شعر

ما يخدِشُ الحسِّ من لونِ الحكايَة

صالح أحمد (كناعنة)

لا أحدَ يسمَعُ وقعَ أقدامِ العابِرين

خالِيةً مِن أيِّ أثَرٍ تَمُرُّ أنفاسُ اللّاهِثين

صفراءَ كَحَبَّةِ عينِ السّراب

***

عَجِزَ الشَّوقُ عَن انتِشالي مِن تَباريحِ الهَواجِس

وزُحوفُ الظّلامِ بِجَبَروتِها..

تَسوقُ الأعيُنَ المرمودَةَ إلى أركانِ النُّعاس

***

لا طَعمَ للغُبارِ المَهجورِ في مَدارِجِ بابِل؛

كانَت رسالَةُ الأيامِ للذّاكِرَةِ المُقعَدَة،

حينَ راحَت المُدُنُ تتَكِئُ على كَتِفِ الوِصايَة

والحِكاياتُ تَعزِفُ أنفاسَها.

***

قلبُ الصُّدفَةِ المُفعَمُ بالمَخاوِف

يعَلِّقُنا إلى سَحابِ التّرَقُّب

هروبًا مِن مَواسِمِ الذِّكرياتِ البائِنَة

تلكَ التي تَخدِشُ الحِسّ

وتَفتَحُ أعيُنَ المُطمَئِنّينَ إلى نُعاسِهِم

على مَلامِحِهِم المُتآكِلَة

وقَد صُمَّت عَن نِداءاتِ المَدى

خلفَ الصُّوَرِ الغارِبَة.

***

لا أحَدَ يُبصِرُ ما تَجرَحُ خُطى الفَزِعين

مِن أناشيدِ المواكِبِ الصّاهِلَةِ في عُمقِ الزّمَن

تناهَت حينَ اضمَحَلَّ الأثَر

وباتَ المَدى لونُ الأماني الرّاعِشَة،

والرّؤى المُتَقَزِّمَة.

***

سابِحَةً في اللامَحدود

تَظَلُّ أشواقي

مُذ تَسَلَّلَ دَبيبُ الخَدَرِ إلى روحي

وبتُّ لا أجِدُ في مُدُني المُتَّكِئَةِ على ظِلالِها

حَقلًا أُلقي على صَعيدِهِ بِذارَ المَحَبَّة!

***

في فَضاءِ الأخيِلَةِ المُتَشَنِّجَة

المَشدودَةِ قَسرًا إلى نَوافِذِ الحَذَر

حيثُ تَلاشى صَدى القُبلَةِ الأولى؛

قُبلَةَ الرّوحِ للأرض

وباتَت الأحوالُ تَتناسَخ

وبلا مَطَرٍ يُوَقِّعُ على صَفَحاتِ المَشاعِر

هَمَساتِ “اوتِربي”* على وَعيِ الزَّمَن

وقبلَ أن تأوي أجنِحَةُ النّفسِ إلى مَغاوِرِ التّرَقُّب

***

قبلَ أن تَتَلاعَبَ العاصِفاتُ بساحاتِ خَريفِنا

قبلَ أن تَصوغَ أخيِلَةُ الفَراغِ أفقَ خَواطِرِنا

قبلَ أن تتَوَقَّفَ عَذاباتُ أحاسيسِنا،

عَنِ الرّقصِ بينَ الضّلوع…

قبلَ أن تُصبِحَ القُبلَةُ أمَلا؛

يُشرِقُ في حَقلٍ بَعيد..

كُنّا وَقَفنا حَيارى

بينَ شاطِئِ الحَياةِ، وبحرِ المَصير

كانَ قلبُ النّوى مِنا

يُعانِقُ الفَراغَ في مسارِحِ الظُّنون

____________________________

* اوتِربي: عروسُ آلهة الموسيقى عندَ قُدَماء اليونان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى