمشي منذ ولدنا سويا؟!
يجمعنا ضحك وبكاء
نتقاسم فنجان القهوة
والكرسي وكتْب الليل
ويضجر من دخاني
ويشاركني هذا النص
يملي الشعر عليّ فأكتب
كيف تكون الرؤية دون عيون
والإصغاء بغير سماع ؟
حين يشب القلب عن الأسوار
يضيء
يأتي دون مجيء
لا أعرفه لا يعرفني غير الروح
يبوح ، أبوح
نتعانق والبلدان بعيدة
نتصافح كل صباح
حتى يشرق هذا العالم فيّ
يمنحني خلدا أبديا
من ذا يؤمن أنا موجودون
وهو يفّتح هذي الشرفة
كل مساء
ويحدثني وأحدثه
لا أعلم أين تكون الشرفة
لكن أعرف هذا الصوت
***
(هكذا كنا )

ومات البريق .ولا شئ غير الضياع
الذي يحتوينا
ليحدو الطريق .
ولست كما كنت يوما .
كطير تخطى حدود المحال.
ولكني صرت كدمعة شط يتيم جفته الطيور
مدار من الذكريات التي لم يزرها سواى
وما جئت إلا لكيما أدور .
تموت الثواني .
وتنتحر الأمنيات التي قد روتها عيون النهار .
وما زلت أبحث عني وعنك
ولا شئ غير اختناق المساء .
ودمع القصيدة .
تهيم. وتلك القوافي التي أرسلتها .
وراء الجنون وشطر الظنون
ولاشئ يرجع غير الرماد .
ولا شئ يجمع غير الشتات .
أخادع فيك الرؤى والحقيقة .
تسائل كيف اعتقلت الحياة ؟!
لماذا قتلت الحياة ؟!بسيف التمني
وألقيت بالعمر في كوة الإنتظار
وبعثرت في كل درب خطاك
فلا قد بلغت النهاية يوما
ولا قد رجعت
وتلهو بك الطرقات التي قد بسطن إليك الأماني قبل الوداع
تحاربك الطرقات .ونجوى المقاعد
تحت الغمام
وأغنية النيل للضفتين
وسرب اليمام
ففي الوهم .يحكى بأني إرتحلت
وأنت إرتحلت
فلا أنا عدت
ولا أنت عدت ..
***
(قالت لي)

وغدا يصافحك السلام
وغدا تضيء بصدرك النجمات
في ليل الضلوع
ستعود رغم ضياعها
سفن الحياة إلى السكينة بين أحضان القلوع
لا تبتئس
حتما سيذكرك الرجوع
حتما سيعرفك الطريق إلى النهاية
حتما ستقبلك البداية
إن أنكرتك اليوم ألف قصيدة
فغدا ستعرفك القصيدة
إن ودعتك اليوم ألف مدينة
فغدا تقبلك المدينة
لا تبتئس
إن مات فيك ملامح الإنسان
إن بح فيك ترنم الكروان
حتما تعود
حتما تكون
حتما ستعرفك السفينة والشراع
هي دندنات الشط في وتر الضياع
لكنها حتما تزول
ماعدت تجزم أنها صلب الحقيقة واليقين
فغدا سينطلق السجين
وغدا ستبتسم البراءة في عيون المستحيل
حتما ستصطلح الرياح مع النخيل
لا تبتئس
إن راح ينكرك الوجود
فغدا تعود
وغدا يموت الموت في جب الصمود
وغدا تراودك السعادة في الظلام بنفسها
وغدا تقد قميص حزنك
أنت قد قميصها
لا تبتئس
وانظر لعلك في عيوني تستريح
ولعل تلقى النفس في هذا الفضاء
فنظرت أخفي ما روته ملامحي
لكنها نظرت وماتت بالبكاء ٠
***
و نختم بهذه قصيدة من الشعر التفعيلي بعنوان “الهاربون” يقول الصيفي :
نحاول أن نعبرَ البحرَ والذكريات
هناك ستحملُنا الريحُ حيث الإله
وأرضٌ تحبُ الذين اهتَدَوا
سيلعبُ أطفالُنا في المساءِ
ولا تعتريهم
جيوشُ الملك

هناك سيأخذُنا للسلامِ مكانٌ قصيُّ
ويهربُ من صدقِنا السامريُّ
سنستبدُل السِّحرَ بالأغنياتْ
نغنِّي ليخضرَّ فينا الخريفُ
ليؤمنَ بالحبِّ قلبٌ عصيُّ

هناك نعرِّي الحقائقَ
نتركُ
للماءِ أن تبسطَ الكفَّ فينا
نشفُّ
كأنا خيوطٌ من الشمسِ جئنا
نفرُّ كما فرَّ جندُ الحصارْ
ونترك خلفَ الغبارِ الرماحَ
سينتصر الهاربونَ من العالمِ الفوضَوِي
ويلقى الذين على ضفةِ الفقدِ أرضًا جديدةْ
وذاتًا جديدة
تضمدُ ما خلَّفتهُ الهزائمْ

ينام اليمامُ على كومةٍ من رصاصٍ
ويغتسلُ النهرُ من دمعةِ الطيبينْ

أنا قادمٌ من زمانٍ ولم تبقَ منه شفاهٌ
تقول غدًا …
ولم يبقَ منه رعاةٌ تهشُّ الذئابَ
وننزفُ أحلامَنا في الخيالِ
لكيلا تعربدَ فينا الحقيقةْ
أنا متعبٌ من ضجيجِ الأماني
وشهقتِها في رحايا العدمْ
نسلِّمُ قبلتَنا للرحيلِ

ويأكل من ضفتينَا الغرق
ألا أيها الهاربونَ
دعُونَا نغَنِّي
أنا ظامئٌ للنشيدِ
وأبحثُ في الحلقِ عن صوتيَ المستساغِ
وعن بسمةٍ في المتاهةْ
ولم يبقَ مني سوى نظرةٍ للوجودِ
سوى رعشةٍ قبل غلقِ الستارْ
أنا ضائعٌ قبل بدءِ الحكايةْ
وأنتم كذلك في الضائعين ٠
***

هذه التغريدة كانت حول الشاعر المهندس الشاب محمد الصيفي ابن كفر المبدعين ، كفر الشعر – كفر الشيخ هذا الإقليم المسكون بالإبداع و الفنون الجميلة ٠
و الصيفي يمثل وجه القصيدة التي تطل علينا بمفردات و صور و أخيلة مطرزة بقيم الجمال الفلسفية التي تختصر مشهد الواقعية بكل معطياته الفنية في قصيدة قوية البناء تتصدر مصدر الحياة في شتي الجوانب دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

Image may contain: 1 person, standing, sunglasses, ocean, sky, outdoor and water

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى