دراسات و مقالات

لوحة انقلبت الرؤيا وتغيرت الألوان

سهيلة حمّاد

هل هي صورة تبحث عن يوسف ؟؟؟…

تبدو الصّورة كأنّها نموذجا، لورقة نقديّة، من تلك الّتي يتعامل بها النّاس اليوم، في معاملاتهم التّجارية، وغيرها لتيسير أمورهم بدلا من القطع الذهبيّة، والفضيّة. و عادة ما يُرسم عليها أحد الشّخصيّات من رموز الدّولة، أو المملكة، الّتي أصدرتها. شخصيّات لها وزنها، معاصرة، كالرّؤساء، و الملوك، أو من ذوي الشأن العامّ، أو الخاصّ، كفرحات حشّاد وغيره … وشخصيّات أخرى قد تُستدعى من الماضي، من عبق التّاريخ كشخصيّة يوغرطة، وابن خلدون وغيرهما بالنّسبة للدّولة التّونسيّة ….
كذلك قد يّرسم على الورقة بعض الحليّ، أو بعض الأشجار، وغيرها من الأشياء التي اشتهرت بها دولة ما فتلعب بذلك دور العلامة الأيقونيّة الدّالّة على الدّولة التي أصدرت الورقة النّقديّة …

قد تتساءلون أي وجه للشّبه؟؟ …
وما هذه المقاربة العجيبة، التي تفتقد إلى أبسط مقوّمات الورقة النّقديّة ألا وهي المبلغ ؟؟…
فكلّ ورقة نقديّة، لها قيمة معرّفة، ومقدّرة، مسبقا، من قبل البنك المركزيّ، بما يعادلها من الذّهب، أو الفضّة، في السّوق الماليّة … وتكتب بالأرقام و تُؤكّد بالأحرف …..

إذا مالدّاعي لهذا الطّرح الذي يبدو لغوا ؟؟
أحاول أن أجيب، وجوابي طبعا، يُلزمني وحدي ….إن لم يقنعكم ..
أو ليس الجانب الحقيقي الحسّي ندركه بواسطة العقل ؟؟…ذلك أنّ الحسّ لا يستطيع أن يمكّننا من التّصوّرات..تلك التّصوّرات التي تنشأ عن طريق التّجريد والاستدلال وباعتبار أنّ :

العقل منبع الحقيقة .

و الإحساس مصدر الخطأ، لارتباطه بعالم الحواسّ، عالم الأشياء الجزئيّة، حسب أفلاطون، ذاك الّذي يعتبره عالما زائفا، إذ لا حقيقة مطلقة خارج العقل.

من هنا نصل إلى حقيقة أنّ (الإحساس يعطينا الظّاهر، والعقل يعطينا الحقيقة.) تلك الحقيقة الّتي ينتهي عندها كلّ من أفلاطون، أرسطو، و كذلك هيجل … أصحاب النظريّات الفلسفية المثاليّة، الّتي تؤكّد أنّ الحقيقي هو الكلّيّ، إذا الصّورة وأقصد اللّوحة ، فباعتبارها تقع خارج ذهني، فهي موجودة بذاتها، و منفصلة عنّي فتكون بذلك حقيقيّة وكليّة ( وأعني بذلك الحضور المادّي للّوحة )* …أمّا إحساسي بانّها ورقة نقديّة، فهي لا تعدو أن تكون حقيقة، زائفة، ذاتيّة، وغير موضوعيّة حسب أفلاطون، فهي (أي الورقة النقدية ) تشبه الشّيء الّذي نراه في الحلم، في (الرّؤيا ) فهو أي الشيء ، صورة لتصوّرٍ، يستمدّ حقيقته من الحلم، أي هي صورة لتصوّر غير حقيقيّ في الواقع وإن ارتبط هذا التصوّر بذهن صاحبه أي الحالم صاحب الرؤيا…

وبالتّالي يمكننا أن نبحث عن الكلّ انطلاقا من الجزء ..
وكما نلاحظ، أنّ هذه اللّوحة مقسّمة بطريقة هندسيّة، في شكل مربّعات متساويّة، كأنّها فسيفساء من الألوان والأشكال. كلّ مربّع هو حقيقة مطلقة، و هو صورة كاملة، و تَصوّر لبعد حقيقيّ، لإحدى أجزاء الصّورة السّبعين.

الصّورة طولها سبع مربّعات، وعرضها عشر مربّعات، قد يرمز رقم سبعون ( أي مجموع الطّول ضارب العرض)، إلى معدّل حياة الإنسان، في الزّمن الحالي …فيصبح بذلك، كل مربّع، وحدة زمنيّة، يرمز إلى إحدى سنوات العمر. أي سنة واحدة ،أي كلّ مربّع يساوي إثنى عشر شهرا.

ولكن، إذا ما أسلمنا أنّ الألوان، والأشكال، والمفردات، هي حاملة بذاتها لتصوّرات ولأفكار .. أو لا يكفي هذا بأن نقول، بأن الحسّ جزء من الحقيقة؟، التي ما فتئت تشغل بال المتلقّي وذهنه ، سواء كان من الخاصّة، أم من العامّة؟!.. و إن لم تكن بنفس الطّريقة، و بنفس المنطق، وبنفس الدّرجة، من الوعي والإدراك ، وبنفس القيمة. إذ كلّ سيتوصّل إلى نتيجة تعكس نضجه وخلفيّته الثّقافيّة، و ربّما قد تتأثّر بحالته النّفسيّة، وميولاته وتجاربه الحياتيّة، ( رحلاته علاقاته ومنصبه و كذلك حتما ستتأثّر بعثراته وصدماته، فكما تتأثّر بنجاحاته ستتأثّر أيضا بأزماته وانهزاماته ….)*

ممّا لا شكّ فيه، أنّ درجة الوعي هذه، وكذلك نسيج بناء منطق ما، لصورة ما، ترتكز بالأساس على مدى قوّة ارتباط المبصر بمحيطه، وبمدى تشرّبه لمجريات الأحداث المحاطة به، إقليميّا، ودوليّا، و جغرافيّا، وسياسيّا واقتصاديّا و تاريخيّا …

وعليه، يجوز لنا، أن نحاول من منظور الشّكل، أن نطرق باب الظّاهر من اللّوحة، محاولين أن نلج إلى عمقها، من خلال، فكّ شفرات المرسوم بالرّيشة، والمنطوق بالألوان، والأشكال، مستعينين بالعنوان.
١/٤
ج: 2/4

وحيث أنّ ( ما نراه هو شيء مخصوص فعليّ وواقعيّ إلّا أنّ ما يتسرّب إلى الذّهن هو فكرة عن الشّيء وليس الشّيء ذاته. ) سعيد بن كراد ص 120.

فبالتّالي، يمكننا أن نعتبر أنّ رقم سبع، دلالة أيقونيّة، وعلامة تستمدّ قدسيّتها من الطّقوس الدّينيّة المرتبطة شرطا بالرّقم سبع، علما أنّ رقم سبع، قد وقع ذكره في القرآن، العديد من المرّات في صورة يوسف، و اقترن بسنبلات خضر، تلك الآية التي ارتبطت برؤيا رآها أحد السّجناء في منامه، حيث سُجن يوسف، من قبل عزيز مصر، و قد قام يوسف بتأويل ذاك المنام حينها…كذلك السّنبلة ، هي الأخرى إشارة ودلالة أيقونيّة، لملفوظ السّنبلة، يحمل صورا ذهنيّة، لحبّات قمح أو شعير داخل السّنبلة في (الواقع) ، تلك الحبّات التي تُصنع منها أرغفة العيش( في الحقيقة)، تلك الحقيقة الكليّة….
و ذاك الرّغيف، الذّي تشكّل داخل أجزاء اللّوحة، الّذي ينتمي إلى عالم الأشياء الجزئيّة للّوحة، من حيث هي جزء من كلّ. وهي أيضا كليّة، من حيث أنّ كلّ جزء في اللّوحة، هو شيء في حدّ ذاته، وحقيقة كلّية ذهنيّة، لئن كانت “مزيّفة” من حيث أنّها ذاتيّة من وجهة نظر أفلاطون، إلّا أنها للرسّام قد تكون رمزا لشيء آخر قد لايزال مشفّرا …وإن بدى للمتلقّي (الأنا) يقينا ذهنيّا، جدليّا، ذاتيًا،( مرتبطا بذات المتلقّي للصّورة وبالفعل الإدراكي لديه، من حيث البحث والتّوصيف، في كلّ مُعطى متوفّر، مع ما يتطابق و المفاهيم المجرّدة طبقا لرصيده و مخزونه الثّقافي، و نقصد طبعا المتلقّي المبصر، أو النّاظر للصّورة ذاك المتلقّي ). ذلك أنّ ما أسميناه رغيفا، (ما هو في الحقيقة إلا مدركا بصريّا، يتفاعل مع وحدات بصريّة، دالّة لدى الذّات المبصرة، التّي تجزّىء المُعطى البصري، ذلك الّذي أطلقنا عليه مثلا على سبيل الذّكر لا الحصر، اسم رغيف، أو رقم سبع، أو عشرة أو مربّع، حيث يتمّ تنظيمه داخل سلسلة من الأشكال والعلامات، فأحالت صورة رغيف الخبز إلى شكل مجرّد ذهنيّ، ذاتيّ، للمبصر ( الأنا ) إلى شيء يشبه خارطة الجزيرة العربيّة، خريطة مهترئة متآكلة منهكة يحمله ذاك الرّجل “الموضوع ” le sujet باللّوحة، على يسار القارىء، الذي يبدو ذاتا مرتبِكة، مسلوبة الإرادة, عاجزة حتى عن فعل الأكل، ذاتا لم تهنأ برغيفها، تبدو عليه (أي الرّجل الذّات) مظاهر الخوف، والتوتّر، والانفعال ، حيث كان ينظر إلى جهة اليمين ، مقطّب الجبين، نظراته بها كثير من التّساؤلات.. و التوسّلات ..
رغيف به خطوط حمراء، بالعرض، من الأعلى، وكأنّه رغيف ملوّث بالدّم… خدّه الأيسر مخطّط بالأحمر ، كذلك الوريد تبرز منه نقطة كبيرة حمراء… وما بين الكتف والأذن، مربّع أحمر بالكامل، وكأنّه مُنبّه استدعي بقصد الإرباك وتوتير المتلقّي ، يرمز إلى سَنَةٍٍ كاملة من النّزيف المتواصل، من سفك الدّماء، يحمله العراقيّ على كتفه، حتى أثقل الهمّ والألم كاهله فصار أشعث الرأس حزينا…مبتور الإرادة.

يأتي ذلك المربّع الأحمر، ترتيبا السّادس عرضا، إذا قرأنا اللّوحة من جهة اليمين، و الرّابع، إذا قرأناه من جهة اليسار، والرّابع عموديا بالطّول..أي يتوسّط الطّول. وبالتّالي، قد يصير المعنى, حاملا لسنوات الألم, والمرار التي مرّ بها الشّعب العراقي, طيلة ستّة عشر عام ، منذ سقوط النّظام، إلى اليوم ( أوت سنة 2019)* أي حتى بعد تحرير العراق، من الدّواعش، لا زالت المأساة مستمرّة لا للعراق فحسب، بل شملت العالم العربي، الّذي لحقته سلسلة من الانهزامات، وقد، ترمز إلى سنوات الغربة، والاغتراب، للرسّام سمير البياتي نفسه ….قد وقد… شفرات… وألغاز … رموز… قد لا يستطيع الإجابة عنها إلّا الرسّام نفسه …

قلت سلفا، إن الرّغيف جاء على شكل خريطة للجزيرة العربيّة، وهي ولا شكّ، إشارة أو علامة تشكيليّة دلاليّة عميقة، من حيث، غناء المنطقة ككلّ… وأقصد الخليج ،و من حيث أنّها منطقة غنيّة بآبار البترول، والثّروات المنجميّة، و قد تعمّد بعضهم، الخيانة، بالتآمر مع العدوّ و التهم خيراتها خلسة، ملوّثة بدم يوسف الّذي أوقعوه في البئر غدرا، وخسفوه …

من هو ذاك الرّجل؟…

أ.هو خائن ممّن اختار أكل لحم أخيه ؟؟…

أم هو من العامّة، من الّذين يعملون من أجل لقمة العيش، فانداست كرامته، من دون إرادته …وسلب أمنه وآمانه، وحرم من كسب حلال، وبقي في ذلّ وهوان …

أهو الرّجل العربيّ صاحب القرار؟
ذاك الّذي اختار اليسار البلشيفي، الدّب الأبيض، منذ 47 !!.. والّذي رأى فيه الخلاص، و توقّع منه المساعدة والنّصر؟… فإذا به، في كلّ مرّة يسدّد له اللّكمات بالضّربة القاضية على كرامته… لنتذكّر تلك الأسلحة المغشوشة في أعقاب الحرب العالميّة الأولى، تلك الصّفقة المصريّة، ثم تلك التّزكية لاجتياح العراق، الكويت …في كل مرّة يحاول الدّبّ الأبيض مغازلة البيت الأبيض يسقط العربيّ في الشّراك والمصيدة بمكيدة خبيثة ….
٢/٤
يتبع

اختار الرسّام للّوحة عنوان:

(انقلبت الرّؤيا وتغيّرت الألوان )

انقلبت: فعل انقلب قد يحيلنا إلى معنى انقلب السّحر على السّاحر ..
وأيضا انقلب رأسا على عقب …تغير الوضع من حسن إلى سوء …
يقول أليخاندرو كاسونا الأديب الإسباني على لسان الجدّة: في (قارب بلا صيّاد )
(الحالة أقرب إلى السّوء منها إلى الحسن )واصفة الوضع بعد موت بيتر …Pitter زوج حفيدتها الذي اغتاله صهرها الثاني .

أمّا الرّؤيا: فهي قد تحيلنا إلى ما يُرى في النّوم ، و هي تذكّرنا برؤيا فرعون موسى، وفرعون يوسف. كما تحيلنا إلى أهميّة فعل التأويل، والعارف به( كيوسف)*

تغيرت : فعل ماض يفيد معنى استبدل …
وفي الألوان : يقول سعيد بن كراد في كتابه :السّيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها (ص149)

(إن اللّون كالضّوء يغطّي كلّ شيء ولا يمكن أن يوجد شيء خارجه. ورغم كونيّته وارتباطه الكلّي بالإدراك الإنساني للأشياء فإنّ استعابه وتمثّله ليسا من الكونيّة في شيء )*. باعتبار أنّ إدراك اللّون هو إدراك ثقافيّ وبالتّالي (لا يمكن الحديث عن خطاب كونيّ موحّد حول الألوان).
ولكن هذا لاينفي أنّ الصّورة اللّوحة، هي بالأساس، تعبير عن حالة انفعاليّة للفنّان، في لحظة زمنيّة معيّنة، فكلّ الأشكال والخطوط والألوان، التي أثثّت اللّوحة، هي بالأساس إسقاط لحالة وجدانيّة إنسانية ثقافيّة للفنّان أي للرسّام…فهي بالتّالي خطاب يتأرجح بين الصّمت والكلام، انطلاقا من النّقطة مصدر التّعبير، وأصل الأشكال، ونهاية الكلام، عند الوقف … وما الخطّ إلّا مجوعة من النّقاط المعبّرة عن حركيّة تختلف معانيها من شكل إلى آخر …ففي هذه اللّوحة، الشّيء البارز فيها والمنبّه، هو شكل المربّع الّذي يقترن سميائيّا بالصّلابة، والأرض، والسّماء وبالمادّة، فهو محكوم بالجاذبيّة ٠ نراه في ائتلاف تامّ مع اللّون الأحمر حيث خصّص له مربّعا كاملا، ( وكنّا قد أشرنا إلى موضعه في الصّورة أي اللوحة آنفا )… لون يذكّرنا بالألم، بالدّم، يذكّرنا بالحروب، بالاقتتال، بسفك دماء الأبرياء، بالتّناحر من أجل البقاء، أو الاستطان، بالاغتصاب بالقهر، بالغدر بالفقد، بالشّهداء ….. مربّع (منبّه) كأنّه القلب النّابض للصّورة وموضوعها وبؤرة لتوليد الوعي … دم يروي حكايات وحكايات، على امتداد المربّعات (عدد السّنين) باستثناء المربّع الأسود تاركا آثاره على الخدّ على الوريد على الرّغيف …
تنوّعت الخطوط، من منحرف، يمثّل اللّاتوازن، إلى ارتجاجيّ قطعيّ، يمثّل العنف، والقطع، والحسم، على شكل البرق. كأنّه يوحي بالقصف وإلى سنين الدّمار. و خطوط أخرى ملتويّة، كأنّها تشير إلى سنوات ما بين الحياة والموت ….(اللّاحياة واللّاموت )….ربّما هي إشارة إلى سنوات الحروب مع الجيران والأمريكان ….

غاب الاستقرار والأمل، عمّت الفوضى والسّلب والنّهب والعتمة ..
تعمّد الرسّام تقنيّة المقابلة لابراز لون الدّم، و الألم وحجم المأساة …

غابت عن الصّورة الأشكال الدّائريّة، رمز عالم الرّوح،والمشاعر والكينونة، والصّيرورة، والحركة، والفعل، المتواصل، والاجتهاد وإن حضر اللّون الأزرق، (كهالة ) باحتشام على مستوى شنب الرّجل، وخدّه و بعض الخطوط المستقيمة، والمتقاطعة هنا وهناك و بعض النّقاط، وكأنّه يشير إلى استقرار نسبيّ، وتخلّص من الشّيطان كإشارة إلى تحرير البلاد من الدّواعش …

لئن غاب شكل المثلّث في اللّوحة، رمز المنطق والفكر وعالم التّركيز والضّوء والثّقافة، فقد حضر بصيص من الأمل من خلال بعض الخطوط، وكأنّ الرسّام لا يريد أن يفقد الأمل، لابل وكأنّه أراد أن يُرشده و يُرافقه حتى لا ييئس …
٣/٤
يتبع

ج: 4/4

لوحة، مستفزّة، تشدّ النّاظر، تقدح مخيّلته، مثيرة للجدل، حاملة لرسالة، تشبه ورقة نقديّة، خالية من القيمة، تبحث عن يوسف، بقصد تقييمها، لتعويض الخسارة واستبدال سنوات القحط بسنوات رخاء، وازدهار من جديد، وإعادة الإعتبار للإنسان… للعربيّ عموما…و للعراقيّ خصوصا… وكلّ البلاد العربيّة ذات الوضع المشابه… وإن كانت الصّورة تعكس وضعا مزريا.. وضعا مهينا… يائسا … لذات بشريّة… فاقدة القيمة، صوّرها في أسوء صورة من الرّخص، والهوان، والمذلّة، ترمز إلى سنوات من الاستنزاف والدّمار وسفك الدّماء وغياب العقل والفكر و ضياع الدّين و القيمة les valeurs ، وتَوَهانِ الخير، و واغتيال الكرامةِ، وغياب السّكينة، وحلول الفوضى، وطغيان المادّة …صورة لورقة نقديّة، من دون قيمة ماليّة، لا تصلح للمعاملات ….
غير أنّ الأمل نستشفّه، من العنوان، وإن بدى تسليما، فهو دعوة إلى الوقوف عند اللّوحة( المرآة)* بغية التأمّل وإعادة التّفكير ، قصد المقاربة، و التذكّر والتّذكير، بتلك الرؤيا، التي (انقلبت)…. للبحث في أسباب انقلابها وبطلانها ، للبحث في الأسباب التي أدّت إلى هذه النّتائج …نتيجة سوء التّقدير والتهوّر… و الانسياق وراء وعود البيت الأبيض، وتهريج الدبّ الأبيض، هي دعوة، للاعتبار من الّذي مضى …هي دعوة صارخة إلى عدم الاستسلام….هي دعوة إلى ثورة بحجم البركان، بقصد أن تعيد للعربي كيانه وترجعه إلى سالف عهده بالعلم والمعرفة والرّيادة في كل الميادين من دون خذلان ولا تكاسل..
ثورة تعيد العراقيّ إلى وضعه الطّبيعي، بقصد تقويم مساره، الذي انحرف وطال انحرافه …. نلمح هذه الدّعوة من خلال القسوة التي صوّر بها ذاك الرّجل الفاقد لآدميته وإنسانيّته، الذي بدى مخلوع الكرامة، وكذلك باختياره لشكل المربّع وتغييب المثلّثات والدّوائر من اللّوحة الموضوع. ولكن، من خلال استدعائه اللّونين الأزرق و الأصفر، نراه لا يزال مؤمنا بمقدرة الإنسان العراقي، على قلب هذا الذي بات واقعا وحقيقة، المرفوض في الحقيقة و في الحلم وفي الرّؤيا شكلا ولونا ودلالة …

قد نتساءل، لماذا الرّسّام لم يرفق العنوان الّذي اختاره للّوحة، كلمة العراق ؟؟؟؟
ببساطة، قد يكون أراد لها،حياة سرمديّة، ترفّعها عن المحلّية، لتعانق الكونيّة، في بعدها الشّمولي لتترجم،حالة الإنسان الذي تعرّضت أرضه للاستعمار، والاغتصاب، في كلّ زمان ومكان ، إذا أراد لها أن تشمخ في فضاء الفنّ العالمي، البانورامي، لتكون موضوعا يحاكي مأساة الإنسان، مثيرأ، قادحا، و مغازلا لكلّ جنس إبداعيّ، من الأجناس الأدبيّة المتعارفة، في كلّ زمكان ….إذا هو عمل فنيّ حدثيّ استشرافي…(خليط من اليأس والأمل ) على راي الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي في مذكّراته ( في قبوي).

لمن لا يعرف سمير البياتي هو شاعر وفنّان وناقد عراقيّ مغترب مقيم بتونس متزوّج من تونسيّة يحمل رسالة وفكرا يترجمها عادة بالكلمة وبالرّيشة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى