شعر

مضى زَمَنُ الأماني

صالح أحمد (كناعنة)

للَيلٍ يسـتَفيقُ على شُجـوني

وعُــمــرٍ يسـتَـظِــلُّ بأمـنِـياتي

وصبرٍ لا يُطيــقُ الصّبرَ مِثـلي

وعُـــذرٍ يَكتَـسي ألـوانَ ذاتي

أبُـثُّ مَـرارَتي والـبَـثُّ داءٌ

بِعُمـرِ مَــواجِعي يَرمي صِفـاتي

ويُبقيني إلى تَشـتاتِ عُـمـري

وهامِـشِ عالَمي يحلو التِفاتي

فلا صَوتي تَــفَـتَّـقَ عن يَـقينٍ

ولا خَطوي تَــوَلَّـدَ عَن ثَباتِ

ولا جُرحي سَـقاني بَردَ عُذري

ولا دَمعـي شَــفيعي في لِـداتي

ولا صَمـتي كَساني غيرَ ذُلٍ

دُخانَ اليأسِ صِرتُ لدى الحُواةِ

على نَحري وَقَفتُ شِفارَ سَيفي

فأنكَرَني القَـتـيـلُ مَــعَ الجُـناةِ

على أُفُـقي نَثَرتُ رمادَ عُمـري

نُبِذتُ مِنَ التُّقاةِ، منَ العُـصاةِ

قَرَعتُ البابَ، بابَ العَطفِ عُذرًا

طُرِدتُ منَ الرُّؤى ماضٍ وآتِ

دخلتُ ممــالِكَ الأهـــواءِ غــرًّا

أُطيعُ على الغِـوى قَسـرًا غُواتي

أنا الأندى هُـناكَ بُطونَ راحٍ

ولكني شَـقـيـتُ بِأُعـطِياتي

هنالِكَ أنكَرَ الغاوونَ كَفّي

ولم تَـقـبَـل ظِلالي ذِكرَياتي

بعيدًا عن دموعي عن جِراحي

بَعيدًا عن جُذوري عن رُفاتي

هَوَت بَغدادُ فاستّدعيتُ نَبضي

فَخالَـفَــني، ولم تَـفـزَع قَـناتي

ورُحتُ أُسـائلُ الأحلامَ عُـذرًا

وأنبِـشُ مَجدَ حطينَ الفَـواتِ

وسافَــرَ مَدمَعي لـيَرومَ صوتًا

بأندَلُــسِ المَلامَةِ والعِـظاتِ

هوى صوتي على أطلالِ مَجدي

وصارَ المَوتُ صوتَ مُـوَشَّحاتي

ألا يا ليلُ مَن سَـيَصونُ كَرمي

وقَد عَطَّلتُ زَحـفَ الصّافِـناتِ

وعُدتُ أسائِلُ الكُثبانَ عَونًا

على شـوقي، فأشـواقي عِـداتي

فعَـزَّ بها على المَطرودِ حِضنًا

مضى زَمَنُ الحِمى، فَخرُ الحُماةِ

بَعيدًا عن أصولي صرتُ صوتًا

تَعَـرّى في مَـطــاراتِ الشَّـتاتِ

أُلاحِقُ من حَنين الروحِ لونًا

تَناهى مِن أنينِ الأمّهاتِ

فَـتَنسَــلِخَ الأماني عن صَداها

وتَـنـفَـصِمَ الـنَّـواةُ عــنِ الـنَّواةِ

وتُطفِئَ دَمعَتي أشـواقَ روحي

فَــما شَــوقي بليلِ الظّاعِـناتِ؟

وما صبري وخطوي صارَ خَصمي

رَماني في سَـرابِ البارِقاتِ؟

وما أبقى لقلـبي مِـن دَلـيـلٍ

سِـوى وَلَعي بخارِطَةِ انفِـلاتي

فأنزِفُ في بلاطِ الرومِ روحي

ويسـكَرُ يزدَجِردٌ من أَهـاتي

فلا لَوني يُشابِهُـني، وصوتي

نَعاني في الرّعِـيَّةِ والـرُّعاةِ

غَـريـبٌ خانَني وعــدي لِـذاتي

وأســقـاني جُـنونَ تَـناقُـضاتي

ضَلَلتُ، أهيمُ عِشقَا في ضَلالي

مُجيري مَن شُكاتي، مِن قُضاتي

وغبتُ أرومُ حظًّا في غِـيابي

فـأغـرَقَني بِسـحرِ تَــداعِــياتي

نَما بي سِـرُّ إنساني لأبـقى

أعــيرُ دَمي حُروفي الخالِداتِ

فمن يا ليلُ خانَ سكونَ حرفي

ومَــن عَــرّى أنينَ الأُغــنِـياتِ؟

ومن أشقى الكلامَ بلونِ شَكّي

ومن أهدى المعاجِمَ سَفسَطاتي؟

ومن سَـلَّ المَعاني مِن لِساني

لترتَكِبَ الــزُّحـوفَ تَخـيُّلاتي؟

ومَن بالشّـعرِ أغراها نُجومي

ليَستَعصي السُّباتُ على سُباتي؟

أنا يا ليلُ بتُّ أخافُ مِـني

ومِن خُطَبي، ونجوى وَشوَشاتي

من الجَفنِ الذي يشتاقُ صَحوي

من الصّحوِ الذي يشكو مَواتي

من الصّمتِ الذي يقتاتُ صَمتي

ويكتبُني بسـفرِ المُعجِـزاتِ

من الحَرفِ الذي قَـد فَـرَّ مِنّي

لِــيَــنـذُرَني ذَبيحَ الـتّـرجَـماتِ

من الموتِ الذي قد صارَ لَوني

ومُـتَّـهِـمي بِـسَعـيي للنَّجاةِ

أنا يا ليـلُ مَن فارَقتُ ظِلّي

لأسـكُنَ في سَـرابِ الغابِراتِ

هَوتْ قُدسي وكنتُ أرومُ عُذرًا

على عُذرِ السّـيـوفِ المُغمَداتِ

بكت شـامي فَرُحتُ أريدُ سَـترًا

لِـشَـكواها بِأوكارِ ا لـزّناةِ

ذُبِحتُ وما أخذتُ بإرثِ ماضٍ

ولـكـنّي جُـلِـدتُ بِـفَـيهَـقـاتي

أنا المَصلوبُ كلٌّ جَزَّ رأسـي

ومَـوتي سِـرُّ طوفانِ الطُّغـاةِ

ألا يـا غَـضبَـةَ الشّــــريانِ كوني

نَـدى الـثُّـوّارِ صبرَ الثّائِـراتِ

وكوني يا جِـراحي للـثَّـكالى

إذا نادوكِ ثـالِـثَةَ الــرّئاتِ

أمِـدّي بالنَّـشـيجِ المُرِّ حُـرّا

تَجَـرَّدَ للكِفــاحِ دِما الـثّبـاتِ

فَـقَـد يَحيا ضَميرٌ في قُلـوبٍ

عَماهـا الكِبرُ باتَت مُظلماتِ

فعاثوا في مَـــواطِـننا فَـسادًا

وتاهــوا في جُنـونِ الـقاصِفاتِ

أَبادوا كل رائِعَةِ الـمَعـاني

تَـمادوا في عَـذابِ الكائِناتِ

ونَمّي بي غِـمارَ الــرّوحِ كوني

مدادَ الصّبرِ مِسكَ التَّضحِياتِ

فقد ولّى زمانُ مَن اسـتَـبَـدّوا

بأقدارِ الشُّعـوبِ مِن البُغاةِ

وكلُّ رصيدِهم في الكونِ حَرفٌ

تجَــرّدَ مِـن مَعاني المَكرُماتِ

لأبقى فَــوقَ أوطاني شَـريـدًا

على ظَـمَـأٍ ويَـبكيـني فُـراتي

ونيلي في انشغالٍ عن هُـمومي

يغارُ على الـبُكاةِ منَ البُكاةِ

وصَـحرائي تَــئِـنُّ بِلا جِـراحٍ

وقد ناءَت بِإرثِ العائلاتِ

أنا يا ليلُ من فارَقتُ عُذري

لأخرج من أَباطيـل الـرّواةِ

من الصّوت الذي لا صوتَ فيهِ

مِـنَ اللّـونِ المُـمَوِّهِ للـوَفاةِ

من الصّمت الذي يقتاتُ عمري

من الوعدِ المُخَدِّرِ، من لُهاتي

لأرفـــعَ رايَـتي عُــنـوانَ مَجـدي

أُطاعِــنُ كلَّ جَبّارٍ وعاتِ

فلي شَـرَفُ الفِــدا لتُرابِ قُدسٍ

تُحاضِـنُهُ دموعُ الفــاضلاتِ

سـأفدي بالدّما إنسانَ أرضي

ليـولَدَ بي هَــديرُ السّاقِياتِ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى