مقال بقلم الأستاذ : يــاســر زابــيــه
بسم الله الرحمن الرحیم
إنّ الحیاة أغلی شیء فی الوجود،وأعزّ ما یمتلکه الإنسان ،لِأنّها دون أیّ شک هبة الرّحمن، وتـحمل آمــالنا و أحلامنا ما کرّ الجدیدان وتعاقب العصران، وفی معترکها یــمرّ الإنسان بأقسی الظروف وأشــدّ المِحن التی بإمکانها قصم ظهره وتهدید وجوده فی أی زمان ومکان،لکنّه یبقی یرنو ألي نــور الأمل الذی یشرق علی
القلوب الحزینة فیسعدها ،ویدخل إلي النفوس المظلمة فینیرها، ویبدد ظلمتها، ویتسرب إلي الجوانح فیغمرها ،وتستمدّ
منه الجــوارح قوتها.
لِلأمل لحن جمیل خلّاب، یوقع أنغامه علی أوتار القلوب البائسة التی تصبح من کثرة الـمآسی والجـفاء یائسة، فینظّم دقاتها ونبــضاتها، ویــدبّ الحیاة فیــها.الأمل کالشمعة المضیئة التی تعطی نوراً وناراً
وأُنساً للیائسین فی عتمة اللیل ،فینبغی أن لا تنطفی.
بقیت الأمّة الرسالیّة تعانی من أزمــات ومطبات کثیرة معقّدة لفترة طویلة زاد الحُکّام فیها الطین بلّة ، حینما لم یأخذوا بعین الاعتبار تطلعات شعوبهم،ولم یهبّوا لنصرة قضایاهم المصیریة ، ولم یحرکوا
ساکناً تــجاهها،ولم یتمکنوا مـن توحید کلمتهم وإنشاء قوة إزاء الأخطار المحدقة بهم.ولازلنا نذکر تلک الأحــداث الجسام التی مرّت بها وجرّتها الی حافّة الهاویة، وأوجدت انفصالاً بین إیمانها و وحدتها.
وهکذا بقینا مذهولین لاتسرّنا حتی فرحة الأعیاد، إلی أن أخرجنا من ذلک الذهول صوت عذب قد إنطلق من ثغرالشعوب
العــربیة، ذلک الصوت الموسیقی الذی انساب الی قلوبنا انسیاب الماء الصافی فی الــجــداول .صــوت غنّته الشعوب “الشعب یرید اسقاط النظام”،وکان یبعث الأمل فی القلوب البائسة الیائسة التی
انتظرت هذا التحوّل طویلا. أخذت قلوبنا تخفق بشدّة ،وأصبحنا نعدّ
أنفسنا من الأحیاء، وأخذنا نشعر بالأمل وقوته بعد ما کانت الأمة قد أصیبت بخیبة أمل، وقد أشرفت علی الهاویة.
کان لم یهدأ لنا بال ،وکنا نــتطلع الی الأحداث ولم یغـمض لنا جــفن.وکیف یغــمض جــفن لمن کــان بین الیأس والرجاء؟ وکیف یهدأ بال لمن لا یدری أين مکانته من هــذا التغییر؟ وأخیراً حدث ما حدث ، وأُسقِطت أنظمة وجاء آخرون بالربیع المنشود،وکدنا أن
نطیر من الفرح ،وشــعرنا فی قرارة أنفسنا أنّ هــذا الحدث هو ذلک الأمل الــذی طال انتظاره ،وغابت عنّا أخباره، وکان قد زفّ بشارته أنــصاره ،وخلناه ربیع الحریة الذی حلُمنا بشمّ أریج أزهاره. ولکن سرعان ما أخذت الزهور بالذبول فی ربیعها قبل أن تتفتح،وسرعان ما هجرتها البلابل، وسرعان ما شعرنا بالإحباط وخیبة الأمل، واشتدّت آلام الروح وهی هائمة حائرة بین یقین کانت قد شعرت به قاب قــوسین او أدنی من التحقق ،و أمــل مفقود کانت ترجو منه النور والحیاة. وحیکت الــمؤامرات تلو المــؤامرات، واهتزت قلوبنا هزّة عنیفة ، وارتجفت نفوسنا رجفةَ البنت العفیفة، وشرع الأخ یقتل أخاه وأنیسه، وجیءَ بفتنةٍ نَتِنة قد أحرقت الأخــضر قبل الیابس وجعلتنا
ضحیة وفریسة.فتنة قد أدّت الی تشرذّم
الأمة ،ولا ترید إلّا أن تقضی علی آمال وأحلام الشعوب.وأصبحت الأمّة الرسالیة فئاتٍ مبعثرة مشرذمة متنازعة ،القتل بینها مباح ثمّ مباح، ویأتیک منها العویل والصراخ ، وتری الأسود فیها تزأر من
عمق الجراح. مرّت أعیاد یُذبح فیها أبناء الشعوب أحیاناً علی ید أخــوتهم وتــارة أخری علی ید المتربصین بهم ،وأخــذت تتسع دائرة
الذبح من تونس الی لیبیا ،الی مــصر، الی فلسطین ،الی سوریا ، الی العراق ثمّ الیمن، وکأنّ القرعة تقع کل عام علی
بلد، وهــذه حقــیقة لا مــناص لی من الاعتراف بها، ولا أدری مَن یطاله الذبح فی الأعیاد المقبلة؟.أعــیاد حزینة قد خطفت ابتسامة أطفالها أیادی لم تمت إلي الأمة بصلة رغم احتضان الأمّة لها.لا
تعجب ولا تتساءل عن هولاء المأجورین!، وفی نفسی أن أصارحک لِأُوفرّ علیک عناء التفکیر وعذاب الحیرة،لکن أخــشی أن
یُعدّ خروجاً علی العرف والتقالید الشرقیة فندعه لذکائک وفــطنتک.
عاهــد الأهواز يون أنفسهم أن یحتفلوا بالعید أکثر من الأعوام الماضیة نصرة للمظلومین والمشرّدین من أمّتهم،و فی هــذه الأیام قامــوا بشراء مایلزمهم،و تضافرت جهودهم لِرأب الصدع و رتق الفتق استعدادا للعید، رغم نزیف الأمّة وتصدّعها و ویلات النازحین ،لأنّهم علی موعد مع العــید ولن یتخلّوا عنه أبداً مهما عظُم البلاء ،وخطّط الأعداء، وطبّل لهم الجُهلاء. کلّما حاولت أن أکتب عن العید یعترینی
حزن،ویــضطرب قــلمی بین أناملی، ویغرینی صمت رهیب، الکلمات والعبارات، ویضنینی هــمّ أبناء جلدتی
،وینهکنی التفکیر،لأنّی أجد صعوبة فی استــذکار ما حــلّ بالأمّة من مــرارة ومآسی وشــجون ،وأخشى أن یُخطف العیــد منها کما خــُطف الکثیر منها. لستُ من المتشائمين ، ورغــم هذا
التوجس، ورغم التکابد الناتج عن الهم والأحزان وشبح الیأس،إنّی واثق من أنّ الأمل لا یفارق العید أبداً،وهما رفیقان لا یفــترقان ،وعلینا أن نتمسّک بکلیهما ، ونــغرس بذرة تــطلعاتنا وأحلامنا فی
تربتهما الخصبة بغیة الازدهار وإحیاء الأمل وتقویة الرجاء ،و الاحتفال بعید مثالیّ یرسم البسمة علی شفاه ناسٍ لا یُکدّر صفوهم قتلٌ ولا فقر ولا ذبح ولا فتن ولا حروب ،ویکون جــلّ اهتمامهم بالعید والأمل،لأننا الیوم بأمس الحاجة إلي کلیهما فی معترک حیاتنا الیومیة کی نتغلّب علی الصعاب ،ونوصد الأبواب فی وجــه الذئاب ،ولا نفــتحها الّا للأحباب الأطیاب، و”ما أضیق العیش لولا فسحة
الأمل” وما أسعدنا إن جَمَعنا بین فرحة
العیــد وإشــراقة الأمــل.
کــلّ عــام والأمــّة بخــیر