فرسان شعر النقائض الثلاثة –
تغريدة الشـــــــعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك – الفايد
رموز الشعر الأموي : الفرزدق و جرير و الأخطل “
و قال أهل اللغة :
لولا النقائض لضاع ثلثي اللغه !! .
وقد قالوا :
جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت في الصخر.
—-
وقد اجتمع أبرز شعراء النقائض و فرسانة الثلاثة : وهم الفرزدق والأخطل وجرير , اجتمعوا عند عبد الملك بن مروان وكان في يده صره من ذهب فقال لهم فليقل كل منكم قول في صاحبه ,فأيكم غلب فله هذه الصره.
فقال الفرزدق :
أنا القطران والشعراء جربى وفي القطران للجربي شفاءُ
فقال الأخطل :
فأن تك زق زامله فأني .. أنا الطاعون ليس له جواب
وأخيراً قال جرير :
أنا الموت الذي آتي عليكم .. فليس لهارب مني نجاء
فقال عبد الملك لجرير : خذ الكيس , فلعمري ان الموت يأتي على كل شي
—–
في البداية ان فن النقائض ، فن يعد لونا جديدا من ألوان الأدب والمناظرة الأدبية .
و قد عرف شعرنا العربي أغراضا و ألوانا من هذا الفن البديع و لكننا نسترجع شعر ” النقائض ” للوقوف علي بدايات فن المعارضة الشعرية فيما بعد من موازنة في الغرض و الوزن و القافية و التصوير في سجال منفتح يلهب قريحة الشعراء قاطبة — !!
و ما أثر فن المعارضات التي نطالعها حتي اليوم في ديوان العرب ” الشعر ” قديما و حديثا لأهمية هذا السجال في اثراء رسالة الشعر شكلا و مضمونا .
مع شعر النقائض :
إن أول ظهور لمصطلح (النقض) كان في العصر الأموي، وتحديدا فيما عرف بـ (النقائض)، وهي تلك المعارك الشعرية التي دارت رحاها بين عدد من الشعراء في العصر الأموي، وكانت ريادته في رموزه و فرسانه الثلاثة :
” الأخطل وجرير والفرزدق ” ، حيث يكتب الشاعر قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة مع التقيد بوزنها وقافيتها، وتتفق (النقائض) مع (اللقطة) في عملية نقض ما يقوله الخصم .
معني النقائض إ:
هي مصطلح أدبي لنمط شعري، نشأ في العصر الأموي بين ثلاثة من فحوله هم: جرير والفرزدق والأخطل. وهذا المعنى مأخوذ في الأصل من نقَض البناء إذا هَدَمَه .
قال تعالى:
﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا﴾ “النحل: 92″.
وضدُّ النقض الإبرام، يكون للحبل والعهد. وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه.
والمناقضة في القول أن يتكلم بما يتناقض معناه، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ما قال خصمه.
والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض، وقد اشتهرت في هذا المعنى نقائض الفرزدق وجرير والأخطل، وقد عُرف المعنى المادي الذي يتمثل في نقض البناء أو نقض الحبل أولاً، ثم جاء المعنوي الذي يبدو في نقض العهود والمواثيق، وفي نقض القول، وهو المراد هنا، إذ أصبح الشعر ميدانًا للنقض حتى سُمِّي هذا النوع منه بالنقائض.
معناها الاصطلاحي :
هو أن يتجه شاعر إلى آخر بقصيدة هاجيًا، فيعمد الآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذي اختاره الشاعر الأول.
ومعنى هذا أنه لابد من وحدة الموضوع؛ فخرًا أو هجاءً أو غيرهما.
ولابد من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذب إليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول.
وكذلك لابد من وحدة الرَّوي؛ لأنه النهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأول في ميدانه وبأسلحته نفسها.
و الخلاصـــــــة :
فان معانيها المقصودة في الأول و الأخر هنا :
ان يكون الأصل فيها المقابلة والاختلاف !! .
لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعر الأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانت فخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا.
والمعنى هو مناط النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكون رَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني، وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر في الوقت نفسه.
ومنها أيضًا أيام العرب :
و التي اعتمدت فيها ( النقائض عليها في الجاهلية والإسلام ) :
حيث كان الشعراء يتَّخذون منها موضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسن تصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس ….
ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليد التي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة.
فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلم والوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون ….
و من ثم فيدعي الشاعر لنفسه ولقومه الفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتها وتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام .
و علي أية حالة تبقي ” المعارضة ” اليوم فنا أصيلا في مزج مفهوم الغرض الشعري الفني في مقاصده التي تدور حوله القصيدة شكلا و مضمونا بغية الارتقاء بهذا الفن النادر الذي يميل للاعتزاز و الفخر و و التغني بشيء يميل اليه صاحبه تأثيرا يحرك مشاعره ايجابا و سلبا أيضا
وسط مقاييس و معايير فنية تحكم أصول المعارضة ، و ربما يختفي غرض النقائض الذي كان ساحة لتباري الشعراء و يؤدي الي الخصام و القطيعة و النيل من الشخصيات و الشرف —- الخ .
أما المعارضة اليوم :
يحاول الشاعر هنا نقل فكر الشاعر الأول بروح الحداثة و المعاصرة ربطا بين الآصالة و المعاصرة معا في تواصل مشوق هكذا !! .
و نجد أمير الشعراء أحمد شوقي عارض الكثير في البيئة العربية و الاندلسية و الاسلامية فقدم لنا الكثير من هذا النوع الذي يحاكي و يقارب وحدة فنية تجمع بين فترات زمنية و مكانية كما استنتجها خلاصة تجارب لهذا الفن الجميل كرسالة سامية تنهض بالمصير !.
هذه بعض النماذج من شعر النقائض للفرزدق وجرير :
—————————————————-
يقول الفرزدق :
ان الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه اعزّ واطولُ
بيتاً زرارة محتبٍ بفنائه ومجاشعٌ وابو الفوارس نهشلِ
لا يحتبى بفناء بيتك مثلهم ابداً اذا عُد الفعال الافضل
فيرد عليه جرير :
أخزي الذي سمك السماء مجاشعاً وبنى بناءك في الحضيض الاسفل
بيتٌ يُحمم قينكم بفنائه دنساً مقاعدهُ خبيثُ المدخل ِ
قُتل الزبير وانت عاقد حبوةٍ تباً لحبوتك التي لم تحللِ
وافاك غدرك بالزبير على منى ومجرُ جعثنكم بذات الحرمل
بات الفرزدق يستجير لنفسه وعجان جعثن كالطريق المعمل
و نجمل قولنا هنا في تلخيص لهذا الباب :
فقد جاء في كتاب ( النقائض ) والتي جرت بين جرير من جهه وبين الفرزذق والأخطل
فلشعر النقائض فضل وأهميه حتى أن أهل اللغه قالوا :
لولا النقائض لضاع ثلثي اللغه !! .
و هذا الموقف و المدارة بين الفرسان يكشف لنا مدي البراعة و البلاغه و الفصاحة من خلال هذه المواقف الطريفة حيث الظرف و التفكهة بينهم :
وقال روي هشام بن محمد الكلبي، عن أبيه، قال:
دخل رجل من بني عذرة على عبد الملك بن مروان يمتدحه بقصيدة، وعنده الشعراء الثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، فلم يعرفهم الأعرابي، فقال عبد الملك للأعرابي: هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
فقال: أحسنت ! فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح
فقال: أصبت وأحسنت ! فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
إن العيون التي في طرفها حور * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا
فقال أحسنت ! فهل تعرف جريراً؟
قال: لا والله وإني إلى رؤيته لمشتاق.
قال: فهذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الأخطل، فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حرزة * وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به * ودقَّ خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنفاً أنت حامله * يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم * ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا * في معشر أنت منهم إنهم سفل
فقام جرير مغضباً وقال:
أتشتمان سفاهاً خيركم حسباً * ففيكم -وإلهي – الزور والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعكما * لا زلتما في سفال أيها السفل
ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي، وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة آلاف، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض الأعرابي ذلك كله وخرج
و أخيرا : كم نتمني أن نكون وفقنا في هذا الطرح و قدمنا شيء من هذه المناظرات الادبية ، و نتمني أن نقدم جزء من المعاصرة بين بعض الشعراء في شعرنا العربي الحديث المحمل بالكثير و الكثير دائما !.