دراسات و مقالات

ما للناس في حيص بيص .. ؟؟!!

السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد

مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً
الشاعر الفقيه أبو الفوارس شهاب الدين
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً
فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما
غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا
وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ
———–
عرف شعرنا العربي منذ نشأته الغنائية الأولي من خلال العصور ومررنا بكل عصر و مدرسة و مذهب نتناول أغراض القصيدة و شكلها و مقواماتها الفنية و ها نحن اليوم نعود الي العصر ” الايوبي ” مع شاعر كبير فقيه امتلك ناصية الشعر كلمة و معني و جال و صال مع شتي الاغراض … !!
و لم لا فهو الشاعر الملقب بالمثل السائر ” الحيص بيص ” حتي وقتنا المعاصر ، و لهذا قصة يعلمها الكثير .
نشــــــأته :
———-
هو أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي الملقب شهاب الدين المعروف بحيص بيص هو شاعر مشهور؛ من العصر الايوبي .
كان فقيها شافعي المذهب، تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان، وتكلم في مسائل الخلاف، إلا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر، وأجاد فيه مع جزالة لفظه، وله رسائل فصيحة بليغة.
كان من أخبر الناس بأشعار العرب واختلاف لغاتهم. كان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زي العرب ويتقلد سيفاً.
مع سبب تسمية الحيص بيص :
——————————
سمي حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد فقال: «ما للناس في حيص بيص»، فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي في شدة واختلاط.
سمي حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد فقال: «ما للناس في حيص بيص»، فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي في شدة واختلاط.
وقيل سبب تلقبه بيت قاله يفتخر: وإني سوف أرفَعكم بيأس وإنْ طال المدى في حَيْص بيص
كان إذا سُئل عن عمره يقول: «أنا أعيش في الدنيا مجازفة»، لأنه كان لا يحفظ مولده، وكان يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي التميمي حكيم العرب. ولم يترك أبو الفوارس عقبا.
توفي ليلة 6 شعبان 574 هـ ببغداد، ودفن بالجانب الغربي في مقابر قريش.
مختارات من شــــــــــعره :
————————-
و هنا تتجلي عبقرية الكلمة الشاعرة في روح جمالية فلسفية اشراقية تكشف لنا صدق مكارم الاخلاق التي هي عنوان و مرآة الحياة فيوصف لنا كل هذه الاسرار في قصيدته التي بعنوان ( خُذوا من ذمامي عُدةً للعواقب ) يقول الحيص بيص :

خُذوا من ذمامي عُدةً للعواقب
فيا قربُ ما بيني وبينَ المطالب
لَواني زماني بالمرام وربما
تَقاضيتُه بالمرهفات القواضِبِ
على حين ما ذدتُ الصِّبا عن صبابةٍ
ذيادَ المَطايا عن عِذابِ المشاربِ
وأعرضت عن وصل الخريدة والهوى
يُطاوعُني طوعَ الذَّلول لراكبِ
ورضْتُ بأَخلاقِ المشيب شبيبةً
مُعاصيةً لا تسكتينُ لجاذبِ
عقائلُ عزمٍ لا تُباحُ لضارعٍ
وأسرارُ حزمٍ لا تذاعُ لِلاعِبِ
وللهِ مقذوفٌ لك تَنوفَةٍ
رأي العزَّ أَحلى من وصال الكواعب
أغرَّ الأعادي أَنني بتُّ مُقتراً
وربَّ خلوٍّ كان عَوناً لواثبِ
رويدكُم أني من المجد موسِرٌ
وأنْ صَفِرَتْ عما أفدتم حقائبي
هل المالُ إلا خادمٌ شهوةَ الفتى
وهل شهوةٌ إلا لجلب المعاطبِ
فلا تطلبنْ منه سوى سدِّ خَلَّةِ
فإنْ زاد شيئاً فليكن للمواهبِ
مَرِهْتُ بإدْماني سُري كل حادثٍ
ولا كحلَ إلا من غبار المَواكبِ
فلا تصطلوها أنها دارميَّةٌ
مواقدها هامُ الملوكِ الأغالبِ
سأَضرمُها حمراءَ ينزو شرارُها
على جنابِ القاع نَزْوُ الجنادبِ
بكل تميميٍّ كأن قميصهُ
يلاثُ بغُصنِ البانَةِ المُتعاقبِ
يحارب مسروراً بما هو مُدْركُ
فتحسَبُه للبشر غيرَ محاربِ
تمدُّ برقراق الدماءِ جراحُها
أَتيّا ولمَّا يأَتِ سيلُ المذانبِ
إذا كذبَ البرقُ اللموعُ لشائمٍ
فبرقُ ظُباها صادقٌ غيرُ كاذبِ
نجيعُ كسح الغيث يهمي على الثرى
وثائرُ نَقْعٍ كارتكام السَّحائبِ
فوارسُ باتوا مجمعينَ فأَصْبَحوا
وآثار عقدِ الرأي عقدُ السَّبائبِ
إذا شرعوا الأَرماح للطعن خلتَهم
بُدوراً تجاري في طِلاب كواكبِ
أسوداً إذا شبَّ الخميسُ ضِرامهُ
أسالوا نفوس الأسد فوقَ الثعالبِ
فطال اعتراكُ القوم حتى تصادموا
على سننٍ من طائح الهام لاحِبِ
فلزَّهم طولُ الطِّراد وحرُّهُ
إلى وطءِ أعجازِ البيوت العوازبِ
فازخور الطَّعنِ بين غَطارف ال
كماةِ ولا بين الإِماءِ الحواطبِ
وآمن من لم يركب السيف عنُقهُ
غداة استبان البأس صعب المراكبِ
وركبٍ كأَنَّ العيس أَيَّانَ ثوروا
تساوقُ أَعناق الصَّبا والجنائبِ
خفافٌ على أَكوارِها فكأنَّهم
من الوبَر المأنوس عند الغوارب
إذا أضمرتم ليلةٌ أظهرتهمُ
صبيحتُها بين المُنى والمآربِ
وبي ظمأٌ لم أَرضَ ناقعَ حَرِّهِ
سواكَ في الكأس فضلٌ لشاربِ

و يقول في قصيدة أخري بعنوان ” ” حيث تظلنا فيها روح الفخر و المجد و روعة المديح و التغني بشمائل القوم :
قومٌ إذا أخِذَ المَديحُ قَصائداً
أخَذوه عَنْ طه وعَنْ يس
وإذا انطوى أرقُ الأضالع وفَّروا
مَيْسورَ زادِهُمُ على المِسْكينِ
وإذا عَصى أمْرَ المَوالي خادِمٌ
نفَذتْ أوامِرُهمْ على جِبْرينِ
وإذا تَفاخَرتِ الرِّجالُ بسَيِّدٍ
فخَروا بأنْزَعَ في العُلومِ بَطين
مُلْقي عمود الشِّرْكِ بعد قيامِهِ
ومُبينِ دينِ اللّهِ بعدَ كُمونِ
والمُسْتغاثُ إذا تَصافَحتِ القَنا
وغَدتْ صُفونُ الخيل غير صُفون
ما أشكلَتْ يومَ الجِدال قضيَّةٌ
إلاَّ وبَدَّلَ شكَّها بيَقينِ
مُسْتودَعُ السرِّ الخَفيِّ وموْضِعُ
الخُلق الجَليِّ وفِتْنةُ المَفْتونِ
و نختم له بهذه المقطوعة من شعره البديع الرائع في الوصف و تطويع المفردات التي تحتوي المعاني و البلاغة الرشيقة في تهذيب ينم عن مقدرته الفنية لوجهة الشعر الصنو صنوي فيسيح مع خلجات النفس يرصد لنا لحظات الصفاء الذي يبقي بعد الكدر في ثنائية جميلة يقول الحيص بيص :
قد شاعَ أنَّ تَميماً وهي مَنْ شَهِدتْ
بفَخْرِها حين يُتْلى فخْرُها مُضَرُ
مَحْميَّةٌ برَئيسِ الدِّينِ يَرْهَبُها
صَرْفُ الزَّمانِ وتَطْوي أرْضَها الغِيَرُ
يَذودُ عنها الرَّدى نَشْوانُ مِنْ كَرَمٍ
جَمُّ النَّوالِ إذا ما أخْلَفَ المَطَرُ
يَبيتُ جارُ ابنِ حَمَّادٍ بِفارِعَةٍ
شَمَّاءَ يَحْسُرُ عنها الرِّيحُ والبَصَرُ
الصِّنْوُ صِنْوي وقد ألْقى ظُلامَتَهُ
وجحْفَلُ النَّصْرِ مرْجُوٌّ ومُنْتَظَرُ
هذه كانت أهم الملامح العريضة في شخصية و شعر الحيص بيص صاحب المثل الدائر الي يومنا و الشاعر الايوبي الفقيه الذي عزف متوالياته في تناسق بهيج لغة و معني و ايقاع يترجم لنا مشاعره و فكره الذي يلتزم به من خلال الفقه الذي تفرد به فوازن بين أركانه في ايجابية تختصر لنا مواقفه مع الحياة دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى