قصة

(سينما )

رعد الإمارة

وصلت متأخرا هذه المرة، اقتطعت تذكرة بسرعة ،وضعتها في كف الرجل العجوز الجالس أمام الباب ذو اللون الأحمر، أخذها بصورة آلية دون أن ينظر في وجهي وهو يواصل التدخين ! كان الظلام سائدا، لكن الاضوية المتلاحقة والمنبعثة من الشاشة الكبيرة ،التي كانت تسطع مابين الحين والآخر ،منحتني فرصة لرؤية المكان الذي أقف فيه، بقيت جامدا في موقعي للحظات، رحت أتأمل رؤوس الرواد،آه، أخيرا ثمة مقاعد فارغة هناك، استعنت بالنور المنبعث عن الشاشة الكبيرة ورحت أسير بخطوات متعثرة، تبا! قبل أن أصل لمقعدي تعثرت بساق أحدهم وكدت أن أقع، كضمت غيضي، كنت ماازال شابا يافعا، نحيلا وجبانا! رحت انظر حولي، كان ثمة ثلاثة مقاعد فارغة بجانبي، دسست اصابعي واخرجت علبة السجائر واشعلت واحدة فتوهج نورها في الظلام، كنت حديث العهد بالتدخين وكانت تلك فرصة بعيدا عن رقابة الاهل والأقارب! لحظات ثم غبت عن الوجود، كنت مبهورا، فقد كان اميتاب يمثل الوجه الآخر للوسامة والشجاعة التي كنت افتقدها! لم أكن أشعر بمن كان يمر من أمامي أو من خلفي، كنت مأخوذا بسحر الأغاني التي كان اميتاب يصبها صبا في إذن حبيبته ذات الشعر الأسود الطويل،لم أكن أشعر بوهج السيجارة الذي لسع اصابعي، تبا، رمقتها بسرعة، كادت أن تلفظ أنفاسها! أشعلت واحدة أخرى ورحت أتابع بشغف محاولات اميتاب الناجحة في مغازلة حبيبته. لم أشعر بثقل الكف الغريبة التي استقرت بأمان على فخذي إلا بعد لحظات!ابتلعت ريقي بصعوبة، واشتدت ضربات قلبي، اتسعت عيناي، حتى كادتا أن تبرزا من محجريهما! التفت ببطء شديد، سحقا! كان رجل عجوز يرتدي اللباس العربي، وثمة كوفية منقطة بدوائر سوداء وبيضاء ،تكاد تخفي معالم وجهه، الحقير !لم يلتفت صوبي، كان يحدق بلا مبالاة للامام، أما أصابعه الثقيلة فقد اشتدت هذه المرة في ضغطها على فخذي! كنت خجولا جدا، وقد عقدت الدهشة لساني، تخيلت بأن رواد السينما انصرفوا عن مشاهدة اميتاب وحبيبته اللعينة وأخذوا يحدقون بنا! راحت عيناي المذعورتان تحدقان بدورهما للأمام ،كنت احدق بنظرات زائغة دون أن أفهم شيئا! واصل الخبيث الضغط، كان يدمدم مع نفسه ويضحك، دون أن يبالي بوجودي، فكرت بأن انفض يده وانهض خارج هذا المكان، لكن الخجل والدهشة والجبن سمراني إلى مقعدي اللعين! لم أشعر بلسع جمرة السيجارة هذه المرة، لقد مر وقت طويل مذ لفظت أنفاسها بين أصابعي، جربت النهوض، راحت قدماي ترتجفان، أحاطت ذراعه فجأة بكتفي ،مد رأسه الحقير ثم قبلني فجأة من خدي واتبع ذلك بقهقهة، أشبه بحشرجة ميت، عندها شعرت بأكثر من يد تجذبه من خلفنا، ودوت الصفعة! التفت للخلف وانا ارتجف من رأسي حتى اخمص قدمي، وجدته قد انحنى، وثمة رجلين راحا يضربانه ،وكأنه كيس ملاكمة!كانت العتمة ملاذا طيبا لي للتسلل والهروب، قبل أن أخرج من الباب الأحمر اللعين التفت للخلف، كانا مازالا يضربانه وقد ضاعت استغاثته مع صوت اميتاب العزيز ،كان يغني غير عابئا بجمهرة الرواد التي راحت تحدق صوب المعركة بفضول،رحت امشي بصعوبة خارج مبنى السينما القديم وانا أردد مع نفسي، تووووبة!!!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى