قصة

لوحة السَّام

جمال بربرى

عاد من غربته حاملاً لوحة مُزْجاة؛ يسكنها اللون الأسود الممزوج بالأحمر، وطائر يرفرف بأجنحة منكسرة.. يبحث عن عشه المفقود.

طفلٌ أعمى يصرخ منادياً على أبيه وأمه, وقبورٌ كثيرة، وأرضٌ خراب وضعها على تلٍّ من الرمال.. أطلق من يحمل البندقية رصاصةً.. ترنحت اللوحة, أخذت تتساقط مع حبات الرمل متناثرة.. ليخرجَ منها الطائر والطفل وتبقى القبور بساكنيها، لم تحركْ ساكناً.. يهجمُ الذباب على الجثث المتعفنة, ويعانق الرسام المهاجر الطفل الأعمى، ويمسح دموعه الحارقة.

نصب لوحة جديدة على أرضه؛ وبدأ يحدثها قائلا : تحلم الأرض البور في سأم خفيٍّ.. ببيوت عاليات تنسج اللغط.. قطع الزجاج اللاصقات بالوحل تنظر نحو رقع الحشائش المعذبة.

سَامَ الطَّائِرُ عَلَى الدَّارِ لم يجد مكانا يضع فيهِ بيضه، فالأماكن سادها الخراب؛ سَامَتِ الرِّيحُ تنقل غبار الأحزان من درب إلى درب، ومن شارع إلى شارع.. يذوب صمت التعاسة غير مبالٍ بالوعد أو الوعيد.. الأمهات الثكالى يفترشن الأرض إلى جانب قبور أولادهن.

حزن ثقيل يخيم على أفئدة الأطفال، والرجال لا يملكون سوى البكاء والدعاء، تتساقط على الأرض تلك الدموع اللاهثة.. تمتصها أشعة الشمس وتتبخر، وتتشكل على هيئة غيوم جاثمة.. تحجب بصيص السعادة والتفاؤل.

جثم الهمّ على صدره.. تتهاوى من بين يديه ألوان الأمل والحب.. يرحل مع الطائر حاملا حفنة من الثرى.. يتذكر أنه من هذا الوطن.. يترك اللوحة، وتحت ظلها ينام الطفل الأعمى، وبجواره ألوان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى