دراسات و مقالات

قراءة في قصيدة : ( وطني )

سميا صالح 

قراءة في قصيدة : ( وطني )

للشاعر والأديب السوري :

( مصطفى الحاج حسين )

للشاعرة والناقدة :

( سميا صالح )


==========================

تطالعني وأنا أقرأ للشاعر صورٌ قاتمة ومخيفة

حملتها مخيلة الشاعر من ذكريات ارتسمت في زمن

موبوء بالعنف والموت والدمار . إنها الحربُ التي لم

تبقِ ولم تذر من هذا الوطن شيئا .

الأفق عند الشاعر مغلق , حدّده السواد من كل

ّ جهاته, فأصبح سديما , حاول الشاعر أن يفتح فيه

دربا للخروج , لكنّ كلّ الدروب متشابهة , درب

الوطن ودرب الغربة ودرب الحياة ودرب الموت,

درب الصمت ودرب البوح , تتعانق جميعا في

(عتمة بكماء) , والحلم القادم أبكم رمادي ,

والسراب الخادع ينتظر على خط الأفق , فلا مطر

ولا أمل , كلّ ما هنالك خراب ودمار وهزائم وصدى

قصيدة تائهة خائبة , تعض حروفها الخيبة ,

والأرض تحبل بالموت والدماء, والضحايا, والفرح

جثة , والضحكة مبتورة الأصابع , … هذا هو الوطن

الممزق الخرب, يحترق بيد أبنائه, لم يبق منه سوى

ركام وقبر …

الشاعر مولع بحب الوطن , ومولع بصناعة

الصور الشعرية , مفرداته واضحة , وجمله قصيرة

تلهث خلف الفكرة , وكأنه يتعجل الوصول, فالسفر

في غربة الروح انعكس على لغة الشاعر , من دروب

وجهات وانتظار وحلم العودة أو الوصول … يرسم

الشاعر صوره بريشة الحداثة , فيطوع المفردات

واللغة لمعان جديدة, متخذا من التضاد وجمع

المتناقضات وسيلة للتعبير

( وطن من خشب مولع بالكبريت)..

يعتمد الشاعر على ألوان الموسيقى الداخلية

بمفردات ترقّ حينا وتفخم حينا آخر

(شفيف قبر… تمجد انتحارنا) ..

تجربة شعرية ناضجة , في سردية مباشرة ورمز

شفاف .

الشاعرة. : سميا صالح .

——————————————————

القصيدة :

وطني …

شعر : مصطفى الحاج حسين .

في دمي

دروبٌ لائبةٌ تبكي

والجهاتُ تصهلُ

في عتمةٍ بكماء

وجمرُ انتظاري يصرخُ

في عروقي

ياحلمَ الرّماد القادم تدثّر

في وهجِ الظّلالِ الشّاردةِ

يالسعةَ التّنفس في حلمي

اقتربي

من بئرِ السّراب

قد غارت الأرضُ

في سقمِ المدى الجريح

وتيبّسَ السّحابُ تحتَ أجنحتي

في كلِّ ارتحالٍ

يطالعني سديمٌ قميءٌ

ويمتشقُ الخراب هامتي

يشيّدُ من لهاثي

قوس انتصار الهزائم

قصيدتي يتلقّفها الصّدى

وأحرفي تعضُّ خيبتي النّابتة

أرى الأرضَ تتدحرجُ خجلى

في باطنها تنمو الدّماء

حُبلى بجثثِ الفرحة

والضّحكةُ مبتورةُ الأصابع

أرى الموت يُولمُ للعدمِ

موائد الدّم

وأحسُّ أن بلادي

تتقمّصُ شكلَ الرّكام

في يدها خنجرٍ

تطعنُ عفّة الرّوح

دمعٌ ينبتُ على أغصانِ العراء

مطرٌ متوحّشٌ يكنسُ جذوتنا

وليلٌ متحجّر الوقت

ينقضُّ على نشيدنا الوطني

وطنٌ من خشبٍ مولعٌ بالكبريتِ

فضاءٌ من اختناقٍ شفيفٍ

قبرٌ من هتافاتٍ بيضاء

تمجّدُ انتحارنا *

مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول

من ديوان : ( أجنحة الجمر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى