دراسات و مقالات
زهـــــــــرة الكويت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح – 1942 م
السعيد عبد العاطي مبارك الفايدي - مصر
يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي
وتشكيلَ أنوثتي…
أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ
حتى لا أبقى في العَرَاءْ
وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ
حتى لا أظلَّ في المنفى…
من قصيدة مطولة بعنوان ” تحت المطر الرمادي ! “
——————-
قدمت عدة مقالات عن الدكتورة سعاد الصباح – و عندما طبعت كتابي بعنوان ” رثاء الأبناء في الشعر العربي ” كان لها حظا منه حيث فقدت زوجها و ابنها البكر المبارك —-
و كان لي شرف مقابلتها في معرض القاهرة الدولي للكتاب في جناح دار سعاد الصباح للنشر و استمعنا إليها في أحاديث عفوية فهي خجولة قليلة التحدث إنسانة بسيطة تهتم بقضايا العصر مسكونة بحب الوطن بعد الغربة التي تمخضت عنها مأساة العرب المعاصرة ٠٠
ووفاء منا و عرفانا لفضلها الثقافي و الاجتماعي ودورها الإنساني نبحر مع شراعها نحو الوجود الممتد بين ظلال رحلة العمر الطويلة هكذا ٠٠
و لَمَ لا فهي تمتلك الجرأة في التعبير و البوح لكنها تقمصت وشاح الحزن منذ نعومة أظفارها برغم نشأتها في البلاط الأميري ٠٠
فمن هذا التغير نلمح إبداعها المتنوع بين الوطن و المرأة وقضايا اجتماعية مع مغازلة الطبيعة و محطات الرثاء في حياتها تذكرنا بلوعة الشاعرة العربية الخنساء ٠٠
فقد حدثت هزة عنيفة عايشتها عن كثب أثرت عليها في تجربتها الذاتية فعكستها كمرآة تري فيها عالمها المخضب بالأوجاع ٠
لكنها تهرب إلي مدارات النور تمسك بأوتار الحياة مع سريان النهر المتجدد في انطلاقة لها دلالات استثنائية ٠٠
فنحن في مصر فتحنا أعيننا علي روائع الشعر النسائي منذ عائشة التيمورية و نازك الملائكة في العراق و فدوي طوقان و سلمي الجيوسي في فلسطين و عزيزة هارون و هند هارون في سوريا الحبيبة ٠٠
و شاعرتنا المبدعة زهرة الكويت الشقيق د٠ سعاد الصباح ٠
فكانت هذه الكوكبة من تلك الأسماء و التي تتلألأ في سماء الشعر العربي تضفي صورة للمرأة العربية المعاصرة فهن رائدات القرن العشرين اللائي عكسن ثقافاتهن نحو الأفق بلا حدود مع خريطة الإبداع في جرأة و نبوغ و ظهور بجانب الرجل فتناغمت حلقات الإبداع في تلقائية وتواصل ٠٠
و قد وصفها البعض بأنها خنساء القرن العشرين لفقدها العديد من أسرتها فشكلت وجدانها الهموم و الأحزان و من ثم جاءت هذه اللوحات الشعرية مرهفة الاحاسيس صادقة العاطفة تكشف مدي تدفق معاني الحنان بين سطور القصائد محملة بالكثير و الكثير من الخيال الجميل البليغ السامي شكلا و موضوعا من خلال مطالعتنا لبعض دواوينها التي تحمل دلالات انسانية في فهم و ادراك لرسالة الفنون في حياة الانسان هكذا نتأمل فلسفتها الشعرية في تساؤلات تنم عن موهبة و قدرة و ثقافة متنوعة للبيئة العربية دور واضح وصريح رؤية و ملامح أصيلة تمسك بأهدابها نحو قيم جمالية تشرق من ثنايا النفس الحائرة ——-
ولدت الشاعرة الدكتورة سعاد محمد الصباح، بالكويت عام 1942 و عاشت تبحث عن العلم و الثقافة مع نشأتها كأميرة بين قصر الحكم حتي حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية،
و عملت أستاذة و باحثة جامعية —
كل هذا جعل منها انسانة لها دور في الحياة العلمية و العملية فهي شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية
و أنشأت مؤسسة «لدار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» عام 1985.
و عندما نقدم موهبتها الشعرية ورحلتها مع الحياة من خلال واحة الابداع الفني نجدها تتقمص دور الخنساء لما ألم بها الحزن لكنها تخرج من عبائته الي الأنا التي تعشق الحياة و الحب و التغني بالحلم و الوطن و رسم واقع اجتماعي يتفاعل مع العالم الواسع ٠
و قد رسمت صورة الرجل في قصيدة رائعة لها عن قرب من محراب الرجل في سباق تصور مدي رؤيتها لعالمه كما يراها الرجل في توازن بين يفتح تأملاتها نحو هذا النوع من الأدب المركب المطبق لكنها في جسارة تقتحم جسوره في تلقائية هكذا فتقول الدكتورة سعاد الصباح :
أعرف رجلا
أعرف بين رجال العالم رجلا
يشطر تاريخي نصفين
أعرف رجلا، يستعمرني
و يحررني
و يخبئني بين يديه القادرتين
أعرف بين رجال العالم رجلا
يشبه آلهة الإغريق
يلمع في عينيه البرق
و تهطل من فمه الأمطار
أعرف رجلا
حين يغني في أعماق الغابة
تتبعه الأشجار
* من دواوينها الشعرية:
—————————–
ديوان “من عمري” صدر عام 1964م. ديوان “أمنية “صدر عام 1971م القاهرة. الطبعة الثانية الكويت دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع 1989م، القاهرة 1992م. “إليك يا ولدي” صدر عام 1982م دار المعارف القاهرة (أربع طبعات) الكويت 1989م، القاهرة 1992م. “فتافيت امرأة “صدر عام 1986م، الكويت 1989م،القاهرة 1992م. “في البدء كانت الأنثى “صدر عام 1988م لندن، القاهرة 1992م. “حوار الورد والبنادق” صدر عام 1989م لندن. “برقيات عاجلة إلى وطني” صدر عام 1990م القاهرة، الكويت 1992م. ” آخر السيوف “صدر عام 1991م. “قصائد حب ” صدر عام 1992م. “امرأة بلا سواحل” صدر عام 1994م.
ومن خلال مطالعتنا لشعرها الذي يتفاعل مع صيرورة الحياة بين فرح و حزن و صمت و انفجار تعزف قصائدها تفتخر بموطنها و رحلتها كطفلة ووردة تفوح بين صخور بيئتها تبدو بين أهداب خيمتها العربية و تصف لنا معطيات الحياة في عشق ودفء وحنين الي الوطن الكبير من خلال بيتها و الأحداث التي عصفت بمراحل التكوين و هذا كله تؤكده قصيدتها انني بنت الكويت تزهو كالزهرة و الفراشة بين ربوع موطنها الحبيب و
مع قصيدة ” إنني بنت الكويت ” والتي تصدح في مطلعها مغردة :
إنني بنت الكـويت
بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل ،
كـالظبي الجميل
في عيوني تتلاقى
أنجم الليل ، و أشجار النخيل
من هنا .. أبـحـر أجدادي جميعا
ثم عـادوا .. يحملون المستحيل ..
( 2 )
انني بنت الكويت
هل من الممكن أن يصبح قلبي
يابسا .. مثل حصان من خشب ؟
باردا..
مثل حصان من خشب ؟
هل من الممكن إلغاء انتمائي للعرب ؟
إن جسمي نخلة تشرب من بحر العرب
و على صفحة نفسي ارتسمت
كل أخطاء ، و أحزان ، و آمـال العرب ..
( 3 )
سـوف أبقى دائما ..
أنتظر المهدي يأتينا
وفي عينيه عصفور يغني ..
و قمر ..
و تباشير مطر ..
سوف أبقى دائما ..
أبحث عن صفصافة .. عن نجمة ..
عن جنة خلف السراب ..
سوف أبقى دائما ..
أنتظر الورد الذي
يطلع من تحت التراب ..
===
و في قصيدة ذات نزعة فلسفية تظهر فيها ” الأنا ” المسيطرة عليها كالأمواج المتلاطمة تصف لنا وجودها مع الحياة في حوارية تقريرية بعنوان ( لا تنتقد ) تؤكد علي ملامح شخصيتها ومدي حجم المعاناة مع الحياة بعيدا عن أطوار تنال من عالمها فتقول الدكتورة سعاد الصباح :
لا تنتقد
لا تنتقد خجلى الشـديد .. فاننى
بسيطة جــدا … وأنت خبير ..
ياسيد الكلمات .. هبنى فرصة
حتى يذاكر دروســه العصفور ..
خذنى بكل بساطتى ..وطفولتى
أنا لم أزل أصبـــو ..وأنت كبيــــر .
أنا لا أفرّق بين أنفى أو فمى
فى حين أنت على النساء قدير ..
من أين تأتى بالفصاحة كلهـــا..
وأنا .. يموت على فمى التعبيــر
أنا فى الهوى لا حول لى أو قوة
ان المحبّ بطبعـــه مكســــور .
انى نسيت جميع ماعلمتنى
فى الحب فاغفر لى وانت غفور
ياواضع التاريخ .. تحت ســريره
ياأيها المتشاوف المغـــرور .
يا هادىء الأعصاب ..أنك ثابت
وأنا ..على ذاتى أدور ..أدور ..
الأرض تحتى دائما محروقة
والأرض تحتك مخمل وحرير ..
فرق كبير بيننا ياســـــــيّدى
فأنا محافظـــة .. وأنت جســـور
وأنا مقيّدة .. وأنت تطيـــــر ..
وأنا محــجّبة .. وأنت بصيــــر ..
وأنا .. أنا .. مجهـــولة جدا ..
وأنت شهير ..
فرق كبير بيننا .. ياسيدى
فأنا الحضارة
والطغاة ذكور ..
هذه كانت قراءات لعالم شاعرتنا الكويتية الأميرة ( سعاد الصباح ) فهي اديبة ومحللة سياسية حيث تخصصها في استاذية الاقتصاد و ترحالها بين مدن العالم فتح أمامها واحة الإبداع الفني برغم حالة الحزن التي ألمت بها جعلت منها شاعرة صادقة الوجدان تترجم لنا مدي المعاناة بين المرأة و الوطن قصيدة تحمل دلالات تفوح بعبقرية الزمن في تواصل مع روح العصر فسطرت لنا فيوض من شعرها ذات النزة الواقعية في فلسفة تكشف لنا شدو الغناء حول ظلال موكبها الطويل مع رحلة العمر تبحث عن الرحمة تهرب من الطغاة بين المجهول ——-
فهي رمز شعري نسائي من رائدات القرن العشرين صوت متميز واثق يزف لنا أحلام و أحزان المرأة في القطر الشقيق دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله