قصة

في ذكرى سيدنا المغُنّي وأسيادنا الكلاب

خالد ابوالنور

عندما تهب الذكرى السنوية لسيدنا المغني

تتأهب قريتنا وتتزين لتستقبل الزوار والمريدين وأصحاب الحاجات الذين يفدون الينا كل عام من كل حدب وصوب يبغون نيل البركات …

تقدم النذور وتنحر الذبائح عند المقام العالى (لسيدنا أبو العز الدفاف)المغنى الذى نحتفل بذكراه كل عام…والذى تواترت فيه الأدلة والنقول بأنه عندما كان يغنى فمر الحال بغنائه يحلو …

بل ان القرية لم يصبها الطاعون فى عام الطاعون الذى أصاب كل القرى المجاورة !؟

يقولون إن الأبدان كانت تتمايل فى حلقات الذكر مع إنشاده وصوت البلابل فى غنائه يجعل قلوب النساء من خلف الجدران تهفو إليه عشقا.

فإذا تغنّى تسمعه الأشجار والأطيار فى شغف وتسأله المزيد لعل الربيع لا يرتحل عنها أبدا…

أعمى .. ولكن أقدامه لا تخطىء الطرقات وأصابعه لا تخطيء الأشياء ومن الأصوات يعرف الاسماء ويعرف ما فى القلوب إذا تهدجت الانفاس مع نقرات دفه…

الحب فى غنائه سرمدى والسر انه يعرف كيف يمس شغاف القلوب فيفرج بالتغريد عن ما بالأفئدة المنكسرة فتضطرب الأعضاء بالحس والمعنى فيطرب أرباب القلوب إذا غنى وهو لا يطيق الصمت وإن سألته أنشد ” كيف يطيق الصمت من عاين المعنى” …

كان يعود لبيته فى اخر الليل دوما يغنى ” أنفخ مزمارى وأصغى لصوته وأنقر دفى فترقص طينتى “….

… تسمعه كلاب القرية الضالة فتهب عليه محاولة الفتك به , ولكن حجارته دائما تسبقهم ولا تخطىء طريقها الى رؤوسهم فتهرب ناجية من حجارته.

ضحكاته رائقة حلوه كغنائه وكفه طرى ناعم ورائحته دوما بخور . ..

بعضهم يقول أنه عربيد وغنائه رجس من عمل الشيطان بل إن دمه حلال و. …

وجدوه مقتولا ذات صباح فى مدخل القرية ينزف منه الدم ويسرى مكونا بقعه كبيرة والكلاب من حوله تنهش فى قطعتين من اللحم كانتا فى جواره تبين بعد ذلك أنهما قلبه ولسانه ، لم تفلح محاولات الناس فى منع الكلاب من نهش القطعتين ولعق دمه المسفوك .

خافوا وقالوا إن عفريته سيخرج من نفس البقعة ويقطع الطريق على الناس فلا يدخل أو يخرج من القرية أحد و…..

تساءلوا عن قاتله وقاطع لسانه ومخرج قلبه من بين ضلوعه وربما كانوا يعرفون ولكنهم لم يفعلوا شيئا غير انهم دفنوه بملابسه الرثة الباليه فى نفس بقعته التى قتل فيها ….

بعد حادثة مقتل ابو العز باتت كلاب القرية فى أمر عجيب لا تنبح فى الليل على أى غريب قادم ولا تنام فى الحر القائظ فى ماء البركه النجس ولا تبول أيضا على جدران البيوت بل صارت تهيم فى جنبات القرية كل مساء تغنى غناء أو العز أنفخ مزمارى وأصغى لصوته وانقر دفى فترقص طينتى ..!!!!؟

تعجب الناس من أمر الكلاب التى تغنى غناء “ابو العز” وضربوا كفا بكف ….

وجاء من ينادى أن الكلاب مذبوحه ومقطوعة الألسنة عند نفس بقعة أبو العز فتجمعوا وتساءلوا وكانوايعرفون ولكن…!!!؟

أشار أحدهم أن اجعلوا فوق هذه البقعة بناء ؟

أقاموا البناء ولاحظ الناس أنه عندما يحل المساء تنبعث منه الأغانى ورائحة البخور تعبق جو القرية فيبيت الناس سكارى نشاوى لا هم لديهم ولا حزن …

أصبح البناء ضريحا تأتى اليه الناس من كل صوب فيعود الأبكم متكلما لبقا والعاقر ترزق بعنقود متصل من الابناء والفقير … والضعيف …و…

فى ذات صباح صحت القرية على الصرخات وولولة النساء فقد هدم الضريح ونبشت البقعة وإختفت جثث الكلاب وجثة أو العز أيضا ….

تكلموا … تهامسوا… سكتوا !؟

أقاموا الضريح مرة أخرى عاليا قويا مزدانا بالانوار وطفقوا يحرسونه كل مساء ولكن لم تعد تنبعث منالاغانى ولا رائحة البخور وشيئا فشيئا امتنع عنه الزوار والمريدين؟

قالوا انحروا حوله الذبائح … نحروا أقيموا الليالى …. أقاموا أطلقوا البخور .. أطلقوا

… أخيرا قالوا اذبحوا أربعين كلبا وادفنوها مكان التى نبشت .. ولكن لم يجدوا فى القرية كلابا !؟

راحوا يصلون ويدعون ويبكون ويمرغون الوجوه فى التراب ولكن …..

يأتى من بين مواليد القرية فى ذاك العام أربعون مولودا .. عميانا .. لهم رائحة البخور ينبحون تارة وتارةأخرى يغنون عند خروجهم من الارحام أنفخ مزمارى وأصغى لنغمتى وأنقر دفى فترقص طينتى …………………..

يعود للضريح غناؤه ورائحة البخور و…

… والان إذا جئت تبغى زيارة قريتنا والضريح يستقبلك أربعون شيخا كفيفو البصرينشدون جميعا سيرة سيدنا المغنى واسيادنا الكلاب……

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى